لبنان الذي عاش دون رئيس للجمهورية لمدة عامين ونصف العام ،يعيش حاليا مرحلة شد الأطراف بين القوي السياسية الفاعلة علي الساحة اللبنانية،فبعد إنهاء الفراغ الرئاسي ،وانتخاب زعيم تكتل التغيير والإصلاح 8 آذار العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية في نهاية أكتوبر الماضي، وتكليف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بتشكيل حكومة وفاق وطني لايزال الحريري يراوح مكانه وسط عناد التيارات السايسية وزعماء الطوائف علي اقتسام كعكة الحكومة الجديدة،فأين يكمن التعطيل؟ هل عند رئيس مجلس النواب نبيه بري، أم حزب الله،أم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع،أم عند رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، أم عند الرئيس اللبناني ميشال عون ، أم عند الحريري المكلف بتشكيل الحكومة؟ يتكون لبنان من 18طائفة أكبرها المسلمون سنة وشيعة ودروز ،ثم المسيحيون الموارنة والكاثوليك والأرثوذكس،ثم طوائف صغيرة من الأرمن والطاشناق وغيرهم، وهذه الطوائف هي التي تشكل فسيفساء المجتمع اللبناني 4ملايين في الداخل و8 ملايين في المهجر ويتحكم زعماء الطوائف في انتخاب الرئيس واختيار رئيس الوزراء، واختيار رئيس مجلس النواب، ويتقاسمون فيما بينهم حسب الطوائف حصص الوظائف العليا والسيادية وغيرها من الوظائف الحكومية، ولذلك يصر كل فريق علي حصة طائفته، ليصبح لبنان سياسيا مرهونا بنظام المحاصصة التي بدأت مع إتفاق الطائف مطلع التسعينيات من القرن الماضي وأنهت الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15عاما وحصدت أرواح 250ألف لبناني وخلفت مثلهم من الجرحي والمعاقين، فتم الاتفاق علي أن يكون الرئيس من المسيحيين المارونة، ورئيس الوزراء من المسلمين السنة، ورئيس مجلس النواب من المسلمين الشيعة، ولذلك يصعب انتخاب رئيس الجمهورية دون توافق، كما لايكلف مسلم سني بتشكيل الحكومة دون توافق، وكذلك اختيار رئيس مجلس النواب. وبعد انتخاب عون رئيسا بالرغم من معارضة البعض،فإن معارضيه يصرون علي اقتسام كعكة الحكومة مع مؤيديه وهو مايعرقل تشكيل حكومة الحريرى. فرئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل والحليف القوي لحزب الله ،يصر علي أن تكون وزارة المالية من نصيبه بحيث يضمن التوقيع الشيعي بجانب توقيع رئيس الجمهورية الماروني، وتوقيع رئيس الوزراء السني، ويصر كذلك علي وجود المرشح الرئاسي السابق سليمان فرنجية في الحكومة ،قائلا :نحن وفرنجية في الحكومة وإلا فلا، بالرغم من أنه أعلنها صراحة قبل إنتخاب عون رئيسا بأنه يعارض انتخابه ولن يعطيه أصوات كتلته النيابية وبالفعل صوت نوابه بورقة بيضاء، وكذلك عارض فرنجية وصوت نوابه بورقة بيضاء في جلسة انتخاب عون بمجلس النواب، ويصر بري علي إعطاء فرنجية وزارة قوية وفاعلة مثل الأشغال أو التربية،مما يزيد تعطيل التشكيل نظرا لعدم موافقة الأطراف الأخري علي الحقيبة الوزارية المقترحة لفرنجية. أما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع -14آذار- فكان مصرا علي حقيبة سيادية كالخارجية والداخلية والدفاع والعدل مستندا على موقفه الداعم لعون وتنازله عن الترشيح للرئاسة لمصلحة عون مما زاد من حظوظ عون للفوز بالمقعد الشاغر في قصر بعبدا،ولكن خصومه في فريق 8آذار رفضوا منحه حقيبة سيادية،فرضي بعرض الحريري بوزارات فاعلة وتعيين نائب لرئيس الوزراء من القوات اللبنانية،وهو مارفضه خصوم جعجع ليزداد التعطيل تعطيلا،بالرغم من موافقة الحريري ورئيس الجمهورية علي ذلك،مما جعل الرئيس المكلف سعد الحريري تحت وطأة كثرة المطالب وتنوعها، والجميع يهدده بأنه قد ينتقل إلي المعارضة ولن يدخل الحكومة من دون حصة وازنة أو وزارة سيادية أو وزراة خدماتية. ولا يريد الحريري أن ينطلق العهد الجديد ببطء وبولادات عسيرة وصعبة، يكون مولودها معوقا لا يعيش كثيرا أو يعيش ضريرا، بل يريد انطلاقة قوية بدفع محلي وعربى ودولى لإنقاذ الجمهورية بعد خنقها لمدة عامين ونصف العام من الشغور الرئاسي. وهذا الاستمرار في التعطيل قد يؤدي إلي تأخير الانتخابات النيابية، وهو الأمر الذي يرفضه الرئيس عون لأنه مصر علي إجراء الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها وهذا ما انتهجه قبل وصوله إلي الرئاسة،خاصة وان مجلس النواب ممدد له مرتين. تقول مصادر تعمل علي خط التشكيل إن بري يقوم بدعم فرنجية، خاصة بعد تخلي الحريري عنه بعدما رشحه للرئاسة ثم ذهب لدعم عون وتوصيله إلي سدة الرئاسة، ولذلك يسعي بري لمنح فرنجية حقيبة عادية لأنه لن يتخلي له عن وزارتى المال أو الأشغال ،وقد يتخلي له عن وزارة التربية حسب تصريحاته الأخيرة ولكنه ينتظر موافقة الحريري وعون،ليرد عليه الحريري بأنه مع بري ظالما أو مظلوما، وهي مقولة بري عن الحريري بعدما عاد من منفاه الاختياري في الرياض،مما يرجح حصول المردة علي وزارة التربية في حال التوافق بين عون والحريرى وعدم اعتراض جعجع أو حزب الله. ونظرا للتعطيل الذي دخل شهره الثاني دون التوافق بين الفرقاء السياسيين علي توزيع الحقائب الوزارية، يهدد كل من الرئيس اللبناني والحريري بفرض حكومة بحيث يتم تشكيلها بدون الرجوع لأحد فهل يستطيعان وسط هذا الانقسام اللبناني الدائم؟ لا يبدو الأمر سهلا، فهناك من يري أنّ الأمر قد يضرّ أكثر ممّا ينفع، ليس لأنّ الوقت الذي استغرقه تأليف الحكومة حتي الآن لا يزال ضمن المهل المعقولة مقارنة بالتجارب السابقة ، بل لأنّ مثل هذا الأمر قد ينطوي علي خياراتٍ ستزيد الأمور تعقيداً، فإذا كان تيار المردة قد أعلن عدم ممانعته بالذهاب إلي صفوف المعارضة في حال عدم تلبية مطالبه، فهل ينفذ الثنائي الشيعي ماوعد به بالخروج من الحكومة إذا لم يكن فيها فرنجية؟ وهو الذي يهدد بأنه الثنائي الشيعي لن يبقي دقيقة واحدة في حكومة تُفرَض عليه فرضا؟ وقد تكون حكومة الأمر الواقع حلاً يتخذه عون والحريري، إذا شعرا أن هناك من يريد التعطيل أمام انطلاقة العهد، خاصة أن عون والحريري وحدهما من يوقعان مراسيم تأليف الحكومة،سواء كانت حكومة من 24وزيرا، أومن 30وزيرا لإرضاء جميع الأطراف. ومن الملاحظ أنه ولأول مرة منذ اتفاق الطائف مطلع التسعينيات من القرن الماضي يختار المسيحيون وزراءهم بعدما كانت بقية الطوائف هي التي تختار لهم من يمثلهم في السلطة. ويتخوف الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل من التقارب السني المسيحي بعدما دعم الحريري عون ،خاصة وأن الحريري أصبح متوافقا مع عون وجعجع، وهو الأمر الذي يزعج الشيعة، خوفا من اتخاذ سياسة غير مقاربة تجاه سوريا الأسد وإيران، حيث إن جعجع والحريري مع المعارضة السورية عكس بري ونصر الله، كما أن فريق الحريري ضد سلاح حزب الله، وهو الأمر الذي قد يضعف محور المقاومة والأسد في لبنان، وهو مالايرضاه الثنائي الشيعي ،خوفا من هيمنة السنة والمسيحيين علي الوضع في لبنان، مما يشكل خطرا علي الشيعة في لبنان. كما أن هذا التقارب يصب في مصلحة الحريري وعون وجعجع إذا تم الإبقاء علي قانون الستين الذي يقضي بمناصفة أعضاء مجلس النواب 128نائبا مابين المسلمين والمسيحيين، الأمر الذي سيجعل الغلبة النيابية للسنة والمسيحيين أكثر من حزب الله وحركة أمل، ولذلك يحاول الاثنان تغيير قانون الانتخابات لتكون علي أساس النسبية وليس الستين. واليوم أو غدا أو بعد اسبوع أو شهر أو شهور سوف تتشكل الحكومة اللبنانية برئاسة الحريري سواء ب24وزيرا او 30وزيرا أو حكومة أمر واقع يقررها عون والحريري ولايشارك فيها الثنائي الشيعي وفرنجية ومن يحذو حذوهم، فهل يستطيع هذا التقارب من حسم الأمر لمصلحته ،ام ان لبنان ستنتقل من فراغ رئاسي تم الانتهاء منه إلي فراغ حكومي يسعي عون والحريري لإنهائه وإن أصبح حلفاء الأمس معارضين اليوم؟