يشكل عيد الاستقلال ال73، الذي احتفلت به الجمهورية اللبنانية أمس، نقطة فارقة في المدة الزمنية التي أعلنها سعد الحريري لتشكيل حكومته، خاصة أنه كان يأمل تأليف الحكومة وإنجازها قبل عيد الاستقلال في 22 نوفمبر، الذي كان له طابع مميز؛ كونه نُظم للمرة الأولى منذ أكثر من سنتين بسبب الشغور الرئاسي الذي حال دون إقامة العرض العسكري وحفلة الاستقبال في القصر الجمهوري. تشكيل الحكومة في 3 نوفمبر الجاري، كلف الرئيس اللبناني الجديد، ميشيل عون، زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، بتشكيل الحكومة الجديدة، وكانت التكهنات آنذاك توضح أن تشكيل الحكومة سيكون ميسرا في ظل التوافقات السياسية بين الأحزاب اللبنانية على صفقة سياسية بتولي عون مقاليد الحكم في لبنان، والحريري رئيسًا للوزراء، ونبيه بري رئيسًا للبرلمان، لكن يبدو أن هذه التكهنات جانبها الصواب؛ حيث صرح رئيس الوزراء اللبناني المكلف، الاثنين الماضي، بأن جهوده لتشكيل حكومة جديدة تخرج البلاد من الأزمة السياسية تواجه "عثرات". معوقات التشكيل الأخيرة ناتجة عن التوتر بين الزعماء المهيمنين على الحياة السياسية في لبنان، حيث تصاعدت الخلافات حول توزيع الحقائب الوزارية وعدد الوزارات في الحكومة الجديدة وقانون الانتخابات المثير للجدل، الذي يتعين إقراره من أجل إجراء الانتخابات البرلمانية في 2017. يحتاج لبنان بصورة عاجلة إلى حكومة فعالة للتصدي إلى المشكلات الاقتصادية والتنموية القائمة منذ فترة طويلة، مثل تحسين البنية التحتية وتنظيم معالجة النفايات والاستفادة من احتياطيات النفط والغاز المكتشفة في مياهه، كما أن التوتر السياسي شل عملية صنع القرار في لبنان لفترة طويلة، علما بأن لبنان لم يشهد انتخابات برلمانية منذ 2009 والبرلمان الحالي مد لنفسه فترة توليه. عقبات تكمن المشكلة بين بري والحريري، في أن الأخير كان التزم مع «القوات اللبنانية» التي يتزعمها سمير جعجع على توليها حقيبة الأشغال العامة والنقل، لكن الأول الذي عُرضت عليه حقيبة الصحة، أصر على حقيبة الأشغال العامة، كما أن سليمان فرنجية، المرشح الرئاسي أمام عون ورئيس تيار المردة، طالب أيضا بحقائب وزارية كالاتصالات أو الطاقة أو الأشغال العامة، الأمر الذي قد يشكل استعصاء في حقيبة وزارة الأشغال، خاصة أن كثير من السياسيين اللبنانيين، لا ينظرون لجعجع على أن له كتلة تمثيلية كبيرة في الساحة السياسية اللبنانية تخوله الانتقاء بين الحقائب الوزارية. في المقابل، وجود جعجع كخصم سياسي لبري حول حقيبة الأشغال العامة، قد يجبر الأخير على التمسك بها، خاصة أنه دعم فرنجية سياسيًا عندما كان مرشحًا رئاسيًا، وبالتالي لن يمانع بري من حيث المبدأ في منح وزارة الأشغال لفرنجية كجائزة ترضيه خاصة أنه بذل مجهودا في إنجاح الصفقة الرئاسية بلبنان، كما أن وجود جعجع كطرف منافس لفرنجية حول حقيبة الأشغال، قد يزيد من خطورة الموقف في حال لم يتنازل أحدهم عن الحقيبة، فالأول له تاريخ أسود مع عائلة الثاني، حيث قتل جعجع والد سليمان فرنجية وزوجته وابنته بدمٍ بارد. الواضح أن هناك أمرين أساسيين يعيقان تشكيل الحكومة، الأول سعي كل طرف أو حزب سياسي للحصول على أكبر عدد من الوزارات خاصة السيادية مثل الداخلية والخارجية والمالية والدفاع، أو خدماتية مثل وزارة الأشغال والصحة والاتصالات والشؤون الاجتماعية. الأمر الثاني، سعي المرجعيات السياسية الأساسية مثل رئيس الجمهورية وحزب الله وحركة أمل لتمثيل حلفائهم السياسيين في الحكومة للوصول إلى حد من التوافقات في الانتخابات النيابية المقبلة، فحزب الله يسعى لتمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي، والرئيس بري يسعى لتأمين وزارة ذات قيمة للنائب سليمان فرنجية كتعويض له عن عدم وصوله لرئاسة الجمهورية. كما برزت مشكلة أخرى حول تشكيل الحكومة، حيث لا تزال عقدة مطالبة رئيس الجمهورية بتسمية وزير شيعي عالقة، لارتباطها بحلحلة في مسألة الحقائب، حيث يصر عون على أن يكون له وزير شيعي في الحكومة، إضافة إلى وزير سنّي بصفة كونه رئيسا للبلاد وكل اللبنانيين وليس للمسيحيين وحدهم، وأوضحت مصادر لبنانية أن مسألة حصول رئيس الجمهورية على وزير سنّي قد يتم حلها، لكن ليس هناك ما يشير إلى أن رئيس مجلس النواب الذي يفاوض ميشال عون باسمه وباسم حزب الله سيتساهل في موضوع الوزير الشيعي. ومع كل هذه العقبات، أعربت مصادر سياسية لبنانية عن اعتقادها بأن المكلف سعد الحريري سيتمكّن من تشكيل حكومة في الأسابيع القليلة المقبلة رغم وجود عقبتين أساسيتين تقفان في وجه ذلك، ولم تستبعد هذه الأوساط أن يقتصر عدد أعضاء الحكومة الحريرية، التي ستكون الأولى لعهد ميشال عون، على أربعة وعشرين وزيرا.