على الرغم من مرور أكثر من أسبوع على تكليف الرئيس اللبناني الجديد، ميشال عون، لرئيس الوزراء، سعد الحريري، بتشكيل الحكومة، إلا أن مساعى "الحريري" لا تزال تجد أمامها العراقيل، الأمر الذي يدفع للتساؤل: هل كافة الاستحقاقات اللبنانية تحتاج إلى شهور بل وسنوات لإنجازها مثلما أخذ الاستحقاق الرئاسي ما يقرب من سنتين ونصف لاختيار "عون"؟ مفاوضات ومشاورات ماراثونية بين رئيس الوزراء، سعد الحريري، والوزراء المرشحين لتشكيل الحكومة الجديدة، كان آخرها تلك التي عُقدت الخميس، بين وزير الخارجية "جبران باسيل"، ومستشار الحريري، نادر الحريري من جهة، وبين الأخير ووزير المالية "علي حسن خليل" من جهة أخرى. لكن على الرغم من تكثيف تلك المشاورات، إلا أنها لم تسجل تقدمًا واضحًا، ولم تحل الأزمات والخلافات بين الأحزاب. وقالت مصادر مواكبة لمشاورات تشكيل الحكومة إن عملية التشكيل قطعت شوطًا لا بأس به، وإن الشوط الأخير لم يعد يحتاج سوى تكثيف الاتصالات للتسريع، لكن على الرغم من هذه الأنباء، إلا أن حقيبة وزارة المالية ومنح القوات اللبنانية حقيبة سيادية، لا تزالان حاجزًا أمام تشكيل الحكومة، حيث توجد العديد من العراقيل التي تقف أمام تشكيل حكومة توافق وطني، أولها رفض الرئيس عون بقاء الوزير "علي حسن خليل" في وزارة المالية، وهو أمر يعتبره رئيس مجلس النواب، نبيه بري تحديًا له، بينما يقف الحريري على الحياد، وفي المقابل، يُصر حزب القوات اللبنانية على تولي حقيبة سيادية، الأمر الذي لا يمانعه عون والحريري من حيث المبدأ، لكن هناك رفض واضح من بقية القوى السياسية. وبينما لا يمانع الحريري منح القوات اللبنانية وزارة سيادية، ويُحبذ عون ذلك تنفيذًا للتفاهم مع القوات حول التساوي في الحصص، يعترض غالبية الفرقاء الآخرين على منح القوات أيًّا من وزارتي الخارجية والدفاع، ويحاول عون من جانبه إقناع جعجع بالتخلي عن الحقيبة السيادية مقابل حقائب أخرى خدماتية أو شبه سيادية، كالاتصالات أو الطاقة، مع تحفظ حزب الله على منح القوات وزارة الاتصالات؛ بسبب حساسية دورها في الملفات الأمنية. مطالبة الرئيس ميشال عون بحقائب خاصة عدا عن حقائب التيار الوطني الحر، تعتبر أزمة أيضًا أمام الحكومة المقبلة، حيث يطالب رئيس الجمهورية بأن تكون له ثلاث حقائب بعيدًا عن حصة التيار، ويحرص عون على أن تشمل حصته وزيرًا سنيًّا، وهو ما لا يعارضه الحريري، لكن في المقابل يحرص على تمثيله بمسيحي، الأمر الذي أثار جدلًا كبيرًا بين الأحزاب اللبنانية، خاصة أن طلب عون يتعارض مع معارضته خلال الحكومات السابقة التي تشكلت في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، على منح الرئيس مقاعد وزارية، فيما قالت مصادر لبنانية إن حصة "التيار الوطني الحر" التابع لعون ستصبح 7 وزراء، بعد أن تم حسم حق "عون" في أن تكون له حصة منفصلة عن التيار، على الرغم من اعتراض "بري" على ذلك. في المقابل أكدت مصادر لبنانية أنه لا مشكلة لدى حركة أمل وحزب الله في توزيع الحقائب الست التي حصلا عليها فيما بينهما، فحقائب أمل هي المال "علي حسن خليل" والأشغال "ياسين جابر"، أو أيّ حقيبة توازيها، مع حقيبة دولة لم يُحسم اسم مرشحها بعد، فيما لم يفصِح حزب الله بعد عن أسماء مرشحيه لتولي الحقائب الوزارية الثلاث. أما الحصة الدرزية فلم تواجه المشاكل التي واجهتها الطوائف الأخرى، فقد حجزت هذه الطائفة مواقعها بثلاث حقائب، اثنتين للنائب وليد جنبلاط، تتمثلان في "مروان حمادة"، و"أيمن شقير"، وثالثة يشغلها رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب، طلال أرسلان، كما أن وزارة الخارجية ووزيرها جبران باسيل، والداخلية ووزيرها نهاد المشنوق، تُعدان من بين الحقائب الوزارية المحسومة والتي خرجت عن دائرة النقاش، أما حزب القوات اللبنانية فعقدها على طريق الحل، بحيث سينال بدل الحقيبة السيادية حقيبة سيادية كحقيبة العدل، إضافة إلى حقيبة أُخرى، فيما لم تُعرف بعدُ حصة تيار المردة. ويرى بعض المراقبين أن أزمة تشكيل الحكومة تنبع من أن التفاهم بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري لا يزال غير كافٍ لإقناع حلفاء الطرفين بتقديم تسهيلات جدية لإزالة العقبات أمام تشكيل الحكومة، الأمر الذي يثير القلق حول تأخر تشكيل الحكومة، حيث يتوقع المراقبون أن الانتخابات التشريعية المقبلة قد تتم وفق قانون الستين، أو ربما تتأخر نتيجة لتضارب آراء القوى السياسية في لبنان. لا شك في أن جميع القوى السياسية اللبنانية تريد إنجاز مهمة تشكيل الحكومة؛ للتخفيف من انعكاسات الأزمات السياسية والاقتصادية المزمنة التي نتجت عن تأخر الاستحقاق الرئاسي لمدة عامين ونصف تقريبًا، وهو ما أكده الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، حيث قال بعد المشاورات الأخيرة التي أجراها مع الكتل السياسية: سأبدأ في العمل سريعًا لإنجاز تشكيلة حكومية، آمل عرضها على فخامة رئيس الجمهورية في أسرع وقت ممكن. وشدد على أن الجميع يريد تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن، مضيفًا أن هناك الكثير من القوى السياسية التي طالبت بحقائب سيادية عدة، مشيرًا إلى أن هذا أمر طبيعي؛ لأن هذه الاستشارات مبنية على أن تأتي كل الكتل النيابية لتطلب ما تريد. وعلى الرغم من رغبة الكتل السياسية في إنجاز هذا الاستحقاق الوطني، إلا أن الأزمات وتضارب الآراء والمصالح والمواقف السياسية ومشكلة المحاصصة الطائفية التي تشكل معضلة مزمنة في لبنان لا تزال عائقًا أمام هذه الرغبات، الأمر الذي يدفع إلى القول بأن الحريري قد يأخذ وقتًا طويلًا حتى يستطيع إتمام تشكيل حكومة وفاق وطني، وقد يتكرر سيناريو الرئيس السابق ميشال سليمان في عام 2009، عندما كلف "الحريري" بتشكيل الحكومة، واستغرق الأخير خمسة أشهر لتشكيل حكومة وحدة وطنية حينها.