مع اطلاقها لأحدث صواريخها الناقلة للحمولات الثقيلة من طراز»لونج مارش-5»، خطت الصين خطوة هامة نحو تحقيق طموحها الكبير المتمثل فى محطة فضائية مأهولة تعتبر رمزا لتطور الأمة الصينية،ومؤشر على مكانتها الكونية، وهو ما جسدته دعوة الرئيس الصينى تشى جين بينج الى ان تفرض بلاده نفسها على العالم كقوة فضائية عظمي. وحمل الصاروخ «لونج مارش 5» البالغ طوله 57 مترا والذى تم اطلاقه من مركز «وينشانج» المبنى حديثا لاطلاق الصواريخ فى جزيرة «هاينان»جنوب البلاد- حاملا قمرا صناعيا وغيره من المعدات اللازمة لمحطة الفضاء المخطط أن يكتمل بناؤها عام 2022، وسيستخدم الصاروخ لونج مارش-5 فى حمل واطلاق النواة الاساسية لمحطة الفضاء الصينية،وحاسوبها المركزى عام 2018، كما سيستخدم لاحقا فى مهام فضائية تشمل ارسال رجل فضاء الى سطح القمر، وارسال رحلة استكشافية للمريخ. ولإكمال المنظومة اطلقت بكين فى اكتوبر الماضى المركبة الفضائية شينزو-11المأهولة الى الفضاء ، وتقل رائدى فضاء، لمدة شهر فى أطول رحلة صينية مأهولة للفضاء، كخطوة متقدمة نحو بناء المحطة المدارية الصينية التى تحمل اسم «تيانجونج». وتعد الصين الدولة الثالثة فى العالم،بعد روسيا، والولايات المتحدة، التى تتمكن من إرسال رواد فضاء فى مهام خارج كوكب الأرض منذ عام 2008، كما أطلقت بكين بنجاح عام 2013مركبة فضائية غير مأهولة هبطت على سطح القمر ، كما اطلقت ايضا المختبر الفضائي»تيانجونج-1 أو القصر السماوي» عام 2011 والذى اعتبر رمزًا لقوة الصين المتنامية فى مجال الأبحاث العلمية الهادفة للتحول الى فضائية عظمى، وكانت مهمته القيام بالاختبارات والأبحاث اللازمة لتحديد التكنولوجيا المطلوبة لإنشاء محطة فضائية، وتحسين وتطوير إرساء المركبات والصواريخ فى الفضاء، كما أطلقت المختبر تيانجونج-2، والذى اطلق فى سبتمبر الماضي،وهو ما يعكس الوتيرة السريعة التى يتقدم بها برنامج الفضاء الصينى الطموح الذى يدعمه الجيش الصيني، والذى تؤكد بكين أنه مخصص للاغراض السلمية، رغم تأكيدات أمريكية بأن القدرات الصينية المتنامية تهدف لمنع الدول المنافسة لها من استخدام الأسلحة الفضائية فى الأزمات. وفى حال انتهاء مهمة محطة الفضاء الدولية (آي. إس. إس) عملياتها فى عام 2024 كما هو مخطط، ستكون محطة الفضاء الصينية - إذا اكتمل بناؤها - المحطة الوحيدة المأهولة بشكل دائم فى الفضاء وهو ما يعنى سيادة منفردة لبكين فى هذا المجال . وتأتى بكين التى أنفقت 6 مليارات دولار فى المرتبة الثانية فى الانفاق على ابحاث الفضاء بعد واشنطن التى تنفق 40 مليار دولار ، بينما أنفقت موسكو حاليا 5 مليارات دولار، ورغم الانفاق الأمريكى المرتفع جدا نجحت واشنطن فقط فى 19 عملية اطلاق للفضاء الخارجى مقابل 31 لروسيا و 14 للصين فى عام 2013، وهو ما يعنى أن الصين وصلت بالفعل لنادى الكبار فى الفضاء وأيضا تتسارع قوتها. ويؤكد فابيو فافاتا رئيس مكتب تنسيق البرامج بالادارة العلمية لوكالة الفضاء الاوروبية أن البرنامج الفضائى للصين يسير بوتيرة سريعة جدا نحو التحول الى قوة فضائية عظمى اذ تنوى اطلاق نسخة معدلة من صواريخ الاطلاق،ونموذج أحدث لمحطة فضائية،وتليسكوب يعمل بأشعة -إكس قبل نهاية العام الجارى ،ويؤكد فافاتا أن سياسة المنع، وحظر التعاون التام من قبل أمريكا تجاه الصين فى المجال الفضائى جعلت الصينيين يسارعون أكثر فى برامجهم . وفى تقرير لصحيفة»الجارديان»البريطانية يتنبأ برايان هارفى المحلل الفضائى ومؤلف كتاب»الصين فى الفضاء..القفزة العظيمة للأمام»أن القدرة الصينية ستظهر بوضوح لتبارى أقرانها تماما بحلول عام 2020مع اطلاق محطتها الفضائية «تيانجونج» والتى ستكون بحجم المحطة الفضائية الدولية «آى .اس.اس» والتى شارك فى بنائها امريكا، وروسيا، واليابان، ودول أوروبية والتى تعمل فى مدارها منذ عام 1998،والتى لم توافق أمريكا على مشاركة بكين فيها لتعطيل سعيها نحو الفضاء. ويؤكد برايان هارفى أن حجم التجارب والأبحاث العلمية التى سيتمكن الصينيون من اجرائها بسهولة فى محطتهم «تيانجونج»لم يكن التوصل اليها فى محطة الفضاء الدولية أمرا سهلا أبدا. ويؤكد وانج تشى ، من المركز الوطنى لعلوم الفضاء بأكاديمية العلوم الصينية ، أن العلم شيء فى غاية الأهمية فى برنامج الفضاء الصيني، مشددا على أن الصينيين غير راضين عما تم انجازه حتى الآن فى مجال تكنولوجيا الفضاء والتطبيقات الفضائية ، وأشار الى أنه مع تطوير البرنامج الفضائى لبكين يحاول الصينيون تقديم اسهامات أكثر للمعرفة الانسانية عن الكون.ورغم التفوق الصينى لا تنوى الصين احتكار «القصر السماوي» لنفسها بل وقعت اتفاقا للشئون الفضائية مع الأممالمتحدة فى يونيو الماضى يسمح لرواد الفضاء من دول اخرى خاصة الدول النامية والفقيرة الأعضاء بالمنظمة لإجراء الابحاث العلمية التى يرون أنها مكلفة بالنسبة لهم. والمحطة «تيانجونج» تحتوى على مركبة لرواد الفضاء تسمي»شينزو أو السفينة الالهية،وتشبه المركبة الروسية «سويوز» ربما لأن بكين اشترت تكنولوجيا تلك المركبة من روسيا منتصف التسعينيات. ويؤكد برايان هارفى المحلل الفضائى ان بكين بدأت بالفعل فى تطوير نموذج أكبر للكبسولة شينزو تكون قادرة علي استيعاب أكثر من 6 رواد سواء على متن المحطة تيانجونج أو فى أى رحلة للقمر، ويرى هارفى أن أول ما أثار الشكوك حول جانب آخر غير سلمى للبرنامج الفضائى الصينى هو اطلاق النظام «آولونج أو التنين الهائم باللغة الصينية» وهو نظام يحتوى على ذراع آلية لالتقاط الاقمار الصناعية ودفعها للاحتراق فى المجال الجوى للأرض، بينما تقول الصين إنه ذراع آلية عادية لالتقاط الحطام الفضائي»، وهو أمر صحيح فنيا لكنه ايضا يعتبر بالفعل سلاحا فضائيا عندما يقوم باسقاط الاقمار الصناعية للخصوم، وهو ما برهنت عليه بكين فعليا مع احد اقمارها الصناعية عام 2007 كرسالة للولايات المتحدة التى انسحبت من معاهدة منع الصواريخ الباليستية ، ومع ذلك يؤكد هارفى أن المزاعم العسكرية للبرنامج الفضائى للصين مبالغ فيها بدرجة كبيرة.