حين اطلعت على مشروع قانون الجمعيات الأهلية، الذى أقره مجلس النواب، انتابتنى دهشة كبيرة، فقد شاركت على مدى عدة شهور- مع فريق عمل محترم من الخبراء والقانونيين وقيادات العمل الأهلى فى مصر، ولعدة شهور فى إطار وزارة التضامن الاجتماعي، فى إعداد مشروع قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية. وكان الفريق يتحاور بمهنية عالية، حول عدة نقاط فى مشروع القانون، وبحضور فاعل ومؤثر من وزيرة التضامن الاجتماعي، إلى أن وصلنا جميعا إلى توافق، كان محوره تفعيل العمل الأهلى فى ضوء الأمن القومى المصري، فى اللحظة الحالية. وبعد موافقة مجلس الوزراء على هذا القانون، تسلمه البرلمان المصرى رسميا فى 1/11/2016، ثم كانت المفاجأة أن مجلس النواب ناقش قانون آخر ومختلفا مقدما من اللجنة الاجتماعية. والمفاجأة الأكبر أن أعضاء البرلمان لم تكن لديهم أية معلومات عن مشروع القانون المقدم من مجلس الوزراء، السؤال هو: لماذا نشط أعضاءالبرلمان فجأة لإعداد مشروع قانون اخر بديل؟. وأين مشروع القانون المقدم من وزارة التضامن الاجتماعي؟ وهل قدم أعضاء البرلمان تشريعا أفضل لتحرير العمل الأهلي؟ وحين تقرأ القانون الذى قدمه النواب الأفاضل تزداد الدهشة، لأن المواد الحاكمة هى لغة أمنية وحتى التعبيرات المتكررة، مثل استخدام مصطلح الكيانات عدة مرات وكأنها مجموعات إرهابية، بل وتناقض نفس المواد فى نفس القانون مع بعضها البعض احيانا، ومع دستور 2014 فى أحيان أخرى المادة 75 من الدستور تقتضى أن يكون إشهار الجمعية بالإخطار والبند 6 فى مادة (1) لا يجيز فتح فروع جديدة للجمعية المركزية إلا بموافقة الوزير المختص.. وتزداد الدهشة وعلامات التعجب حين يقرر قانون الجمعيات الأهلية الذى اعده البرلمان انشاء جهاز بموجب المادة (70) للبت فى كل ما يتعلق بعمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية فى مصر، وفى مشروع قانون وزارة التضامن الاجتماعى تحدثنا عن لجنة تنسيقية يصدر بشأنها قرارمن مجلس الوزراء لمتابعة عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية. وحين تتابع باقى المواد وبنود القانون، يطالعك الإبداع غير المسبوق فى العالم بأن المنظمات الأجنبية غير الحكومية حين تطلب التصريح أو التجديد لها عليها أن تدفع مبلغ ثلاثمائة ألف جنيه أو ما يعادله بالدولار الأمريكي، تؤول حصيلته إلى صندوق دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية.. ويزداد هذا المبلغ كل خمس سنوات بما يعادل 20بالمائة، إن تضمين 16 مادة بمشروع قانون الجمعيات الأهلية المقدم من البرلمان، وهذه الموارد فى جهاز مستقل يرأسه وزير ومعاونون وفروع فى المحافظات، لمراقبة 77 منظمة دولية غير حكومية، هو هدر للموارد وهو تشكيك فى كل من يعمل على أرض مصر. ترى كم من المنظمات الأجنبية، سوف توافق على العمل فى داخل المحروسة؟ وهل حصول 300 جمعية فقط فى المتوسط ، للتمويل الأجنبي، يعنى أننا إزاء مؤامرة كونية ضد مصر؟ إن الهند بها 6000 فرع لمنظمات دولية أجنبية، ويحتوى قانونها على مادة واحدة فقط حاكمة لهذه المنظمات.. نحن أيها السادة ننغلق على انفسنا تماما، ونتراجع فى كل عام، ومع كل تشريع للأسف الشديد. إن الجزء الثانى من الصدمة، مصدره بنود تشريع القانون ازاء الجمعيات والمؤسسات الأهلية المصرية، وهنا نقول اننا نطلق رصاص الرحمة على هذه المنظمات التطوعية إذ أن القانون يشترط سداد عشرة آلاف جنيه (بدلا من ألف جنيه فقط) لقيد الجمعيات.. ويكرر القانون مصطلح الكيانات أكثر من عشر مرات بالقانون (كأنها كيانات إرهابية)، ويقيد بدرجة كبيرة حرية تأسيس الجمعيات فى المناطق الحدودية (هى قضية أمن قومى وكأن وجود نحو عشرة آلاف جمعية إخوانية وسلفية فى الوجه القبلى ليس أمنا قوميا. قانون الجمعيات المقدم من البرلمان يقضى بإخضاع رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات إلى قانون الكسب غير المشروع، أى أنت متهم فى شرفك إلى أن يثبت العكس.. ويحدد القانون المذكور من حرية الجمعيات فى الانضمام إلى شبكات دولية وعربية، وهذا يحدث فى عصر العولمة، فالجمعيات ملتزمة بموافقة الجهاز (الرجل الغامض)، وملتزمة أيضاً فى حالات تلقيها التمويل الأجنبي، بموافقة هذا الجهاز.. ومن ثم تسقط الجمعيات فى مصيدة ما بين الجهاز ووزارة التضامن الاجتماعى وقانون الكسب غير المشروع، خاصة أن المادة (31) تقر بحق الجهة الإدارية أو الجهاز فى التدخل فى عمل الجمعيات مباشرة لسحب القرارات التى ترى هذه الجهات أنها مخالفة للنظام الأساسى أو أحكام القانون. وتصل الأحوال إلى حق المحكمة المختصة فى عزل مجلس إدارة الجمعية فى عشر حالات، من بينها عدم الالتزام بمعايير الشفافية، أو عدم إخطار الجهة الإدارية بمحاضر الجلسات (المادة 42). أيها السادة الأفاضل على من نطلق الرصاص؟ هل نطلق الرصاص على المؤسسات الأجنبية فقط، أصحاب ومنفذى المؤامرات ضد مصر؟ أم أننا نطلق الرصاص على العمل الأهلى وكل من تسول له نفسه بالمبادرة فى أعمال تطوعية منظمة؟ أم أن البرلمان اطلق الرصاص على وزارة التضامن الاجتماعي، التى سلمت مشروع قانونها فى 1/11/2016، ليصدر البرلمان قانونه وبعد كل هذه الرصاصات فى كل اتجاه، لا عزاء فى الوفاة الإكلينيكية للعمل الأهلي. لمزيد من مقالات د. امانى قنديل;