◄ البناء بمخراتها تهديد ..وتخزينها جوفيا رصيد للإعمار ◄ إهمال المخرات وردمها والبناء عليها إهدارللأرواح والمال العام
موجة من سيل الأمطار الغزيرة الرعدية اجتاحت ودمرت الطرق واستيقظت عليها مدن وقرى عديدة أخيرا بجنوبسيناءوالسويس ورأس غارب والعين السخنة بطريق الزعفرانة وشمال وجنوب الصعيد الكائنة أمام مجرى السيول. حيث هاجمت المياه الغزيرة منازل الأهالي، فأغرقتها، وارتفع منسوب المياه إلى متر ونصف المتر، ولقى عدد من السكان مصرعهم، وجرفت السيارات وتسببت فى انهيار بعض أسوار المبانى الحكومية، وتم غلق طريق الزعفرانة غارب، ومنطقة جبل الزيت، وفى الغردقة أغلقت الأجهزة التنفيذية الطرق المؤدية للمدينة،وعلى الرغم من قيام الأجهزة الأمنية بالدفع بعدد كبير من السيارات لشفط المياه بمشاركة القوات المسلحة وتمكنت من السيطرة على الموقف بمدينة الغردقة، إلا أن الأمر جد خطير، لتكراره، والتعامل معه بسذاجة واندهاش كما لو كانت أول مرة مفاجئة. «الأهرام» فتحت ملف السيول لفهم أسبابها وطبيعتها وطرق التنبؤ بها ودراسة مخاطرها و كيفية الحماية منها و الاستفادة منها وكذلك تأثيرها على التخطيط العمرانى ودور الدولة نحو هذه الكارثة، ونتساءل أين دور المسئولون المنوطون بمثل هذه الكوارث الطبيعية،والتى يجب ألا تكون كارثة بل نعمة من الله نحسن استخدامها واستغلالها فى ظل ما نحن فيه من أزمات مائية وتخفيض حصتنا فى نهر النيل؟!. يرى الدكتور محمد نبيل بيومى دكتور بقسم الهندسة الصحية والهيدروليكا بكلية الهندسة جامعة بنى سويف أن مشكلة السيول وآثارها التدميرية بدأت فى الظهور فى الفترة الأخيرة و لاسيما فى السنوات الخمسين الماضية حينما بدأت عمليات التوسع العمرانى فى اتجاه الصحراء و المناطق الساحلية وكذلك فى مناطق متفرقة أخري، كذلك الهامش الصحراوى للوادى والدلتا، وساحل البحر الأحمر وشمال غرب خليج السويس وشمالى سيناء وسواحل خليجى العقبة، مع إقامة القرى السياحية و مد شبكات الطرق و استصلاح الأراضى الزراعية وإنشاء قرى سياحية جديدة لاستيعاب الكثافة السكانية المتزايدة، مؤكدا أنه جرى إعمار هذه المناطق عشوائيا بفكر مخالف لطبيعة المنطقة، ولم يكن لدى المخطط فى كل هذه المناطق اى تصور عن السيول ومساراتها كما هو الحال فى منشية ناصر بالقاهرة، حيث تم إنشاء مبان ومنشآت ثابتة على مجارى السيول وفى أوديتها. ردم المجاري ويوضح الدكتور محمد نبيل أن من العوامل التى ساعدت على زيادة خطورة السيول عملية ردم مجارى السيول بفعل العوامل الجوية و عدم توافر المعلومات الأساسية والخبرة اللازمة لتصميم مشروعات الوقاية من أخطار السيول مثل الأرصاد الهيدرولوجية الخاصة بحجم السيول، والدراسات المترولوجية الخاصة بحركة السحب والأمطار ودرجات الحرارة، وعدم تناسب الاعتمادات المخصصة للمشروعات الوقائية من السيول مع حجم المشروعات الواجب تنفيذها. ويستطرد دكتور الهندسة الصحية والبيئية قائلا إنه يمكن تقسيم المناطق المعرضة للسيول إلى أربع مناطق, المنطقة الأولى فى وادى النيل الممتد من القاهرة حتى أسوان ويضم ثلاثة مناطق الأولى من القاهرة إلى أسيوط ثم من أسيوط إلى إدفو حيث تتأثر بوجود الأودية مثل وادى قنا، وأخيرا من إدفو إلى بحيرة ناصر، و هى أقل المناطق تعرضا للسيول، والمنطقة الثانية فى الصحراء الشرقية بمنطقة البحر الأحمر ويوجد بهاعدد لاحصر له من الأودية الصغيرة، والمنطقة الثالثة فى شبه جزيرة سيناء وخاصة بجنوب و شمال سيناء، والمنطقة الرابعة هضبة السلوم بمحافظة مطروح. ويشير الدكتور محمد نبيل إلى أن المنطقة الواقعة من القاهرة إلى أسيوط تعد من أكثر المناطق تعرضا للسيول، بالإضافة إلى مناطق سيناءوالبحر الأحمرفالسيول ينتج عنها بعض الأضرار البيئية التى تتمثل فى إزالة الطبقة العليا من التربة، وهى الطبقة الغنية بالمواد العضوية التى تجدد خصوبة التربة، كما أنها تعد أحد العوامل التى تؤدى إلى بدء عملية التصحر، وتلوث المياه بسبب الإلقاء بأجسام الحيوانات النافقة فى المياه أو بسبب الرواسب الناعمة وإذابة المعادن من الصخور والتى قد تكون ملوثة لحملها لبعض المواد الضارة بالإنسان وغيره من الكائنات الحية. وفيما يتعلق بدور الدولة فى التعامل مع المناطق المعرضة للسيول فى مصر، فإن وزارة الموارد المائية و الرى هى الجهة المسئولة عن المشروعات التى تقام لمواجهة السيول بالتعاون مع الأجهزة المعنية مثل وزارة الدفاع و الداخلية و الحكم المحلى و المواصلات و الكهرباء والبيئة, حيث تقوم وزارة الموارد المائية بإجراءات عامة خلال موسم السيول من كل عام حيث تتمثل الإجراءات الإدارية فى التنسيق اللازم مع المحافظات والمحليات لتحديد بيان بأسماء القرى والتجمعات السكنية التى من الممكن أن تواجه أى مخاطر لتجنب المشاكل وعمل الاحتياطات اللازمة لذلك ورفع درجة الاستعداد بمراكز الطوارئ التابعة للوزارة والتى تتضمن تجهيز المعدات المستخدمة فى مجابهة السيول (حفارات، أوناش، لوادر سيارات نقل، قلاب لواري، مولدات كهرباء .. الخ) . وتتمثل الإجراءات التنفيذية فى تطهير وتطوير مخرات السيول القائمة سواء كانت طبيعية أو صناعية، وإنشاء مجار صناعية جديدة للسيول وإنشاء سدود إعاقة لتهدئة سرعة اندفاع السيل، أيضا إنشاء سدود حماية بعد سدود الإعاقة لتوجيه السيل إلى أحواض الصرف الرئيسية، وإنشاء مخرات لتصريف مياه السيول ) وتتكون من مواسير خرسانية يتراوح قطرها من 1إلى 2.5 متر وبحد أقصى 3 أمتار، أو تكون بشكل صناديق خرسانية، ويتم عمل شبكة أمام السحارات لحجز الأحجار والأتربة. أما الإجراءات الفنية فتتمثل فى إعداد دراسات جدوى اقتصادية لإنشاء جسور واقية لحماية المنشآت المقامة داخل مخرات السيول أو إنشاء مساكن بديلة آمنة. ويحذر من الأخطار الناشئة عن السيول فى مصر فى الفترة المقبلة إذا لم يتم أخذ الإجراءات الاحترازية لمواجهتها، مشيرا إلى أن هناك خطرا يهدد خليج نعمة شرق شرم الشيخبجنوبسيناء حيث شغلت القرى السياحية هناك جميع مصبات ومسارات الوديان القادمة من الشمال والتى تخترق صخورا بلورية عديمة النفاذية، وهو شبيه بما حدث فى سيل وادى قنا عام 1954 و الدمار الذى أحدثه بالمناطق العشوائية شرق قنا و التى اجتاحها بالكامل، موضحا أن سيولسيناء التى تقطع سنويا الطرق الأسفلتية التى بنيت دون دراسة لطبيعة المنطقة، غالبا ما تعالج بالعلاج الموضعى و ليس الحاسم، و لإن السيول تعتبر من الكوارث الطبيعية شديدة التأثير لحدوثها الفجائى مع سرعتها العالية فى تدفق المياه بما تحمله من رمال و كتل صخرية و ما ينتج عنها من أضرار جسيمة مادية ونفسية بالغة، وللحاجة الملحة إلى كل قطرة ماء فى المناطق الصحراوية الجافة لقلة الأمطار، تحتم استخدام مياه السيول كأحد الموارد المائية المتاحة, والاستفادة منها. ترويض السيول يشدد الدكتور محمد نبيل على أن الماء المخزون سواء فى وديان الصخور البلورية أو الرسوبية المسامية أو تكوينات الصخورالمسامية يعتبر خيرا و نعمة إذا أحسن استغلالها و إذا درست طبيعة الوديان التى تسير فيها و أقيمت عليها مثلا الخزانات أو السدود لحجز هذه المياه حيث يمكن زيادة الرقعة الزراعية و إقامة مجتمعات عمرانية جديدة بالإضافة إلى إقامة العديد من المشروعات الاستثمارية و إنشاء الصناعات التعدينية المختلفة والتوسع فى بعض الصناعات البيئية وإمكانية توطين البدو فى المناطق المستصلحة، مشيرا إلى أن كمية المياه المهدرة الناتجة عن عدم استغلال مياه السيول،على سبيل المثال لا الحصر، فى سيناء تبلغ نحو 130 مليون م 3 حتى 200 مليون م 3، وفى وادى العريش 60 مليون م 3، فإذا كان الفدان يروى بنحو 7000 م 3 و إذا أحسنا استخدام مياه تلك السيول فإنه يمكن استصلاح عدة آلاف من الأفدنة يعمل فيها آلاف الخريجين فى سيناء إلى جانب حماية المنشاَت والطرق من هذا الخطر . مشروعات للحد من مخاطر السيول وهنا يوصى الدكتور محمد نبيل بضرورة الاستفادة من مياه السيول بإقامة السدود فى الأماكن المناسبة على المجرى الرئيسى والاستفادة بها فى تغذية الخزان الجوفى وفى الزراعة حيث تقدر كمية المياه التى يمكن احتجازها سنويا بنحو 15.5 مليون متر مكعب، مشيرا إلى أن هذه التقديرات الأولية تعنى أن هذه المياه تكفى للأنشطة والاستخدامات الآتية: احتياجات الشرب والاستخدام المنزلى لنحو 30- 60 ألف نسمة بمعدل 140 لتر مياه يوميا للفرد، أيضا الرى الدائم لنحو 1670 فدانا بمعدل ( 3000 -4000 م 3/فدان )، زراعة 500 فدان خلف السدود (زراعات خاصة تتحمل الجفاف(، كما يمكن زراعة المناطق التى تتجمع عليها السيول بعد انحسارها عنها. كما يطالب الحكومة وخاصة المحليات بضرورة تنفيذ المشروعات الخاصة بالحد من مخاطر السيول و متابعتها سواء كانت أعمال تطهير لمخرات السيول و التى يبلغ عددها 147 و هى جاهزة لاستقبال السيول مع ضرورة متابعة المحافظين لأعمال إزالة المبانى المخالفة الموجودة فى مخرات السيول و التنسيق مع الأجهزة الأمنية للإزالة الفورية مع ضرورة التنبيه على أن أى منشأة سياحية أو عامة تقع فى المناطق المعرضة للسيول يتم إجراء الدراسات اللازمة بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية و الرى لحماية هذه المنشآت من السيول مع ضرورة التنسيق بين الهيئة القومية للأرصاد الجوية والمحافظات للتنبؤ بالسيول وإطلاق الإنذارات المبكرة قبل وقوعها،حيث إنه تم الانتهاء من إعداد أطلس السيول لمحافظتى جنوبسيناءوأسوان والذى يحدد أماكن السيول, كما أن الدراسات أكدت أن مصر ستستقبل كل عام سيولاً أكثر كثافة من العام الماضي، وبالتالى لابد من العمل على التوسع فى البحيرات، حتى نستطيع تخزين مياه السيول، والاستفادة بها، وهذا التوجه أقل تكلفة، وأكثر فاعلية، كما أن وزارة الموارد المائية لديها ضمن خطتها الخمسية 2015/2020، أعمالاً بقيمة مليار جنيه للحماية من السيول، حيث قامت بالفعل محافظة الأقصر التى تبلغ عدد مخرات السيول فيها 13 مخرا باتخاذ الاجراءات الاحترازية اللازمة لمواجهة آثار السيول المدمرة سواء بتوفير الرصيد الكافى من المواد الغذائية وتدبير المخزون الأساسى منها أو بإقامة معسكرات الإيواء بجوار أماكن السيول مع استغلال المدارس القريبة التى تقع بالقرب من مجرى السيول عند وقوع الكوارث لتكون بمثابة ملاجئ ومعسكرات لمأوى المتضررين وتقوم لجان بالمرور على مجارى السيول للتأكد من عدم إقامة أى مبان أوعشوائيات على مجرى السيل ،مع اتخاذ الإجراءات الرادعة ضد إزالتها فوراً حرصاًعلى سلامة المواطنين,كما تعد من العوامل المؤثرة فى مسار السيول عند سقوطها: طبيعة الصخور التى تؤثر فى نفاذية المياه فالمياه المتساقطة على الصخور البلورية تجد طريقها كاملة إلى الجريان فى الفروع والوديان التى تتجمع لتصب فى مياه البحر أو النهر القريب، أما الصخور المسامية فإنها تتشرب المياه الساقطة عليها وتكون ما نطلق عليه الخزان الجوفى ففى أسوان بلغ عدد مخرات السيل بها نحو 55 مخرا، تم تنفيذ المرحلة الثانية من خطة وزارة الرى بإنشاء 3 بحيرات وسدى إعاقة وحماية بوادى النقرة لحماية مدن وقرى نصر النوبة وكوم أمبو من أخطار السيول, وذلك بعد تنفيذ المرحلة الأولي. صيانة مجرى السيول ويقول الدكتور المهندس علاء الظواهرى استاذ الهيدروليكا بكلية الهندسة بجامعة القاهرة وخبير السدود إنه من المعروف ظهور فيضان الفلاش السريع بالمناطق الجبلية نتيجة العاصفة الرعدية وهى أمطار مصحوبة بالرعد ولها خصائص واضحة وفترة دوامها قصيرة ذات كثافة عالية من الأمطار ولكنها ضارة لسقوطها على المناطق الجبلية ونتيجة الانحدار الشديد تجرف وتكتسح كل ما أمامها بداية من الطرق الأسفلتية وغالباً تحدث على سلسلة جبال البحر الأحمر فى شمال ووسط وجنوبسيناء،والمثير للدهشة والغضب أن جميع مجارى السيول محددة فى مصر ومعروفة بالتفصيل وبالاسم سواء بالأقمار الصناعية لجميع من يعمل فى هذا المجال أو للأهالى المقيمين بهذه المناطق ومع ذلك يحدث خطأ فى بناء مجرى السيل، والأمر الثانى تخاذل مسئولية الجهات المنوطة بتصاريح البناء، والمسئولة عن التفتيش الدورى على مخرات السيول وإزالة البناء المخالف، وكذلك الجهات المسئولة عن الصيانه الدورية لمجارى السيول والتأكد من أنها مفتوحة وعدم وجود أى عوائق لاستقبال المياه، والخطأ الثالث قيام المستثمرين ببناء القرى السياحية وبيعها للمواطنين وتعريضهم لأخطار السيول بهدف الثراء السريع والاستثمار دون عمل دراسة مستفيضة للسيول عند التصميم وقبل البناء وقد تكون غير مكلفة مادياً بأن يجعل مجرى السيل مفتوحا داخل القرية بدون عوائق أو تحويل مجرى السيل إلى مكان آمن، ولكن للأسف كثير من المستثمرين ورجال الأعمال أغفلوا هذه الدراسات، بالإضافة إلى أن أغلبية الطرق المصرية لا تتم فيها دراسة السيول رغم تغيير المناخ فيهاوأصبح يشبه دول الخليج التى تعتبر دراسة السيول دراسة أصيلة فى تصميمات الطرق والمباني، بينما مصر لم تنظر إليها إلا حديثاً وما زالت المواصفات المصرية لأعمال السيول والحماية تحتاج الى تحديث و الدليل على ذلك انهيار الطرق وغلقها ورصفها من جديد بعد السيل بمعنى افتقار الطرق المصرية للاحتياطات اللازمة لحماية الطريق من السيول. ويشير خبير السدود إلى أن حدوث السيول وتكرارها يحدث عشوائيا وفى مواعيد غير ثابتة ومرتبطة بالفترة الزمنية لارتباطها بالفترات التكرارية غير المنتظمة وبالتالى تأتى سيول شديدة كل فترات بعيدة فهناك سيل شديد يأتى كل 10 سنوات وآخرأشد يأتى كل 25 سنة وثالث أخطر وأعلى كل 100 سنة وعلى المتخصصين القيام بكل الحسابات وأخذ الاحتياطات اللازمة للحماية ولكن ما يحدث فى مصر هو ضياع للأرواح وإهدار للمال العام والخاص.