اندلعت مظاهرات فى بعض أنحاء الشارع الأمريكى خاصة فى كاليفورنيا فى أقصى الغرب احتجاجا على انتخاب ترامب الرئيس ال 45 للولايات المتحدة. تقول الأنباء أيضا إن الموقع الإلكترونى للحكومة الكندية للراغبين فى الهجرة لم يستطع التجاوب مع زيادة الطلبات من الولاياتالمتحدة واصابه العطل ثم الانهيار لعدة ساعات! ستخبو ردود الفعل المعادية هذه للرئيس الجديد عندما يتم امتصاص أثر المفاجأة، كما سيحاول الرئيس الجديد أيضا تقليل الغضب وطمأنة شعبه، وقد يكون مخلصا فى هذا، كما أنه قد يتعلم كما حدث مرارا فى التاريخ أن هناك فرقا فى التصريحات عندما تكون مرشحا وعندما تصبح رئيسا فعلا. فالمسئولية تصقل وتهذب العديد، لأنها تُبيِّن أن التحديات ليست بالبساطة التى يتصورها الكثيرون عندما يكون خارج السلطة والممارسة. حتى ترامب وأمثاله يتعلمون هذا، ولا خيار أمامهم غير التعقل وتجنب الإثارة المبالغ فيها. ولكن أمريكا ومعها العالم فى أزمة، لعدة شهور وحتى أكثر. لماذا؟ وهذه ثلاثة استخلاصات على الساخن. 1 هناك أثر المفاجأة. فغالبية مسوح الرأى العام أكدت فوز كلينتون، بفارق نقاط تناقص عشية الانتخابات ولكنه ظل يؤكد هزيمة ترامب. وقد حذرنا عدة مرات من الثقة الكاملة فى العديد من مسوح الرأى العام التى تُعبر عن التمنى فى كثير من الأحيان، واستشهدنا بتجربة هذه المسوح مثلا فيما يتعلق «بهزيمة» نيتانياهو العام الماضي، ثم فاز برئاسة الوزراء فى إسرائيل، وكذلك المسوح هذا العام التى أكدت بقاء بريطانيا فى الاتحاد الأوروبي، ثم قرر البريطانيون الخروج من الاتحاد. هناك إذن مشكلة فى إدارة ونتائج مسوح الرأى العام، وهى الآن متكررة. فبدلا من أن ترشدنا أصبحت تضللنا، وقد يؤثر هذا على مصداقية مبدأ المسوح فى قياس ومعرفة الرأى العام. 2 الأزمة الأمريكية. لم ير الكثيرون مثل هذا الاستقطاب السياسى والعقائدى فى المجتمع الأمريكى كما حدث فى أثناء حملة الانتخابات هذه والمناظرات التليفزيونية الثلاث بين ترامب وكلينتون، ألم يهدد ترامب كلينتون بالسجن عندما يصبح رئيسا؟! لم يحدث هذا الاستقطاب بسبب كلينتون، لأنها امتداد للسياسة التقليدية للحزب الديمقراطي، وكانت السيدة الأولى في أثناء وجود زوجها بيل كلينتون فى الرئاسة فى التسعينيات، ثم أصبحت وزيرة للخارجية مع باراك أوباما، هى فعلا جزء لا يتجزأ من «المؤسسة». وأعتقد أن هذا أهم أسباب نجاح ترامب. فقد قام بتحويل الرغبة فى التغيير التى يتوق لها الكثيرون فى المجتمع الأمريكى ولكن بطريقة ملتوية ولصالحه، لعب على الشعور المنتشر ضد «المؤسسة» فى واشنطن. هو إذن المسئول الأول عن الاستقطاب ويقوم بتأجيجه عن طريق تصريحاته النارية ضد المسلمين، وأن المهاجرين معظمهم كاذبون وحتى مجرمون وخطر على أمريكا، اعتناقه لرأسمالية متوحشة فى حياته وإعطائه الانطباع أنه سيمارس السياسة بنفس الطريقة، واعتقاده أن العلاقات الدولية ما هى إلا أن القوى يفترس الضعيف. ومادام أن أمريكا هى قوية فما عليها إلا الحصول على الغنائم، مثل الاستيلاء على بترول الشرق الأوسط بالقوة. تصريحاته وحتى ممارساته تعكس خليطا من الجهل بالسياسة الدولية مع مزيج من العنف البدائي. هى قوة أمريكا الغاشمة وليست بالمرة الناعمة. ومن هنا تصبح ظاهرة ترامب وأمثاله ليست أزمة أمريكية فقط بل عالمية أيضا. 3 الأزمة العالمية: من الواضح أن أمريكا ليست تشاد أو اليمن. بمعنى أكثر صراحة: إذا كان هناك عاصمة للعالم، فهى واشنطن، ودون منافس. فصندوق النقد الدولي، وكذلك البنك الدولى على بعد شوارع بسيطة من البيت الأبيض، ولذلك نتكلم عن الاقتصاد العالمى حاليا على أنه يقوم على «توافق واشنطن». كما أن الأممالمتحدة فى نيويورك لا تستطيع أن تتجنب تأثير مايحدث فى الشارع الأمريكى وخاصة الأفكار التى يعج بها الإعلام والمجتمع الأمريكيان. ثم يكفى أن نتذكر أنه من ناحية القوة العسكرية البحتة، فإن ميزانية الدفاع الأمريكية تعادل ميزانية الدول التسع التى تليها ومجتمعة، بما فى ذلك روسيا والصين. ولا داعى للحديث عن قوة التكنولوجيا الأمريكية أو تأثير كبرى الجامعات الأمريكية وبنوك التفكير فى سوق الأفكار العالمية. ما يحدث فى أمريكا إذن ذو تأثير قوى وخاصة مباشر على العالم. تأثير زلزال ترامب عالميا ليس فقط بسبب تفكيره السياسى، تفكيره الاجتماعى البدائى عن الجماعات العرقية المختلفة بمن فيهم السود الأمريكيون والنساء، ولكن أيضا عن نقص شرعيته. صراحة هو حاليا رئيس مضروب من هذه الناحية. فالعديد من أقطاب حزبه الجمهورى يتبرأون منه ومن أفكاره، وأصبح الحزب نفسه ضعيفا ومفككا وفى حاجة ماسة لعملية إعمار سريعة. كما أن الجماعات العرقية التى يمتلئ بها المجتمع الأمريكى خاصة الغالبية السوداء لا تثق به، وغالبية المثقفين الأمريكيين يتخوفون من جهله وخطورة أفكاره. ألم يقل ويكرر الرئيس أوباما أن ترامب غير كفء لرئاسة أمريكا؟ فماذا إذن عن إدارة العالم؟ مثل الرئيس السابق الجمهورى ريجان فى الثمانينيات والذى كان ممثلا، سيتعلم ترامب الكثير ويتمنى ذوو النية الحسنة أن يتم هذا بسرعة، وأن يغلب التطَّبع الطبع وعلى عكس المتوقع. وحتى يحدث هذا، الله يكون فى عون العالم وحتى فى عون أمريكا. لمزيد من مقالات د.بهجت قرني;