جمال قطب .. رحلته بالريشة والكلمة

بقلوب يملؤها الدمع والأسي ودعنا الفنان جمال قطب الذى بكت عليه ريشته وشخصياته ولوحاته بعد أن رحل عن عمر يناهز86 عاما. لكن عزاءنا هو ما تركه من ميراث ثقافى وفنى كبير.
جمال قطب هو خريج الفنون الجميلة قسم التصوير وكان يعمل رساما لدار الهلال وهو طالب بالجامعه حتى اصبح المستشار الفنى لدار الهلال فى عصرها الذهبى الذى واكب رموز الفكر والادب والفن من طه حسين والعقاد وبنت الشاطىء وزكى نجيب محمود وعبد الرحمن صدقى ويوسف ادريس وسهير القلماوى وغيرهم من القامات الشاهقة.
ويحكى الفنان جمال قطب ان اول من ربي فيه ونمى موهبته الفنيه هو اخوه الاكبر الذى كان يشجعه ويجلب له ادوات الرسم والاوراق ايمانا بموهبته حتى دخل المدرسة الابتدائيه ببلدته ولفت انظار معلميه ومدرسيه الذين كانوا خريجي الفنون الجميلة ايضا حتى نال العديد من الجوائز والمراكز الاولى على مستوى المدارس والمناطق التعليمية انذاك الى ان وصل الى المرحلة الثانوية بطنطا وكانت فى مدرسته مكتبة ضخمه تحوى العديد من المجلات الأجنبية من أوروبا وأمريكا مثل مجلتا بوست ولوك الأمريكيتان وبعض المجلات الفرنسية تميزت باهتمام خاص بفن الغلاف والموضوعات المرسومة بالداخل، ويقول: كان هذا عالماً سحرياً بالنسبة لي أتأمله باهتمام بالساعات، وأصبحت رئيساً لجمعية الرسم، وعلي حوائط المدرسة هناك رسوم جميلة، قالوا لي أنها لطالب قبلك اسمه صلاح جاهين أصبح فيما بعد رسام الكاريكاتير والشاعر الكبير، تأثرت بأعماله جداً في ذلك الوقت، عرف مني مدير المدرسة أني من قرية بجوار مدينة طنطا، وأسافر يومياً، طلب مني دخول القسم الداخلي، وخصني بحجرتين واحدة للعمل وأخري للنوم. أقمت بالمدرسة وكنا نجلس في جمعية الرسم نعمل حتي منتصف الليل، نقيم معرضاً نهاية العام، في تلك الفترة لا أنسي تشجيع المدرسين ولكن الأساتذة الحقيقيين كانوا الفنانين العالميين مثل الأمريكي نورمان روكويل والإيطالي والتر مولينو، وكانت لوحاتهم تنشر في عشر مجلات في وقت واحد، كانوا العالم السحري بلمساته الجميلة الذي مهد لدخولي الفنون الجميلة.
‎ويقول: كنت الثالث في الثانوية العامة ودخلت الهندسة، كان لي إعفاء من المصاريف بصفتي من الأوائل، وكنت أريد دراسة العمارة لأنها جزء من الفن، كان الأساتذة في الكلية عظاما، ولكني وجدت نفسي تائهاً، فالفن يمتلك كل مشاعري، هربت من الهندسة قبل نهاية العام، جلست في البيت أستعد لدخول الفنون الجميلة.
رحلته مع الصحافة
‎ويضيف الفنان جمال قطب: عندما كنت أدرس في السنة الأولي بكلية الفنون أعلنت دار الهلال عن حاجتها لرسامين، دخلت المسابقة كنت الأول حتي علي بعض المعيدين بالكلية، عرفت عالم الصحافة ورسمت غلاف مجلة المصور، كنا في بداية الستينيات وكان علي ومصطفي أمين المسئولين وكانت رسومي تنزل علي صفحتين، وكانت تلك المرة الأولي التي تحتل الرسوم هذه المساحة الكبيرة، الوحيد الذي كان يفعل ذلك هو الحسين فوزي ولم يبخل علي يوماً بمعلومة، كان بيكار يرسم علي بابا بالطريقة المجردة الجميلة التي اشتهر بها.
‎الحقل الصحفي كان مفتاحاً سحرياً، رسمت في معظم المجلات في ذلك الوقت دار الهلال كان بها عشر مجلات وكنت مسئولاً عنها لأني كنت الرسام الأول للدار بعد توقف الحسين فوزي. كثرت التكليفات علي من دور النشر المصرية ومنها دار مكتبة مصر التي أصبحت مستشارها الفني فيما بعد، وكان ينافسنا في ذلك الوقت الناشرون اللبنانيون الذين يأتون للقاهرة ليكلفوني بأعمال ويدفعون لي بسخاء، كنت أعمل 20 ساعة يومياً في تلك الأيام، وقد أصبح اسمي معروفاً في العالم العربي.
‎ أنا ونجيب محفوظ
ويقول : تعرفت علي نجيب محفوظ لأول مرة عن طريق سعيد السحار صاحب دار مكتبة مصر، وكانت تطبع روايات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وغيرهم، وكنت أرسم أعمال هؤلاء العمالقة، ولذلك كنت القارئ الأول لأعمال نجيب محفوظ بخط يده.
‎في لقائي الأول بنجيب محفوظ قال لي: كتبي أمانة لديك، ووجدته شخصية ثرية، متواضعاً يحسن السمع جداً، ولم يكن يتدخل يوماً في شغلي، وعندما كنت أسأله: رأيك يا أستاذ نجيب؟ يقول هذه رؤيتك، كنت ألتقي بنجيب محفوظ في مكتب سعيد السحار كثيراً، كل أعماله تعجبني جداً، ولكني توقفت أمام رواية الكرنك وأدهشتني رواية أصداء السيرة الذاتية ورسمت لها لوحات داخلية، موضوعها فلسفي فيها نجيب محفوظ عالم يفلسف بالرمز والكلمة المختصرة ما يقوله الإنسان في عشر ساعات، الثلاثية تحكي تاريخاً كأن الإنسان عاش في الثلاثينيات، كنت أنزل الجمالية أعمل اسكتشات لأعمال نجيب محفوظ وأعيش الأماكن التي كتب عنها.
المتاحف
ويضيف: كلفت بإقامة متحف دارة الملك عبدالعزيز بالسعودية وكنا عام 6791 ذهبت للأماكن التي حارب فيها الملك، وأحضروا لي السيوف الخاصة به ورسمت المباني القديمة لكي أكون دقيقاً، كان الهدف رسم أعمال كبيرة تحكي تاريخ الملك عبدالعزيز، وكان لابد من الذهاب لليابان لأنها أشهر بلد تقيم متاحف لكل شيء، اليابان اكتشاف كل شارع فيه متحف، عرفت كيفية صناعة متحف من تفاصيل التاريخ، قضيت ثلاثة شهور وتعلمت كيف أصنع من الدراما التاريخية لوحات. و‎سمعوا عن متحف السعودية في دول الخليج، كلفت بإقامة متاحف في الإمارات- البحرين- قطر.
الثقافة التشكيلية
ويشير قائلا: قرأت في حياتي مئات الكتب، أصبح عندي معلومات كثيرة، حاضرت في الدراسات العليا بأكاديمية الفنون، عندك ثروة ثقافية لابد أن تعطي، هناك استمتاع خاص في النشر، كتبت في الهيرالد تربيون، الدوحة القطرية، الحرس الوطني السعودية وغيرها، وقد ساعدني علي هذا اللغة الأجنبية، وجدت السعادة في النشر.
وينصح قطب الناس أن يكون لديهم مكتبة بالمنزل، قائلا إن: الثقافة الفنية تبدأ من البيت، فهي نتاج المناخ الصالح، عملية نضوج الإحساس وتفتح الملكات لابد من رعايتها، إنها جزء أساسي في التربية والثقافة، الفن يدخل في كل شيء، أدرس للطلبة التذوق الفني، المعني العام للتذوق هو كيفية الإحساس بالجمال في كل شيء: اللبس، الشارع، السلوك، وليس الفن فقط.
‎مصر فيها فنانون ولكنهم مثل الزهور البرية، أريد رعاية متكاملة، كليات الفنون لابد أن تبدأ من الابتدائي بدون مجموع، راقص الباليه يدخل من الصغر، لولا الفنان في مصر لكنا دولة أفريقية، آثارنا العريقة صنعها الفنانون، أريد منظومة متكاملة تبدأ من الطفولة لان الموهبة تبدء وتنموا سريعا فى الصغر دون الكبر وللاسف لايوجد اهتمام من المدارس بحصص التربية الفنية الان ويحزنى اننا بلد الحضارة واول من رسمنا ونقشنا على جدران المعابد وتعلم العالم كله من رسومنا ونقوشنا التى ما زالت مصدر ابهار وجذب لاى مشاهد لها اريد نشر واذدهار الفن والرسم كما اهتم به اجدادنا حتى نحافظ على كنوزنا التى يحسدنا عليها الجميع الى الان لانه اسرع واسهل واعمق وسيلة اتصال بين البشر لذلك اتمنى ان يولد غيرى من الكثير من الفنانين بل وافضل منى حتى يعيش الفن للابد .