ضرب نار في أسعار الفراخ والبيض اليوم 25 أبريل.. شوف بكام    «عمال البناء والأخشاب» تهنئ الرئيس السيسي والقوات المسلحة بذكرى تحرير سيناء    اضبط ساعتك.. موعد بدء التوقيت الصيفي في مصر 2024| وطريقة تغيير الوقت    عيار 21 الآن بالسودان وسعر الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024    ارتفاع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 25 إبريل 2024    واشنطن تلقت فيديو الرهينة الإسرائيلي قبل بثه بيومين    مشاجرات خلال اعتقال الشرطة الأمريكية لبعض طلاب الجامعة بتكساس الرافضين عدوان الاحتلال    قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة    حزب الله يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية مختلفة    مباراة الحسم بين الأهلي ومازيمبي.. الموعد والتشكيل والقناة الناقلة    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    هتنزل 5 درجات مرة واحدة، درجات الحرارة اليوم الخميس 25 - 04 - 2024 في مصر    أحمد جمال سعيد حديث السوشيال ميديا بعد انفصاله عن سارة قمر    "شياطين الغبار".. فيديو متداول يُثير الفزع في المدينة المنورة    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    حزب المصريين: البطولة العربية للفروسية تكشف حجم تطور المنظومة الرياضية العسكرية في عهد السيسي    «الاستثمار» تبحث مع 20 شركة صينية إنشاء «مدينة نسيجية»    ب86 ألف جنيه.. أرخص 3 سيارات في مصر بعد انخفاض الأسعار    محافظ المنيا: 5 سيارات إطفاء سيطرت على حريق "مخزن ملوي" ولا يوجد ضحايا (صور)    تطور مثير في جريمة الطفلة جانيت بمدينة نصر والطب الشرعي كلمة السر    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    بالصور.. نجوم الفن يشاركون في تكريم «القومي للمسرح» للراحل أشرف عبد الغفور    عن تشابه «العتاولة» و«بدون سابق إنذار».. منة تيسير: التناول والأحداث تختلف (فيديو)    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    إصابة 9 أشخاص في حريق منزل بأسيوط    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    توقعات ميتا المخيبة للآمال تضغط على سعر أسهمها    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني يعلن الترشح لفترة رئاسية ثانية    أول تعليق من رئيس نادي المنصورة بعد الصعود لدوري المحترفين    تدريب 27 ممرضة على الاحتياطات القياسية لمكافحة العدوى بصحة بني سويف    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    يسرا اللوزي تكشف كواليس تصوير مسلسل "صلة رحم"|فيديو    تأجيل دعوى تدبير العلاوات الخمس لأصحاب المعاشات ل 24 يونيو    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجيب محفوظ ملهم التشكيليين
نشر في أخبار الأدب يوم 12 - 12 - 2015

لم يكن محفوظ علامة فارقة في تاريخ الأدب المصري فحسب، بل كان أيضا رفيق الغلابة، وهو الصوت الذي عبر عنهم وعن حياتهم وعن أوضاع المجتمع المصري، في فترات زمنية مختلفة، وقد كانت شخصية محفوظ وكتاباته مصدراً لإلهام العديد من الفنانين من صناع السينما والدراما، وليس هذا فحسب بل وكثير من الفنانين التشكيليين.
محمد الشربيني الذي يبحث
عن متحف لمحفوظ
وربما كان الفنان محمد الشربيني» رغم كونه فنانا تشكيليا« من أكثر الفنانين الذين التقطوا صورا فوتوغرافية ومقاطع فيديو لنجيب محفوظ حيث كان واحدا من الحرافيش لفترة طويلة، وكان يلتقي به في السنوات الأخيرة تقريبا بصفة شبه يومية، إلا أنه مع ذلك لم يرسمه سوي مرة واحدة .
وعن بداية معرفته بمحفوظ يقول الشربيني: إن بداية العلاقة مع نجيب محفوظ بدأت في 1986 ولم أكن قد تخرجت في الكلية بعد، ولم أكن وقتها في الدائرة القريبة، ثم سافرت وعدت لأصبح واحدا من الدوائر القريبة من 1989 حتي 2006، إلا أنني صرت أكثر قربا بعد الحادث منذ 1995 وحتي وفاته كنت أراه بصورة شبه يومية.
وربما كان اهتمام الشربيني بالتصوير هي دافعه لتوثيق كثير من تلك الجلسات ، فكان الناتج كثيرا من الصور وأكثر من عشرين ساعة من تسجيلات الفيديو علي شرائط 8 مللي، لكنه للأسف لا يعرف كيفية تحويلها إلي مجموعة رقمية حديثة ، حيث يخشي تدميرها أو ضياعها إذا تعهد بها إلي أحد ، ولذا يتمني أن يهديها لمتحف محفوظ بعد افتتاحه .
ولعل أحد الجوانب المهمة التي ركز عليها الشربيني فتفرد بها هي حواره مع نجيب محفوظ حول رؤيته للفن التشكيلي، حيث كان قد نشر موضوعا مهما عن علاقة محفوظ بالفن والفنانين التشكيليين نشر بجريدة العرب، حيث تحدث محفوظ من خلال هذا الحوار الطويل عن علاقته بالفن التشكيلي قائلا : أتذكر أن علاقتي بالفن التشكيلي بدأت بمتابعتي لمعرض صالون القاهرة السنوي والذي يضم أعمال جميع الفنانين المصريين الموجودين في ذلك الوقت وكان يقام هذا المعرض بسراي "تيجران" بشارع الجمهورية بوسط القاهرة إبراهيم باشا سابقا وكانت تقوم جمعية محبي الفنون الجميلة بتنظيمه سنويا .. هذا الصالون الذي أقيم لأول مرة عام 1922 .
ويواصل حديثه قائلا: وقد رأيت أعمال الفنانين المصريين أذكر منهم صلاح طاهر ومحمود سعيد ومحمد ناجي وراغب عياد وكنت أحب لوحات محمود سعيد عن الأسكندرية ولوحات ناجي التي رسم فيها الحبشة كما كنت أحب لوحة العودة من الحقل لراغب عياد، كما أنني كتبت عنهم مقالات بعد مشاهدتي لأعمالهم وقمت أيضا بزيارة متحف محمود مختار ودفعني ذلك لشراء كتاب جامع اسمه "الفن عبر العصور" شاهدت الفن الفرعوني والأغريقي وفناني النهضة الذين أحببتهم وحتي بيكاسو .. والكتاب هو مجلد ضخم مطبوع في الخارج وصوره ملونة، وضعته علي مكتبي كل يوم "اتصبح بيه" أشوف كل يوم صورة ، قبل خروجي من البيت وتعرفت منه علي كل الفنانين العظام .
ويستمر الشربيني في حواره مع محفوظ حول أهم الفنانين المصريين الذين أحب أعمالهم وعن علاقته بصلاح طاهر وجاهين وبهجت عثمان وآخرين وكذلك عن علاقة الفن التشكيلي بأعماله حيث يقول الشربيني الفنان صلاح طاهر كان زميل دراسة للأستاذ نجيب محفوظ وشقيق الأستاذ نجيب محفوظ هو الذي أقنع والد الفنان صلاح طاهر بدخول كلية الفنون الجميلة ، ثم ينتقل إلي محفوظ الذي يقول : الفنانون أصدقائي بهجت عثمان، وجميل شفيق، وشلة الراحل صلاح جاهين مدرسة روز اليوسف، وجمال كامل وجورج البهجوري وحسن فؤاد ومأمون غيرهم .. يعني كنت متصلا بالفن التشكيلي إلي أن حدث لنظري ما حدث ويضحك بصفاء.
وعن رمسيس يونان وفؤاد كامل اللذين أسسا جماعة الفن والحرية وبدأت معهما مدرسة السريالية والتجديد في مصر، وعن رؤيته لهذه الأعمال يقول محفوظ: هذه الأعمال كانت فتحا جديدا ولأنني كنت تعودت عليها من مشاهدتي لأعمال كبار الفنانين في الكتاب الجامع. ويضيف محفوظ : أنا كتبت في مجلة رمسيس يونان مقالات عن الفن التشكيلي وكانت المقالات عبارة عن انطباعات من شاهد المعرض ويعرضه علي القراء.
ويضيف محفوظ في موضع آخر : إن الذي فتح له هذا الباب هو الأديب الكبير عباس محمود العقاد ، حيث قال له إن الأديب يجب أن يعرف باقي الفنون ، واشتريت كتاب الموسيقي عبر العصور وتابعت برامج الدكتور حسين فوزي.
ثم يقول محفوظ: من الفنون التي أحببتها هو الفن التشكيلي لأنه شيء جميل وقد صنعت لوحة البقر والطفل والحصان الخشبي في عيادة الطبيب لخدمة موضوع رواية "الشحاذ"..
يقول الشربيني : أشاد بصلاح طاهر وقال إحنا عمر واحد وكنت ماشي في الأدب مثلما كان هو في الفن التشكيلي . وعندما انتقل الحديث إلي محمود سعيد ومحمود مختار .. أشار الأستاذ إلي أنه ما زال يذكر إلي الآن صورة الفتاة الإسكندرانية في أعمال محمود سعيد وكذلك رائعته الخادمة ، وحول الفنان الكبير المثال محمود مختار أكد الأستاذ نجيب محفوظ أن الامتداد بين الفن المصري القديم وحركة الفن التشكيلي الحديث في مصر لا يظهر إلا في أعمال مختار.
ويعتبر هذا الحوار من الحوارات الممتعة التي نشرها الفنان محمد الشربيني ولكن هناك حكايات آخري يرويها الفنان من خلال تلك الأمسيات التي جمعته بالأديب العملاق .. والتي يحتفظ بكثير منها من خلال الصور والفيديوهات .. ويختتم الشربيني حواره معي قائلا : أتمني أن يفتتح متحف نجيب محفوظ قريبا وأن يليق بمكانة نجيب محفوظ ، وأتمني أن يكون بمثابة منتدي ثقافي شامل، ولكن نبرة صوته كانت تعكس عدم تفاؤله.
محفوظ والذاكرة الشهابية
ولكن محفوظ لم يكن مصدرا لإلهام الفنانين المصريين وحدهم ، فقد تحول لشخصية عالمية تركت بصمتها في محبي الأدب في جميع أنحاء العالم . وقد تعددت المرات التي رسم فيها فنانون عرب وأجانب نذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر الفنان للرسام اليمني شهاب المقرمي ، حيث جاء نجيب محفوظ ضمن الشخصيات التي صورها الفنان في عمله المعروف باسم "الذاكرة الشهابية" التي رسم فيها ما يزيد علي 300 صورة لشخصيات مشهورة ومؤثرة علي مستوي العالم استغرق رسمها أكثر من أربعة أعوام من العزلة، والتقصي والقراءة عن الشخصيات المؤثرة ومدي هذا التأثير، والتي يعلق عليها الفنان قائلا رسمتها بالقلم الرصاص وقسمتها مجموعات للساسة والمفكرين والقادة والعلماء والأدباء والفنانين والرياضيين والصحفيين ثم ختمتها بخارطة بلادي اليمن ووجوهها وأعيانها.
الفنانة سهام وهدان والقدر الذي جمعها بمحفوظ في أيامه الأخيرة
وربما كانت الفنانة سهام وهدان هي أيضا واحدة من الفنانين الذين رسموا نجيب محفوظ، ولكن تجربتها الفنية كانت وليدة لقاء جمعها بالأديب العظيم، حيث تقول: في لقاء خاص معه قبل وفاته بشهور قليلة جدا ظللت أنظر اليه طويلا لأحفر ملامحه في ذاكرتي، فتوغلت في عينيه ومن خلالهما تعرفت علي كل شخصيات أعماله كأن كل شخصية منها تسكن في جزء من هذا الوجه الطيب، وبحجمي الصغير كان الاقتراب من القمه أشبه بمقارنة قامة إنسان بارتفاع برج القاهرة. وفي نهاية لقائي قلت له "سعدت بهذا اللقاء" فخصني بضحكة وقال "تعيشي". ولمدة ثلاثة أيام لم ألتق بأحد .
وقد تعمدت الاختفاء للاحتفاظ بالملامح وخطوط الوجه وعلامات الزمن وفرح الأيام وحزنها، بالشخصيات والأحداث التي تزاحمت علي وجهه بخطوط شديدة التداخل. ثم عدت الي مجلتي وفي يدي البورتريه الذي رسمته لعملاق الأدب والرواية ليقول رئيس التحرير هذا هو غلاف العدد. لأكون من المحظوظات من الذين مسهم "جنون الفن التشكيلي والصحافة معا" . فكان بورتريه نجيب محفوظ أول غلاف لي في دنيا الصحافة وقد تصدر غلاف العدد الخاص بنجيب في أعرق مجلة ثقافية في الوطن العربي وهي مجلة الهلال والذي ضم بداخله رسومات هائلة لأساتذتي من الفنانين التشكيليين الكبار، وبنفس العدد كتبت أول مقالاتي عن رؤيتي لهذا اللقاء تحت عنوان "اعترافات ملونة" ضمن مقالات لعمالقة الأدب والكتابة . لتكون بدايتي الصحفية مع عملاق الأدب والرواية "نجيب محفوظ" .
محفوظ الذي أثر في تكوين
سمير فؤاد دون أن يلتقي به
الفنان سمير فؤاد له أيضا تجربة عميقة مع محفوظ الذي رسمه مرة واحدة لكن دون أن يلتقي به أبدا، حيث يقول الفنان سمير فؤاد كانت لوحة محفوظ والتي رسمتها ضمن مجموعة الشخصيات التي أثرت في تكويني وانتهيت من رسم الريحاني وحسن سليمان ثم توقفت وربما أعود إلي هذا المشروع يوما ما.
عرفت كتابات محفوظ منذ الثانية عشرة وكان أول ما قرأت "القاهرة الجديدة" ثم "خان الخليلي" و"زقاق المدق" ثم الثلاثية وبعدها "أولاد حارتنا" عندما نشرتها الأهرام مسلسلة والأخيرة هي أكثر رواية أثرت في وجداني في وقتها وقد قرأت جميع روايات محفوظ وبعضها أكثر من مرة مثل "أحلام فترة النقاهة " التي لا أمل من قراءة بعضها حتي اليوم.
ويضيف فؤاد: لم أقابل محفوظ شخصيا قط برغم أن والد أحد أصدقائي المقربين كان من الحرافيش وكان يمكنه بسهولة تقديمي إليه وربما كان هذا بسبب رغبتي في الحفاظ علي الصورة التي رسمتها له في ذهني ولكنني عندما أسترجع هذا الآن أشعر أنني أضعت فرصة ثمينة خاصة أن منهجيتي في الفعل الفني ومزاجي وأفكاري تلتقي معه كثيرا .
وقد رسمت هذه اللوحة وفي ذهني محفوظ الأحلام ..هذه النظرة الغائمة التي تنفذ وراء المحسوس وهذا الشعور الميتافيزيقي الصوفي الذي يغلف اللوحة وهذا الامتداد الزمني أو اللازمني الذي تخلقه الخطوط العرضية هو ما كنت أسعي إليه.
نفين جندي تجربة مكتملة
ولعل تجربة الفنانة نفين جندي مع الأديب العالمي نجيب محفوظ تعتبر واحدة من التجارب التشكيلية المهمة التي يجب التوقف عندها، حيث رسمته في 21 لوحة، استغرقت كل منها جلسة واحدة ، وكانت قد عرضت تلك المجموعة في معرض فردي بالهناجر تحت عنوان " لقائي معه" مع أواخر عام 2006 وافتتح يوم 11 ديسمبر ليوافق ذكري ميلاده، قبل أن تقدمه مرة آخري في معرض فردي بالمركز الثقافي الفرنسي بالمنيرة.
وعن تلك التجربة تقول الفنانة: جلست في اللقاء الأسبوعي مبهورة بشخصية إنسان حاز بصدقه وإبداعه الأدبي علي إعجاب العالم فإذا بالعملاق متواضعا .. صامتا .. مستمعا في أغلب الأحيان .. منذ الوهلة الأولي شدتني وداعته وتشبثه بواقع المجتمع يقرأه ويهمس في إذنه من حوله .. فذلك الشامخ لم يسمح لضعف سمع أو بصر أن يفصله عن الحياة فإذا أصطحب لوحاتي وألواني وأرسم وأرسم ولم يكن باستطاعتي التوقف ومازلت علي قناعتي أن نجيب محفوظ لا يمكن أن يحد داخل إطار أي عدد من اللوحات.
وكانت نفين قد انضمت لجلسة محفوظ عن طريق الأديب نعيم صبري الذي اقترح عليها أن تنضم للتجمع، حيث تقول نفين : شعرت بالانجذاب منذ الوهلة الأولي وبدأت أرسم محفوظ في كل الأماكن التي كان يذهب إليها، وقد اخترت الزيت لطبيعة الأعمال التي تتسم بالسرعة والتي كانت تتم في جلسة واحدة وخرجت اللوحات تميل للتعبيرية .
صلاح عناني ومائة عام من التنوير
ربما لا يعرف الكثيرون أن لوحة "مائة عام من التنوير" التي رسمها الفنان "صلاح عناني" عام 1990 بمقاس كبير والتي أثير بشأنها جدل كبير مؤخرا هي واحدة من الأعمال الفنية التي قدمت محفوظ ولكن ضمن شخصيات آخري.
وتتلخص حكاية هذه اللوحة طبقا لما ورد بالصحف ومواقع الإنترنت إنه في عام 1992 تم تكبيرها تحت إشراف صلاح عناني لتكون جدارية بمساحة ما يقرب من خمسة متر في مترين ، وأهداها الفنان إلي المسرح الكوميدي، وانتقلت بعد ذلك إلي مسرح ميامي حتي عام 2004 ، ثم استقرت أخيراً في مسرح السلام، وقد عرفت بلوحة التنوير لأنها تضم عددا كبيرا من الشخصيات التنويرية بدءاً من الإمام محمد عبده ورفاعة الطهطاوي والعقاد وتوفيق الحكيم وطه حسين وأحمد شوقي ونجيب محفوظ ، وصولاً إلي سيد درويش ويوسف وهبي وعبد الوهاب ونجيب الريحاني وأم كلثوم وعبد الحليم وصلاح جاهين ، والفنانين محمود مختار ومحمود سعيد...
ولكن يبدو أن هذه اللوحة المهمة تعرضت لمعاملة شديدة السوء أثناء عمل ديكورات مسرحية جديدة بالمسرح، فعندما احتاج العاملون لوحين من الخشب ومع عدم وجود ميزانية لم يجد العاملون بالمسرح غضاضة في إتلاف اللوحة والاستعانة بإطارها لاستكمال الديكور.
وصلاح عناني فنان مسكون بالحارة المصرية ولذلك تجد أن أعماله تتماس مع عالم محفوظ الذي قدمه في كتاباته.. وكان عناني قد رسم محفوظ أيضا بعد حصوله علي جائزة نوبل عام 1988 حيث صوره وسط عالمه الشعبي وأبطال رواياته من الحرافيش.
عالم محفوظ ملهم التشكيليين
ولم يكن نجيب محفوظ بشخصه وملامحه هو مصدر إلهام التشكيليين فحسب، بل كانت أعماله مصدرا لإلهام عدد كبير من الأعمال الفنية ، وربما كان الفنان جمال قطب هو واحد من أكثر الناس الذين ارتبط اسمهم بنجيب محفوظ حيث كان واحدا من أشهر من رسموا أغلفة كتبه، وقد عمل الفنان رساما بمؤسسة دار الهلال ولا يزال طالبا بكلية الفنون الجميلة، وقد تعرف علي نجيب محفوظ لأول مرة عن طريق دار مكتبة مصر، التي كانت تقوم بطبع روايات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وغيرهم.
وفي حوار أجراه جمال هلال مع الفنان جمال قطب نشر بمجلة صباح الخير في 2010 ، يتحدث قطب عن تجربته مع محفوظ قائلا، في لقائي الأول بنجيب محفوظ قال لي: كتبي أمانة لديك، ووجدته شخصية ثرية، متواضعاً يحسن السمع جداً، ولم يكن يتدخل يوماً في شغلي، وعندما كنت أسأله: رأيك يا أستاذ نجيب؟ يقول هذه رؤيتك، كنت ألتقي بنجيب محفوظ في مكتب سعيد السحار كثيراً، كل أعماله تعجبني جداً، ولكني توقفت أمام رواية الكرنك وأدهشتني رواية أصداء السيرة الذاتية ورسمت لها لوحات داخلية، موضوعها فلسفي فيها نجيب محفوظ عالم يفلسف بالرمز والكلمة المختصرة ما يقوله الإنسان في عشر ساعات، الثلاثية تحكي تاريخاً كأن الإنسان عاش في الثلاثينيات، كنت أنزل الجمالية أعمل اسكتشات لأعمال نجيب محفوظ وأعيش الأماكن التي كتب عنها.
ولكن ليس جمال قطب وحده هو صاحب تلك التجربة، فهناك أيضا الفنان السكندري سيف وانلي الذي كان له تجربة متميزة في رسم شخصيات نجيب محفوظ في المرايا ، فطبقا للتقرير الذي نشرته حنان الجوهري علي موقع دوت مصر "تحت عنوان " تعرف علي رسامي نجيب محفوظ" كتبت: في عام 1970 كان رجاء النقاش أثناء رئاسته تحرير مجلة "الهلال" قد خصص عددا كاملا عن نجيب محفوظ وبعدها بعام قام باختيار رسوم الفنان سيف وانلي لتصاحب فصول "المرايا" التي تنشر مسلسلة أسبوعيا في مجلة الإذاعة والتليفزيون وهي نفس الرواية التي تم إعادة نشرها مجمعة مع ترجمة روجر آلين، للنص الذي صدر عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية في القاهرة، التي أخذت حقوق النشر أعماله إلي جميع اللغات.
وربما كان للفنان حلمي التوني أيضا تجربة متميزة في رسم بطلات نجيب محفوظ في معرض أقيم في القاهرة والكويت حيث كانت مجلة العربي نظمت معرضا للفنان حلمي التوني ضم "بورتريهات" لبطلات روايات نجيب محفوظ كما رآها الفنان.
كذلك غاص الفنان التشكيلي محمد حجي في عالم محفوظ، فرافقت لوحاته مجموعة " أحلام فترة النقاهة " التي نشرت في مجلة نصف الدنيا بعد أن اختارته الكاتبة سناء البيسي ليرسم بريشته جو الأحلام والرؤي.
الحسين فوزي.. رائد الجرافيك
الذي رسم أولاد حارتنا
أعمال تشكيلية كثيرة استلهمت عالم محفوظ ، ففي عام 1959 رسم الفنان الحسين فوزي مائة رسمة رافقت فصول رواية "أولاد حارتنا" ، حيث يقول الفنان صلاح بيصار في نقد رائع نشر عن الحسين فوزي رائد فن الجرافيك أو ما يسمي بالطبعة الفنية: تألقت رسومه بمجلة الشباب عام 1924، وبصمته في رسوم الأطفال تمثل مساحة خاصة شهدتها مجلة "علي بابا" والتي نافست به الرائد حسين بيكار رسام مجلة "سندباد" زائعة الصيت.
وعن علاقة الحسين فوزي بمحفوظ يستطرد بيصار : مثلما تألقت القاهرة بوجهها الخاص والحياة الشعبية في ملامحها العامة في أدب نجيب محفوظ، فقد تألقت أيضا في لوحات عديدة في الفن التشكيلي. فعندما نقرأ "خان الخليلي" أو "زقاق المدق" و"بين القصرين" أو نطوف ب "دنيا الله" نجد في تصوير محفوظ ما نراه في أعمال الكثير من فنانينا ممن التقت أعمالهم مع عالمه دون اتفاق مثل الرائد يوسف كامل وفنان الباستيل محمد صبري إلا أننا نجد أعمالا أخري تعد بمثابة ترجمة بصرية لعالمه كما نري عند الحسين فوزي. ففي عام 1959 صاحبت ريشتة فصول رواية "أولاد حارتنا" التي نشرت بصحيفة الأهرام في 100 رسم علي مدي ما يقرب من العام وقد تصدي فوزي لهذا العمل المركب والمسكون بالرمز خاصة، وهي رواية تحلق في أجواء ميتافيزيقية علي أرض الواقع لكنه حلق في عالمها ونقل أبطالها الي مسرح الحياة.
60 فنانا في قصر طاز
يرسمون محفوظ وعالمه
كنت كلما توغلت في البحث .. اكتشفت أن هناك الكثير والكثير من الفنانين الذين رسموا محفوظ، فقد كانت وزارة الثقافة - من خلال صندوق التنمية الثقافية - قد نظمت احتفالية بمناسبة بالذكري المئوية لميلاد الأديب المصري العالمي الكبير نجيب محفوظ تضمنت عدة فاعليات كان من بينها افتتاح معرض فني بمشاركة 60 فناناً تشكيلياً ساهموا بأعمالهم الفنية في التعبير عن شخص وقامة نجيب محفوظ الذي أثري بأعماله عقول الشعب العربي ، وحاز بجدارة علي أرفع الجوائز والتكريمات في مجال الأدب، وقد تنوعت هذه الأعمال بين الرسم والنحت وكذلك الفسيفساء.
محفوظ والكاريكاتير
ربما كان الكاريكاتير من أكثر الفنون التي لاقت حظا في رسم محفوظ وربما يرجع ذلك لحاجة المجلات والجرائد دائما لبورتريهات شخصية لقامات الفنون والآداب، فما بالك بأديب نوبل .
وهناك العديد من الفنانين الذين رسموا محفوظ تأثرا به حيث يقول الفنان عمرو فهمي إن نجيب محفوظ قيمة كبير لمصر .. حتي قبل حصوله علي جائزة نوبل .. وقد رسمته أكثر من مرة وشرفت بمقابلته في منزله وأهديته بورتريه بالزيت، وشكرني جدا ونال إعجاب السيدة قرينته.. كما رسمته كثيرا جدا لأغلفة الكتب.. ويضيف فهمي إن ملامح وجه محفوظ نفسها منحوتة بطريقة رائعة كموديل للرسم يسعي أي فنان لرسمه.
أما الفنان أدهم لطفي فيقول إن الأديب الكبير نجيب محفوظ يمثل بالنسبة لي مصر بكل ما فيها من جمال، فقد رأيت حواريها وأزقتها وشوارعها ومقاهيها من خلال رؤيته المتغلغلة في جذور تلك الأزقة والحواري كما رأيت من خلاله وعاصرت أيضاً بالخيال حقبة هامة من تاريخ مصر .. مصر الملكية ومصر الثورة بكل إرهاصاتها وبكل عنفوانها وبكل نتائجها .
ويضيف لطفي إن نجيب محفوظ رسام ماهر بدرجة أديب عظيم حيث نري كل مقومات الفن التشكيلي في أدبه من تكوينات متباينة ومتجانسة في الحارة المصرية.. وفي الروح والشكل ومن خطوط منحنية ومستقيمة ودائرية .. معبراً بدقة عن النفس البشرية فهو رسام بورتريه رائع قادر علي إبراز كافة الجوانب السلبية والإيجابية في الوجوه والنفوس .
أما الفنان عماد عبد المقصود فيروي حكايته مع محفوظ قائلا : كانت المرة الأولي التي أرسمه فيها عند وفاته وحيث تبدأ حياة الأديب الحقيقية اعتبارا من تاريخ وفاته، وقد تصادف أن بدأت حياتي المهنية أيضا بمجلة صباح الخير اعتبارا من هذا التاريخ بهذا العمل الذي نشر علي غلاف مجلة صباح الخير وهذا الوجه الذي تحمل قسمات ملامحه الكثير من علامات الزمن وجبهته التي تحمل علامات الدهشة وعضلة جفنيه المنقبضة والتي تعبر عن تركيز وتأمل كبيرين وأنفه التي تنوء بحمل نظارة ثقيلة الظل مع فمه الممتعض ورأسه المستند الي أصابع كفيه ، كان وبحق وجبة شديدة الدسامة لرسام حديث العهد وملاذا لرسم الملامح الحقيقية الصادقة حين يتعب فنان الكاريكاتير من رسم وجوه رجال السياسة وكل ملامح الحياة الكاذبة.
ويضيف عماد: رسمته مرة ثانية، وكانت بعد أن شاهدت تمثالا منصوبا بأحد الميادين لا يمت له بصلة وكنت وقتها أرسم بابا بعنوان "التنكيت والتبكيت"بمجلة روزاليوسف الي جوار الكاتب الساخر عاصم حنفي والذي تساءل لماذا لا تضع الدولة اسم نجيب محفوظ علي أحد الشوارع أو الميادين ولماذا لا تسمي إحدي محطات المترو باسمه تخليدا لذكراه وعبرت عن ذلك بأن رسمته سعيدا ضاحكا منتشيا بأوسكار المترو.
عشرات القصص والحكايات التي تسمعها من كل فنان مر بتجربة نجيب محفوظ، فالفنان ياسر جعيصة مثلا رسمه مرة واحدة ولكن اختار أن يكون مشروع تخرجه في الكلية عن رواية الحرافيش حيث قدم بعض اللوحات التي توضح القصة بالكامل.. وربما لو سألت كل فنان كاريكاتير لوجدته رسم صورة لمحفوظ مرة أو أكثر بحياته، فهناك كثير من الفنانين الذين رسموه لجريدة أو حتي لتتصدر غلاف أحد الكتب عنه ومن أبرزهم جورج بهجوري ، ومصطفي حسين.. وغيرهم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.