سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الهجرة الى الموت أنتهت على شاطئ رشيد الناجون ل«الأهرام»: قضينا 7 ساعات من الرعب و مراكب الصيد أنقذتنا..عائلات وأسر كاملة استقرت جثثهم فى قاع البحر فى ليلة حالكة السواد
ليلة حزينة عاشتها مدينة رشيد، بعدما عصفت أمواج البحر المتوسط العاتية وجشع مافيا التسفير والهجرة غير الشرعية و المراكب المتهالكة بأحلام مئات الشباب الباحثين عن فرص عمل في قارة أوروبا، وكان الموت غرقا لهم بالمرصاد بعدما لقي 57 شابا مصرعهم، وأصيب 8 آخرون وتم نقلهم إلي مستشفي رشيد، كما تم إنقاذ 153 شخصا، بينهم 110 مصريين و 43 من جنسيات أخري منها السودان، والصومال، وإريتريا، من ضمن أكثر من 400 شخص كانوا علي متنها ومازال البحث جاريا عن باقي المفقودين. تمكنت قوات حرس الحدود بمشاركة عدد من الصيادين من انتشال 44 جثة من ضحايا كارثة غرق مركب المهاجرين برشيد، عثر عليهم في قاع البحر علي مسافة تقترب من 12 كيلو مترا من شاطئ مطوبس - رشيد حيث تم انتشال 44 بينهم 10 سيدات وطفلان، بينما انحسر عدد المصابين إلي 8 أشخاص يعاني 4 منهم اضطرابات نفسية بعد الفاجعة التي فقدوا فيها ذويهم عندما انقلب بهم المركب وجرفتهم الأمواج ومازال الغموض يكتنف مصير أكثر من 200 مهاجر في بطن السفينة المنكوبة. حيث أكدت د. نجلاء غانم مديرة مستشفى رشيد أن عدد الحالات ارتفع إلى 57 حالة حتى الآن. وفي شهادة تضاعف من هول الكارثة المأساوية التقي مندوبا الأهرام عددا من المصابين الناجين من الكارثة فقال متولي محمد أحمد 29 سنة من مركز فاقوس بالشرقية أحد المصابين الذين فقدوا أسرهم في مركب الموت وهو في حالة من الانهيار أنهم وجهوا 18 استغاثة دون جدوي وان العناية الالهية هي التي أنقذته بعد أن واصل العوم لمدة 9 ساعات متواصلة وأن هناك عائلات وأسرا كاملة استقرت جثثهم في قاع البحر في ليلة حالكة السواد ولم يكتب لهم النجاة وأوضح أنه كان مسافرا مع أسرته وأنه رأي زوجته 20 عاما وطفله وعمره عام و8 أشهر يغرقان أمام عينيه في الماء رغم أنهما مصدر الأمل الوحيد له في الحياة وأنه فقد الأمل في انقاذهما بمرور الساعات فكان البحر مظلما ولكنه سرعان ما تمالك أعصابه وقال الحمد لله ربنا استرد وديعته وأملي كبير في الله وأن بعض الصيادين هم أول من بادر بالإنقاذ وذلك بعد رصد المركب في عرض البحر . وأكد وائل محمود محمد 19 عاما أحد المصابين من أبناء الفيوم أن طاقم المركب فر من السفينة قبل الغرق بلحظات في قارب انقاذ وترك الركاب يواجهون مصيرهم المجهول وأنه حدثت مشاجرة وتشابك علي متنها بين قائدها وعدد من زملائنا بسبب الحمولة الكبيرة وصرخنا فيه لتوخي الحذر، إلا أن الأول هون من حجم الكارثة وأصر علي مواصلة رحلة الموت التي تسببت في الفاجعة، موضحا أنه تم نقلهم في زورق ومنه إلي زوق ثان وثالث وأخيرا إلي المركب الذي غرق بنا بسبب تهالكه، وأشار إلي أن معظم الضحايا هم أول من ركبوا وجلسوا في الجزء السفلي من السفينة. من ناحية أخري، لاتزال أجواء الحزن تسيطر علي أسر وعائلات الضحايا والمفقودين الذين يتوافدون علي المستشفيات واحد تلو الآخر لليوم الثاني علي التوالي، خاصة أمام مستشفي رشيد العام في انتظار جثث أبنائهم، وبحثا عن ذويهم في قاع البحر وتكررت مشاهد الصراخ والاغماءات بين أهالي الضحايا خاصة بعد استخراج جثتي طفلين، وامتزجت صدمات الأهالي الذين عثروا علي جثث أبنائهم باستعدادات الآخرين لتسلم الجثامين والسفر لدفنها حيث تجمع المئات أمام مستشفي رشيد وافترش بعضهم الأرض ووقف البعض الآخر في انتظار أي معلومة تأتي اليهم عن مصير أقاربهم المجهول. في السياق نفسه أمرت النيابة العامة، بحبس طاقم مركب الهجرة غير الشرعية الذي تعرض للغرق أمس أمام سواحل رشيد بمحافظة البحيرة وهم عطية أحمد أبو نار، ونشأت غزال الفقي ،وسعد سعد عشماوي، وصبحي حسن أبو عثمان 4 أيام علي ذمة التحقيقات، وكلفت النيابة ضباط إدارة البحث الجنائي وضباط مباحث الأموال العامة بضبط وإحضار 5 آخرين من المتورطين في الكارثة من مافيا الهجرة غير الشرعية، وقررت إخلاء سبيل 117 مصريا بضمان محال إقامتهم، و43 أجنبيا بضمان وثيقة سفر الأجانب من الناجين من الكارثة. كما صرح المستشار علي حسن رئيس نيابة دمنهور الكلية بدفن 6 جثث من الضحايا بعد تعرف ذويهم عليهم، بينهم جثتان بمشرحة مستشفي دمنهور التعليمي، وجثتان بمشرحة مستشفي إدكو وجثتان بمشرحة مستشفي رشيد. ومن ناحية أخري توافد أهالي ضحايا المركب الغارق من محافظات عدة للبحث عن ذويهم، وكلهم يمني النفس أن يعثر علي إبنه أو شقيقه بين من أنقذتهم العناية الإلهية، لكن أمواج البحر العاتية حرمتهم من اللقاء الأخير، عصفت بأحلام الشباب في الهجرة إلي بلاد الغربة وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن. بداية المأساة كانت في الساعة الخامسة من فجر أمس الأول عندما تلقي أهالي بعض الشباب المهاجرين من قرية الجزيرة الخضراء بكفر الشيخ اتصالات من أبنائهم يستغيثون بهم لإنقاذهم من الغرق خاصة بعدما تهاوي المركب الذي كان يقلهم في رحلة الموت،» وطلبوا منهم إحضار مراكب صيد لانتشال الجثث وإنقاذ الغرقي، و اشترك الأهالي مع بعض الصيادين من قريتي برج مغيزل والجزيرة الخضراء وتحركت خمسة مراكب صيد كبيرة من بوغاز رشيد للبحث عن الناجين وانتشال الجثث. ويضيف أحد الصيادين أن المراكب استغرقت في الإبحار نحو ساعة ونصف الساعة للوصول إلي مكان الحادث، ووصلنا في الساعة الحادية عشرة ظهرا، وما إن وصلنا إلي موقع الكارثة حتي وجدنا المكان اكتسي بالشباب الذين يتشبثون بالأمل في النجاة، واستطعنا إنقاذ نحو 153شابا جميعهم كانوا في حالة انهيار تام، أما الجثث الطافية علي سطح البحر فقد تم انتشالها. وفي مركز شرطة رشيد افترش الناجون من الغرق طرقات وجراج المركز، أطفال في عمر الزهور تتراوح أعمارهم بين 15 عاما و 18 عاما ، وشباب سمر البشرة حفاة غلبهم النعاس والإرهاق من هول ما رأوا خلال رحلة العذاب التي روي لنا عنها أيمن 19 سنة - أحد الناجين من محافظة الغربية وقال إن العناية الإلهية أنقذته من الغرق، وقال إنه سمع عن الهجرة إلي دولة إيطاليا من أصدقائه فذهب إلي سمسار التسفير ويدعي رمزي أحمد، و تقاضي منه أكثر من 20 ألف جنيه نظير تسفيره لدولة ايطاليا ثم حرر علي والده شيكات بمبلغ 20 ألف جنيه يقوم بدفعها له بمجرد أن يصل ابنه الي إيطاليا. وعن المبالغ التي يتم دفعها للسمسار الذي يسهل عملية الهجرة قال سيد - أحد الناجين إن المبلغ المتفق عليه يتراوح ما بين 20 و40 ألف جنيه للفرد الواحد، ويقوم أحد أفراد أسرته بالتوقيع علي إيصال أمانة بالمبلغ للمسئول عن الهجرة ولا يتم تحصيله إلا عند التأكد من سفر الشاب ووصوله إلي دولة إيطاليا، وعندما سألناه من أين تأتي بهذا المبلغ وأنت لم تكمل عامك الثامن عشر؟ رد قائلا أن أسرته علي استعداد تام لبيع ما تملكه أو اقتراض المبلغ مقابل تحقيق حلم الهجرة، وعندما حاولنا معرفة الأسباب التي تدفع بهؤلاء الصبية إلي الغرق في ظلمات البحر، هم أحدهم وقد اعتصره البكاء قائلا: «محدش عالم بظروفنا.. إحنا لو لقينا شغلانة تأكلنا عيش كنا اشتغلنا وأنا عندي 5 أشقاء وأمي وليس لنا مصدر رزق»، أما طارق فحدثنا عن أن معظم أصدقائه بالقرية يعملون في دول أوروبية منها بريطانيا، وألمانيا، ويراسلوننا عبر مواقع التواصل وأخبرونا أنهم يحصلون علي حق اللجوء الإنساني هناك وبعدها يستطيعون اللحاق بعمل. بينما ارتسمت علامات الندم علي وجه عمر وهو يحكي لحظات الرعب التي عاشها طوال 7 ساعات قضاها عائما وسط مياه البحر المتوسط لا يعرف طريقا للبر، وراح يروي قصته مع مركب الموت قائلا إن البداية عندما قام مسئول التسفير بتجميعنا في سيارات صغيرة إلي أن وصلنا إلي مدينة رشيد، ومنها استقلينا زورقا يحمل علي متنه نحو 60 شخصا يبحر بنا لساعات قاصدة مركب الموت التي كانت تقف في عرض البحر بانتظار الشباب المهاجرين، وهكذا تنقل الزوارق مجموعة من الشباب وتم شحننا في المركب المكونة من دورين، وثلاجة لحفظ الأسماك، ومع ذلك منا من وقع حظه في استقلال أعلي المركب، وآخرون أوقعهم حظهم العثر في الجلوس داخل الثلاجة، وعندما اكتمل العدد الذي تجاوز ال300 شخص، هم المركب المكتظ بالركاب بالتحرك والإبحار نحو القدر إلا أنه تمايلت وتلاعبت به الأمواج ولم يكن ليصمد كثيرا أمام الأمواج العاتية والأعداد الكبيرة التي كانت علي متنها، حينها شعرنا أن هذه الرحلة لن تكتمل علي خير، وما هي إلا دقائق معدودة إلا وانقلبت المركب رأسا علي عقب، لحظتها وبدون تردد ألقي الجميع أنفسهم في مياه البحر هروبا بمن فيهم طاقم المركب، أما من كانوا داخل ثلاجة المركب فلم ينج منهم أحد وغرقوا جميعا داخل المركب. وقال أحد الناجين، كل هذا حدث فجر الأربعاء، وأخذ كل منا يسبح في الماء محاولا النجاة بنفسه، وظل معظمنا متمسكا بالأمل في أن ينقذنا الله من الغرق ويكتب لنا عمرا جديدا ويقدر لنا النجاة، بعد أن مكثنا في المياه قرابة ال 7 ساعات حتي وصلت مراكب الصيد التي انتشلتنا، وقامت بتسليمنا لقوات الشرطة.