سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التركية آصلى أردوغان.. كتبت عن السجن روائيا قبل أن تُحتجز بين جدرانه دفاعا عن مواقفها التركية آصلى أردوغان.. كتبت عن السجن روائيا قبل أن تُحتجز بين جدرانه دفاعا عن مواقفها
«يتجدد الليل في أماكن أخرى من العالم، في قارات أخرى، تُسدَل الستائر، تطلَق صفارات الإنذار، يتأهب رجال الأمن لمواجهة خطر الظلام... الحوار الحقيقي مع الظلال. اليوم أريد أن أتحدث عن بناء حجرى حيث يختبئ القدر في إحدى زواياه، ونكتشف عن بعد المعاني العميقة للكلمات. شُيّد هذا المبنى قبل وقت طويل من ولادتى وهو من خمسة طوابق دون احتساب الطابق السفلى ومدخل الدرج».. هكذا وصفت الكاتبة التركية آصلى أردوغان(49 عاما) فى روايتها الأخيرة « المبنى الحجرى» تجربة السجن والاعتقال, دون أن تدرى أن روايتها كانت بمثابة نبوءة استشرافية لتجربة حقيقية ستخوضها فى المستقبل القريب، حيث ألقت الشرطة التركية القبض على آصلى مساء 17 أغسطس الماضي في منزلها بالعاصمة التركية اسطنبول, ضمن حملة اعتقالات موسعة طالت آلاف النشطاء والصحفيين والموظفين والقضاة والعسكريين, شنتها السلطة التركية لتصفية معارضيها, مستغلة محاولة فاشلة للانقلاب على النظام الحالى . ووجهت محكمة باسطنبول لآصلى اتهامات ب «الدعاية لمنظمة إرهابية» و«الانتماء إلى منظمة إرهابية» و«التحريض على الخروج عن النظام». ويأتى إلقاء القبض على آصلى أردوغان التى لاتوجد صلة قرابة لها مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بسبب مقالات نشرتها في صحيفة «اوزجور جونديم» اليسارية المعارضة المقربة من الأكراد، مع عشرين صحفيا للسبب ذاته، بعد أن أصدرت إحدى محاكم اسطنبول أمرا بإغلاق الصحيفة بتهمة الترويج لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي), الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية. وقالت صحيفة «خبر تورك» المؤيدة للحكومة التركية على موقعها الإلكتروني إن آصلى عضو المجلس الاستشارى لتلك الصحيفة التى تركز على القضايا المتعلقة بالأقلية الكردية في تركيا والصراع بين حزب العمال الكردستاني والدولة. وقد أثار اعتقال آصلى موجة من الانتقاد و الغضب ضد السلطة التركية ورأس النظام رجب طيب أردوغان, سواء فى تركيا أو خارجها, حيث أطلق نشطاء وصحفيون ومسئولون عن دور نشر ومثقفون وكُتاب وفنانون عريضة دولية للمطالبة بالإفراج الفوري عن آصلى استقطبت أكثر من 40 ألف توقيع. وأكدت العريضة أن أمنية آصلى الوحيدة هي أن تعيش في مجتمع أفضل وأكثر ديمقراطية، وأنها تعمل لدعم الأدب التركي على المستوى العالمي. كما تعددت الدعوات للإفراج عنها والتضامن معها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وأعرب نادي القلم الدولي، وهو منظمة دولية للكُتاب، عن قلقه حيال تدهور صحة الكاتبة, التى صُنفت ضمن 50 كاتبا تركيا ذوى مستقبل واعد، واصفا معاملتها داخل سجنها ب «غير المقبولة على الإطلاق»، مطالبا السلطات التركية بالإفراج الفورى عنها، مشيرا إلى أن «القمع الذي يحاول إسكات صوتها هو انتهاك لحرية الفكر»، مضيفاً: «نطالب بتحرير صوتها. هل تستقيم الحياة مع القمع والاضطهاد؟ أم سيتم اختيار الديمقراطية والأخوة؟». كما طالب النادى بالتأكد من وصول الرعاية الصحية إليها بشكل عاجل، حيث تواجه آصلى حالة من الانهيار الصحي بعد تدهور حالتها نتيجة المعاملة التي تتلقاها داخل سجنها بعد القبض عليها, كما قالت الكاتبة لصحيفة «حرييت» التركية عبر محاميها: «أتلقى معاملة سوف تنتهي بجسدي إلى دمار كامل. وليس لدي أي حقوق لتلقي الرعاية الصحية. الجهاز الهضمي لا يعمل بشكل منتظم، ومن المفروض أن أخضع لنظام غذائي خاص. ومنذ أيام لم أتلق أدويتى. وعلى الرغم من أنني أعاني من الربو ومرض انسداد الشعب الهوائية المزمن، لم يُسمح لي بالوصول لأى منفذ للهواء». وأضافت صاحبة رواية «الإنسان الصدفة» أنها على بينة من التضامن الذي يبديه الجميع لها في الخارج, وبالرغم من أن الوضع يبدو عبثيا جدا, إلا أنها وجهت الشكر لكل من يتضامن معها. وقالت أثناء التحقيق معها: «لقد كتبت سبع روايات، تمت ترجمتها إلى 15 لغة. وليس لدي أي علاقة من أي نوع مع أي منظمة إرهابية. عملي فى المجلس الاستشاري للصحيفة لا يتدخل على الاطلاق فيما هو مكتوب، أو سياسة النشر. وأنا لا أقبل أيا من الاتهامات الموجهة ضدي «. ونشرت دار «آكت سود» الفرنسية, التي ترجمت أعمالا عدة للكاتبة، وتحديدا مدير مجموعة الآداب التركية في الدار تيمور محيى الدين، في صحيفة «لوموند ديبلوماتيك»، مقالاً توجه فيه إلى السلطات التركية وسألها عن مبرراعتقال «الأصوات الصادقة والموهوبة» التي تمنح «الفخر للثقافة التركية». واعتبر هذا الأمر من الحسابات الخاطئة للسلطة التركية، ويقدّم صورة سلبية ومدمرة لها ولتركيا. وبحسب صحيفة «المونيتور», تعتبر السلطة التركية آصلى تهديدا لها, بسبب مكانتها الأدبية, وبوصفها من «العرق التركى الأبيض» الذى يمثل الطبقة العليا ذات الأصول المتمتعة بالثروة والتعليم الجيد ضمن فئة النخبة,والتى يُنظر إليها عادة على أنها من أتباع تيارالكمالية - فى إشارة إلى مبادىء مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة العلمانية- وضد سطوة المؤسسات الدينية التي تتعارض مع فكرة تركيا العلمانية والتى تُعَد السلطة الحالية جزءا منها. فضلا عن نشاط آصلى الحقوقى الداعم لحقوق الإنسان والأكراد والأقليات عموما داخل تركيا وخارجها، حيث كانت بمثابة الصوت المدافع عن حقوق المهاجرين الأفارقة إلى تركيا، وحظيت القضية التركية بنصيب كبير من نشاطها الحقوقى الذى أدانت خلاله الانتهاكات التي يتعرض لها الأكراد في شرق تركيا. وسبق لها أن نظمت مع كُتاب آخرين مسيرة إلى الحدود التركية السورية أثناء حصار مدينة عين العرب «كوباني» من قبل قوات تنظيم الدولة الإسلامية في 2014. وعقب اعتقال آصلى أعد عثمان أوكان فيلما وثائقيا عنها عرضته محطة قناة «TRT» قدمها ك»كاتبة متواضعة وناشطة فى مجال حقوق الإنسان تحارب العنصرية وتكافح ضد التمييز واضطهاد المرأة من جهة، ومن جهة آخرى ضد الانقسام بين الألم والأمل، والحياة والموت». وفى روايتها الأخيرة «المبنى الحجرى»التى ترجمتها إلى الفرنسية دار «آكت سود» في 2013 عايشت آصلى تجربة السجن روائيا قبل أن تحتجز فعليا بين جدرانه، وصفت خلالها معاناة السجناء فى تركيا وظروف الاحتجاز الصعبة المنافية لحقوق الإنسان, من خلال تصوير معاناة البشر المحتجزين في مبنى حجرى عتيق يضم فئات اجتماعية وسياسية مختلفة تمثل المجتمع التركى, من نشطاء سياسيين ومثقفين ومتمردين على الرقابة وأطفال شوارع، ممن يتعرضون للتعذيب والمذلة. وسردت آصلى حكايات مؤلمة استلهمت فكرتها من وقائع حقيقية رواها لها والداها اللذان اعتُقلا وعُذبا من قبل الأنظمة التركية الناشئة بعد الانقلابات التي شهدتها البلاد بين أعوام 1980 و1990. وفى روايتها « المدينة ذات المعطف الأحمر» جذبت آصلى الجانب المظلم من ريودى جانيرو إلى النور وتأثرت فيها آصلى بتجربة مؤلمة فى طفولتها مثلت لها نقطة تحول حيث تعرضت فى سن العاشرة إلى التحرش الجنسي وفضلت الصمت والتعبير عن التقلبات فى عالمها الداخلى من خلال رقص الباليه، وواجهت نفس المضايقات عندما أصبحت شابة وفضلت الصمت أيضا حيث نشر حبيبها السابق الكاتب حسن اوزبراك رواية فى منتصف التسعينيات باسم «الحب المستحيل» كشف خلالها أسرار آصلى واعتبرت الرواية قضية ساخنة فى تركيا فى ذلك الوقت، وكانت بمثابة صدمة قوية لآصلى مثلت نقطة التحول الثانية فى حياتها التى دفعتها لمغادرة تركيا ومواصلة الكتابة دون توقف بعد ذلك . قالت آصلى في حوار صحفى لصحيفة «حرييت»: «أدركت أن الكتابة هي شيء يتغذى من الألم. لن أكون قادرة على الكتابة إذا لم أذهب من خلال هذه الأحداث المؤلمة. إيماني في الكتابة جعل علاقاتي مع الحياة أقوى». وفى حوار آخر تقول : « بالنسبة لى الكتابة هي رحلة إلى الخلود، وكذلك إلى الموت المطلق. يمكنك الذهاب بعيدا عن نفسك، وفي الوقت نفسه، يمكنك الوصول دائما إلى نفسك مرة أخرى. الكتابة هي رحلة على هذه الدائرة ». ويرى بعض النقاد أن أعمال آصلى لا يمكن تصنيفها بسهولة كقصة قصيرة أو رواية أو حتى قصيدة، لأنها أُُعدت في رحلة بين أنواع مختلفة من الأدب، وأصبح ذلك أسلوبا فريدا وعلامة أدبية خاصة بها. ولدت آصلى أردوغان في اسطنبول عام 1967، ودرست الفيزياء في جامعة البوسفور، وأكملت شهادة الماجيستير في جنيف، وعملت بالمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية والفيزياء ثم تخلت عن دراستها للدكتوراه في الفيزياء في البرازيل، وتابعت حياتها المهنية ككاتبة وعاشت في أمريكا الجنوبية لمدة عامين كتبت خلالهما أولى رواياتها «الإنسان الصَدَفة» عام 1994، وفى عام 1996 نشرت روايتها الثانية «معجزة الماندرين»، وفى العام التالى حصلت على الجائزة الأولى من «دويتش فيلة» عن مجموعتها القصصية «الطيور الخشبية» التى تم ترجمتها إلى 9 لغات، كما تم ترجمة روايتها «المدينة ذات المعطف الأحمر» التى صدرت عام 1998 إلى 3 لغات . بالإضافة لذلك كتبت آصلى عددا من المقالات والأعمدة فى عدد من الصحف، كما أعدت ونشرت مجموعة من التحقيقات الاستقصائية التى كشفت خلالها عن الإعدامات الميدانية التي تتم بحق الأكراد في شرق تركيا، وتم تكريمها فى عدد من المحافل الأدبية والثقافية حول العالم, حيث نالت جوائز عدة، وتُرجمت أعمالها إلى لغات عالمية، منها :الانجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والسويدية والنرويجية والعربية، وتُعتبر، مع أورهان باموك وياشار كمال وإليف شافاق، من الوجوه المضيئة في الأدب التركي الحديث وأحد الأصوات التركية الأدبية المتميزة، وقد مثلت تركيا فى رابطة «لجنة الكُتاب السجناء» العالمية بين عامى1998 و 2000 . وأخيرا رفضت محكمة في اسطنبول الطعن المقدم من محامى آصلى للمطالبة بالإفراج عنها، ولا يُعرف حتى الآن موعد محاكمتها، كما لم يتم توجيه أى اتهام إليها رسميا، بحسب ما صرح به محاميها ل «فرانس برس».