استضاف بيت السحيمي بشارع المعز مساء السبت 14 فبراير، افتتاح الدورة الأولي من مهرجان القاهرة الأدبي، تحت شعار »مزج الثقافات وتواصل الأجيال«، بمشاركة عدد من الأدباء والكتاب العرب والأجانب. المهرجان الذي تنظمه دار »صفصافة« للثقافة والنشر، بالتعاون مع عدة جهات ثقافية محلية ودولية، يهدف إلي تعزيز التواصل بين جمهور الأدب من ناحية، والكتاب من ناحية أخري، وإلي تقوية أواصر التواصل بين الأجيال المختلفة وتعزيز التبادل الثقافي بين الأدب العربي وآداب الشعوب الأخري. افتتح المهرجان ندواته باستضافة الأديب التركي الحائز علي جائزة نوبل في الآداب »أورهان باموق«، في حضور الروائي المصري وابن الإسكندرية »إبراهيم عبد المجيد«، في حوار أدارته د. شيرين أبو النجا، والتي استهلت حديثها بالسؤال عن ارتباط كل منهما بمدينته وظهور ذلك من خلال كتاباتهما، خاصة في روايتي »اسمي أحمر« التركية و»لا أحد ينام في الإسكندرية«، فأوضح باموق أنه عاش طوال حياته في إسطنبول، ولكنه عندما كتب عنها لم يكن يدرك ذلك، فبعد ترجمة رواياته اكتشف هذا من خلال حديث الناس وإطلاقهم عليه لقب كاتب إسطنبول، واستكمل: «لقد كنت مهتما بشكل أكبر بالأشخاص، فقد عشت طوال حياتي في مدينة إسطنبول، ولم يكن اهتمامي التركيز علي إبراز هوية مدينة إسطنبول تاريخيا، وأكثر ما كان يشغلني الكتابة عن الإنسانية وفكرة وجود الإنسان في هذه المدينة». أما عبد المجيد، فقال: «كانت الإسكندرية عاصمة العالم، بما تحويه من معالم كثيرة مثل مكتبة الإسكندرية والفنار، كما أن هناك 3 نقاط تحول كبري في تاريخ المدينة هي الحرب العالمية الثانية، حيث تغير النسيج الشعبي، والخمسينيات، حيث تركها الأجانب وتحولت إلي مدينة مصرية، وفي السبعينيات، حيث تحولت إلي مدينة وهابية، بالإضافة إلي أن دراستي للفلسفة هي التي دفعتني للكتابة عن المدينة، فالمكان هو صانع الشخصيات، ويقال عني دائما أنني كاتب مكان، حيث عشت في كرموز، الأمر الذي أثر في شخصيتي بشكل كبير، وانعكس علي كتاباتي. يعتقد باموق أن الأدب يزدهر في المجتمعات التي تسمح بحرية الفكر والتعبير وتقبل فيها الحكومات النقد والرأي الآخر وتحترم ما يقدمه الكاتب، الذي لا يشعر بأنه معرض للخطر إذا أثار قضية ما أو عبر عن فكرة بحرية، وأضاف: «أعظم روايات ديستوفسكي كانت تحت الرقابة وفي ظل القهر وقمع الحريات، لذلك لا يجب التخلي أبدا عن معركة الدفاع عن حرية الفكر والتعبير في هذه المنطقة من العالم التي تضم الدول العربية وكذلك موطنه تركيا، لأن المجتمعات الصحية هي التي تفتح المجال لحرية الفكر والتعبير. وفي رأي باموق، التاريخ هو الحاضر، ووظيفة الكاتب هي إعادة اختراع هذا الحاضر، حيث إن الحاضر هو عبارة عن عدة روايات، وبالنسبة له تأليف الجملة الجيدة أكثر أهمية من فكرة التأثر بالماضي، فالشخصية الكاملة هي التي تحمل ذاكرة شخصية، بالإضافة إلي التداخل مع التاريخ الجمعي. أما عبد المجيد، فيري أنه كلما زاد القمع في المجتمع، تزداد حرية الكتابة ويبحث الكاتب عن أفق مختلف، مشيرا إلي أن روايات أمريكا اللاتينية لجأت للقصص الخيالية والحكايات للتعبير عن الأفكار بعيدا عن الرقابة، وتعتبر هذه الروايات أفضل مثال لازدهار الأدب في ظل القمع، الوضع الحالي، وأضاف: «بعد يناير 1102 استطاع أدباء مصر من خلال كتاباتهم إيجاد عالم مواز لا يعترف بالسائد والتجديد في الشكل الأدبي، اعتراضا علي القمع ونوع من التمرد، لذلك كانت شخصياتهم أكثر حرية نتيجة للصدق الفني الذي يتجاهل الرقابة». واستكمل المهرجان فعالياته في اليوم الثاني من خلال ندوتين، الأولي أقيمت في معهد جوته بعنوان »الشرق في عيون أدباء أوروبا«، وتضمنت قراءة مع الكاتب الألماني كريستوف بيترز، في لقاء أدارته هبة فتحي، أما الثانية فهي دائرة مستديرة باسم «ترجمة الأدب العربي.. المعوقات والآفاق» في بيت السناري، حضرها المترجم الأمريكي همفري ديفيز، حمدي الجزار، أحمد الشهاوي، وأدارها الدكتور أنور مغيث. وخلالها أكد ديفيز علي اهتمام دور النشر الأجنبية بترجمة أعمال العرب، حيث إن جامعة نيويورك قامت بترجمة سلسلة كبيرة من أعمال أساتذة الأدب العربي من قبل عصر الإسلام حتي بدايات القرن ال20، أي أنه في المستقبل القريب سيكون في مكاتب لندنونيويورك ساحات كبيرة للأدب العربي القديم، ولكن هناك معوقات أمام المترجمين في الغرب عند ترجمة الأدب العربي، أبرزها صعوبة إقامتهم في العالم العربي حتي يستطيعوا فهم البيئة التي يترجمون عنها، وعدم توافر القواميس الخاصة بمصطلحات اللغة العربية الجديدة، لذا من الصعب ترجمة الأدب العربي الحديث. أما الكاتب حمدي الجزار، الفائز بجائزة معرض الكتاب عن رواية «الحريم»، فيري أن الأدب وفن الرواية هو الإسهام الوحيد الذي يقدمه العرب للحضارة الإنسانية حاليا، بعدما تدهور العطاء العلمي والتنكولوجي، لذا فإن ترجمة الأعمال الأدبية من العربية إلي اللغات الأجنبية فرض عين علي الحكومات والدول العربية لأي نظام سياسي يريد لمصر والعالم العربي وجود داخل الحضارة الإنسانية. بينما انتقد الشاعر أحمد الشهاوي بعض الأدباء العرب الذين فضلوا الكتابة باللغات الأجنبية بدلا من اللغة العربية، اعتقادا منهم أنهم بذلك سيصلون للعالمية أسرع، قائلا: لابد أن نعترف بأن اللغة العربية لغة عالمية، ولكننا نعاني من عدم وجود خطة منظمة لترجمة الأعمال العربية، فالترجمة في مصر تقوم علي المجاملات، مما يجعلنا نعود للخلف، فنحن نترجم للآخر ولا نتواصل معه حتي نقترب منه أكثر، وهو شيء محرج ومؤسف، لذا كتجربة البرتغال مع أديب نوبل »جوزيه ساراماغو«، حيث انتبهت هذه الدولة أن ليس بها كاتب حاز علي جائزة نوبل في الأدب، فقامت علي مدار 01سنوات، بنشر أعمال »ساراماغو« في مختلف اللغات حتي عرفه العالم. أما اليوم الثالث من الدورة، فقد شهد ثلاث ندوات أقيمت في التوقيت ذاته، الأولي في بيت السناري بعنوان »الكتابة الآن في وسط وشرق أوروبا« حضرها المجري »دينيس كروسوفكي«، البولنديان «ستانسلاوي ستراسبرجو، أندريزج موسزينسكي، وأدارها علي العدوي، بينما أقيمت الندوتان الأخريان في وسط القاهرة، إحداهما بأتيليه القاهرة، وناقشت »الكتابة الشابة في الكويت« بحضور كتاب الكويت إبراهيم الهندال، مبارك كمال، أفراح الهندال، وأدارها الدكتور أحمد بلال. بينما الثالثة، فكانت بمركز دوم الثقافي، وتناولت «كتابة المرأة الشرقية بين مصر وأوروبا»، وشاركت فيها كل من السلوفاكية مونيكا كومبانيكوفا، التشيكية بيترا هيلوفا، الكاتبة المصرية منصورة عز الدين، وأدارها الدكتور خالد البلتاجي، وفيها أكدت عز الدين أنها عندما تقرأ في الأدب بشكل عام لا تفرق بين الكتابات إن كان مؤلفوها رجالا أم نساء، ولكنها تحكم من خلال مستوي الكتابة، وأضافت: ذلك لا يمنع أن هناك كاتبات أعجبت جدا بهم، كالألمانية يوليا فرانك وروايتها نيران المخيم، فقد ارتبطت بها منذ صغري، النمساوية الحائزة علي جائزة نوبل عام 2004، ألفريدا يلنيك، والتي اعتبرها من أهم وأفضل الكتاب في العالم بشكل عام، وخاصة روايتها عازفة البيانو، التركية أصلي أردوغان وأشهر رواياتها »المدينة ذات العباءة القرمزية، والفرنسية آني إرنو، من الكاتبات التي تمس كتاباتها الإنسان في أي مكان في العالم«. وأنهت عز الدين حديثها مشيرة إلي أنها كانت تظن كتاباتها مخيفة، ولكنها خلال السنوات الأربع الماضية اكتشف أن الواقع أكثر رعبا، ومن جانبها، أشارت كومبانيكوفا إلي أن الكاتب الجيد هو من يكتب عملا يمكن للجميع أن يقرأه في أي مكان بالعالم، بغض النظر عن جنسيته أو محل تواجده، لأن المشاكل الإنسانية في النهاية واحدة، بينما تحدثت هيلوفا عن الترجمة قائلة: «لدينا صعوبة في تشيكوسلوفيكيا للحصول علي ترجمات للأدباء العرب مقارنة بالأوربيين والأمريكان، ولكنني أطلعت علي العديد من أعمال نجيب محفوظ، لأنه أديب عالمي ومتوافر له عدد من الترجمات لرواياته، كما أنني أعرف الكثير عن مصر وأنها مجتمع متعدد الثقافات، فقد كانت أختي تعمل في القاهرة وتدرس اللغة التشيكية لطلاب مصريين، وأكدت لي أنه شعب مميز في كل طباعه.أري أننا في حاجة إلي تبني تجربة جديدة، حيث استخدموا الأسطورة للتعبير عن