كارثة جوية تضرب الشرق الأوسط خلال 24 ساعة وتحذيرات من سيول وفيضانات    اليوم، محكمة جنايات الأحداث تواصل جلسات محاكمة قاتل الإسماعيلية الصغير    أخبار فاتتك وأنت نايم| جماهير ليفربول تقف خلف محمد صلاح وتحذيرات من الأرصاد الأبرز    للعلماء وحدهم    أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر في بداية التعاملات بالبورصة العالمية    العطس المتكرر قد يخفي مشاكل صحية.. متى يجب مراجعة الطبيب؟    المصريون بالخارج يواصلون التصويت في ثاني وآخر أيام الاقتراع بالدوائر الملغاة    الخشيني: جماهير ليفربول تقف خلف محمد صلاح وتستنكر قرارات سلوت    برلمانيون ليبيون يستنكرون تصريحات مجلس النواب اليوناني    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 9 ديسمبر    فلوريدا تصنف الإخوان وكير كمنظمتين إرهابيتين أجنبيتين    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    الليلة، الزمالك يستهل مشواره في كأس عاصمة مصر بمواجهة كهرباء الإسماعيلية    عوض تاج الدين: المتحور البريطاني الأطول مدة والأكثر شدة.. ولم ترصد وفيات بسبب الإنفلونزا    محمد أبو داوود: عبد الناصر من سمح بعرض «شيء من الخوف».. والفيلم لم يكن إسقاطا عليه    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025: طقس بارد ليلًا وأمطار متفرقة على معظم الأنحاء    ما هي شروط إنشاء مدارس مهنية ثانوية؟.. القانون يجيب    الرياضة عن واقعة الطفل يوسف: رئيس اتحاد السباحة قدم مستندات التزامه بالأكواد.. والوزير يملك صلاحية الحل والتجميد    أحمديات: مصر جميلة    من تجارة الخردة لتجارة السموم.. حكم مشدد بحق المتهم وإصابة طفل بري    تعرف على عقوبة تزوير بطاقة ذوي الهمم وفقًا للقانون    الكواليس الكاملة.. ماذا قال عبد الله السعيد عن خلافه مع جون إدوارد؟    الصيدلانية المتمردة |مها تحصد جوائز بمنتجات طبية صديقة للبيئة    بفستان مثير.. غادة عبدالرازق تخطف الأنظار.. شاهد    خيوط تحكى تاريخًا |كيف وثّق المصريون ثقافتهم وخصوصية بيئتهم بالحلى والأزياء؟    "محاربة الصحراء" يحقق نجاحًا جماهيريًا وينال استحسان النقاد في عرضه الأول بالشرق الأوسط    التعليم تُطلق أول اختبار تجريبي لطلاب أولى ثانوي في البرمجة والذكاء الاصطناعي عبر منصة QUREO    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    الأهلي والنعيمات.. تكليف الخطيب ونفي قطري يربك المشهد    كرامة المعلم خط أحمر |ممر شرفى لمدرس عين شمس المعتدى عليه    حذف الأصفار.. إندونيسيا تطلق إصلاحا نقديا لتعزيز الكفاءة الاقتصادية    المستشار القانوني للزمالك: سحب الأرض جاء قبل انتهاء موعد المدة الإضافية    مرموش ينشر صورا مع خطيبته جيلان الجباس من أسوان    الصحة: جراحة نادرة بمستشفى دمياط العام تنقذ حياة رضيعة وتعالج نزيفا خطيرا بالمخ    تحذير من كارثة إنسانية فى غزة |إعلام إسرائيلى: خلاف كاتس وزامير يُفكك الجيش    جريمة مروعة بالسودان |مقتل 63 طفلاً على يد «الدعم السريع»    الزراعة: الثروة الحيوانية آمنة.. وأنتجنا 4 ملايين لقاح ضد الحمى القلاعية بالمرحلة الأولى    رئيسة القومي للمرأة تُشارك في فعاليات "المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء"    حظك اليوم وتوقعات الأبراج.. الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 مهنيًا وماليًا وعاطفيًا واجتماعيًا    الأوقاف تنظم أسبوعًا ثقافيًا بمسجد الرضوان بسوهاج | صور    نائب وزير الإسكان يلتقي وفد مؤسسة اليابان للاستثمار الخارجي في البنية التحتية لبحث أوجه التعاون    إحالة أوراق قاتل زوجين بالمنوفية لفضيلة المفتي    وزير الاستثمار يبحث مع اتحاد المستثمرات العرب تعزيز التعاون المشترك لفتح آفاق استثمارية جديدة في إفريقيا والمنطقة العربية    رئيس مصلحة الجمارك: انتهى تماما زمن السلع الرديئة.. ونتأكد من خلو المنتجات الغذائية من المواد المسرطنة    أفضل أطعمة بروتينية لصحة كبار السن    تحرير 97 محضر إشغال و88 إزالة فورية فى حملة مكبرة بالمنوفية    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    جوتيريش يدعو إلى ضبط النفس والعودة للحوار بعد تجدد الاشتباكات بين كمبوديا وتايلاند    وزير الاستثمار يبحث مع مجموعة "أبو غالي موتورز" خطط توطين صناعة الدراجات النارية في مصر    محافظ سوهاج بعد واقعة طلب التصالح المتوقف منذ 4 سنوات: لن نسمح بتعطيل مصالح المواطنين    المنتخب السعودي يفقد لاعبه في كأس العرب للإصابة    علي الحبسي: محمد صلاح رفع اسم العرب عالميا.. والحضري أفضل حراس مصر    مجلس الكنائس العالمي يصدر "إعلان جاكرتا 2025" تأكيدًا لالتزامه بالعدالة الجندرية    أفضل أطعمة تحسن الحالة النفسية في الأيام الباردة    كيف تحمي الباقيات الصالحات القلب من وساوس الشيطان؟.. دينا أبو الخير تجيب    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسلمات أوروبا بين البوركينى والنقاب
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 08 - 2016

فى مؤتمر صحفى مشترك شهدته باريس، قبل أيام قليلة، دافع صادق خان، عمدة مدينة لندن، عن حق المرأة المسلمة فى ارتداء اللباس الذى تريد. فيما دافع آن هيدالجو عمدة باريس، عاصمة فرنسا ومهد الأنوار الأوروبية، عن قرار محكمة نيس الصادر فى 22 أغسطس بحظر ارتداء زى البحر المسمى ب (البوركيني) على شواطئ فرنسا. القرار كان قد صدر بالأساس لصالح بلدية مدينة ميلنوف لوبيه، الواقعة على شاطئ المتوسط، وهو ما كان ينطبق على نحو ثلاثين بلدية فرنسية أخرى قررت حظر ذلك اللباس على شواطئها بعد أن تم بالفعل معاقبة امرأة مسلمة كانت ترتديه، وذلك قبل أن يقوم مجلس شورى الدولة الفرنسي، أعلى سلطة قضائية فى البلاد، يوم السبت الماضى بإلغاء قرار محكمة نيس، باعتباره تضييقا على الحرية الشخصية للمرأة المسلمة، طالما أن البوركينى لا يمثل خطرا على أمن البلاد، ولا يشكل تهديدا حقيقيا لتقاليد الجمهورية الفرنسية العلمانية.
المعروف أن صادق خان عمدة لندن مسلم الديانة، باكستانى الأصل، ولكن موقفه لا يعكس اصطفافا آليا مع بنى عقيدته، بل تعبيرا عن قيم الملكية البريطانية العريقة، وعن التجربة الديمقراطية الانجليزية المديدة التى تجاوز عمرها ثمانية قرون منذ تم تدشين (الماجنا كارتا) أو العهد العظيم مطلع القرن الثالث عشر. ومن ثم عن نوع من العلمانية المعتدلة (الخافتة) التى جعلت من الملكة رأسا للدولة وللكنيسة الإنجليكانية فى الوقت نفسه، فيما تمثل الكنيسة بذاتها موقفا معتدلا أو توفيقيا بين الكنيسة الكاثوليكية التقليدية، ذات الادعاءات الأممية (المسكونية) والكنائس البروتستانتية التى تفتقر تماما لمثل تلك الادعاءات الكونية، بل وتتكيف مع أى جماعة دينية ولو صغيرة أو محلية، فالانجليكانية، وهى خلاصة إصلاح دينى كاثوليكى قام به مجمع لاترانت فى القرن السادس عشر، بمثابة كاثوليكية وطنية معتدلة. والمعروف كذلك أن هيدالجو كاثوليكي، ولكن موقفه الرافض للبوركينى لم يكن مجرد انعكاس تلقائى لهوية دينية مسيحية، بل لعلمانية فرنسية جذرية فى تعاطيها مع الدين منذ الثورة الفرنسية التى تبنت صيغة حادة (يعقوبية) من التنوير. أما موقف مجلس الدولة الفرنسي، فجاء بمثابة تصحيح قضائى لانحراف قانونى عن المبادئ العلمانية الجوهرية، وقعت فيه محكمة نيس عندما اعتبرت لباس بحر مميز تعبيرا سياسيا عن هوية دينية، تناقض الهوية الفرنسية. وهذا هو خطأ متكرر طالما وقع فيه الغربيون وليس الفرنسيون فقط، باسم العلمانية، وهو جوهريا موقف غير علماني، أقرب إلى أصولية علمانية، تسعى إلى تحويل العلمانية من موقف محايد بين الأديان، يعتبر الدين أمرا شخصيا، إلى دين بديل عن الأديان التاريخية، يفرض نفسه ليس فقط على المجال العام السياسى ولكن على المجال الخاص الفردي.
فى أزمة البوركينى إذن لعب كل طرف دوره المتوقع منه، فالعلمانية المعتدلة قبلت منذ البداية بالحرية الشخصية فى اللباس مادام لا يهدد الأمن فعليا ولا ينال من الهوية العلمانية جوهريا. والعلمانية المتطرفة حاولت أن تصادر هذا الحق فعليا تحت دعاوى زائفة لا تعكس سوى استعلاء ثقافي. فيما قام مجلس الدولة، باعتباره ضمير الجمهورية الفرنسية، بتصحيح الموقف، وإعادة تعريف العلمانية على نحو أكثر عمقا، يتجاوز تأويلاتها المنحرفة. والمؤكد إن حبرا كثيرا سوف يسيل على صفحات الجرائد العربية يبارك موقف مجلس الدولة الفرنسي، وربما خرجت بيانات من مؤسسات دينية أو علماء دين مسلمين تشيد بقيم الجمهورية الفرنسية التى تؤمن بالتعددية الثقافية، وهى إشادة فى محلها تماما، ولكن يبقى السؤال الذى يتوجب أن نطرحة على أنفسنا وأن نجيب عليه بصراحة: ماذا لو أصدر مجلس الدولة الفرنسى نفسه قرارا بتجريم النقاب، ذلك الزى الذى يغطى وجه المرأة تماما، فيخفى هويتها وشخصيتها؟. هل نبارك القرار، كما باركنا سلفه باعتباره تعبيرا عن علمانية معتدلة، ترفض التطرف الدينى هذه المرة كما رفضت التطرف العلمانى فى المرة السابقة، أم سنصطف آليا ضده، باعتباره عدوانا فرنسيا على المسلمين هناك ومؤامرة غربية كبرى على الدين الإسلامى فى كل مكان؟. إن قدرا ولو قليلا من الإتساق الأخلاقي، يدفعنا لقبول القرار الثانى إذا ما صدر، كما يدفع مؤسساتنا الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف، أن تكون فى جرأة مجلس الدولة الفرنسى بالإعلان الصريح عن أن النقاب ليس زيا شرعيا تفرضه الشريعة الإسلامية، وأن من واجب المسلمين احترام القوانين الأساسية فى البلدان التى يعيشون فيها، وعدم التصرف أو السلوك ضد اعتبارات الأمن فيها. ولنا أن نتصور تأثير موقف كهذا على صورة الإسلام فى أوروبا كلها، التى تشهد مرارا معارك لا تتوقف وسجالات لا تنتهى حول النقاب كزى يطمس شخصية المرأة، يمكن التستر خلفه لارتكاب أعمال إجرامية، فضلا عن كونه زيا محفزا للحنق ومثيرا للكراهية يقوم على إخفاء الذات والتطفل على العالم.
مبادرة كهذه لا تنبع فقط من رغبة أخلاقية فى مكافأة الموقف الفرنسى العادل من البوركيني، رغم أهمية ذلك، ولكن من ضرورة عملية لتحصين القرار القانونى مجتمعيا. فالمعروف أن الثقافات لا تدار بقوانين، وإن صدور قرار قضائى بمشروعية أمر ما لا يعنى توافر القبول الواسع له، ولأن المسلمين فى فرنسا وأوروبا كلها يحتاجون إلى عيش هادئ مطمئن، فإنهم يحتاجون إلى قبول مجتمعى واسع لقيمهم وحضورهم الإنساني، وضمنه زى البحر (البوركيني) أو زى الاحتشام (الجاب) وهو أمر لن يحدث إلا بالتخلى عن النقاب، لأنه زى مثير للقلق، تعبير زاعق عن التناقض وليس فقط الاختلاف، يؤجج رغبة الأوروبيين فى رفض ما سواه، ومن ثم فإن تخلى المسلمات عنه، ورفض المؤسسات الدينية الإسلامية له، سوف يرتق ثقوبا كثيرة فى جدران الثقة بين الطرفين، ويسهم فى تخلى كليهما تدريجيا عن تطرفاته، لنتحرك ولو خطوة صغيرة نحو مجتمع ما بعد علماني، وما بعد أصولى.
[email protected]
لمزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.