بمنعها «البوركيني»، تمارس الحكومة الفرنسية تمييزا بحق المرأة المسلمة، يعكس درجة عالية من التطرف العلماني، وتنكرا لحقوق الإنسان وحقه في ارتداء ما يشاء من ملابس وفقا لعاداته وتقاليده ومعتقداته، وإهدارا كذلك لقيم الديمقراطية. وبادرت مدينة "كان" الفرنسية بحظر ارتداء "البوركيني" (لباس البحر الذي يغطي جسد المرأة بالكامل) في الشواطئ العامة، وتبتعها أكثر من بلدة فرنسية مثل فيلينوف لوبيه، وسيسكو. وصدر حكم قضائي يؤيد ذلك القرار في 13 أغسطس الماضي، وبدأ تنفيذه على أرض الواقع وتغريم عدد من السيدات 38 يورو؛ بسبب ارتدائهن البوركيني على الشواطئ الفرنسية. القرار أثار جدلا عالميا وغضبا في صفوف نساء مسلمات، عبرن لوسائل الإعلام عن رفضهن التعدي على حريتهن الشخصية والمساس بمعتقداتهن الدينية. وبرر عمدة "كان" ديفيد ليسنارد قراره بأن "البوركيني يشبه الزي الموحد، وهو رمز للتطرف الإسلامي" بحسب مزاعمه. وماذا عن ملابس الراهبات؟ ونشر إمام مسجد فلورنسا عز الدين الزير، الجمعة 19 أغسطس، صورة لمجموعة من الراهبات على شاطئ البحر بلباسهن الديني وهن مغطيات الرأس، ردا على الحملة ضد انتشار لباس البحر الإسلامي "بوركيني". وأثارت الصورة جدلا واسعا على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، خاصة أن إمام فلورنسا لم يترك أي تعليق على صورة 8 راهبات وهن يجلسن على أحد الشواطئ، في أوج الجدل القائم في فرنسا حول السماح أو عدم السماح بارتداء ال"بوركيني". وتمت مشاركة الصورة أكثر من 2000 مرة قبل أن يحجب "فيسبوك" صفحة الإمام، إثر سلسلة من الاعتراضات من قبل المشتركين في الموقع. واستعاد الإمام "الزير" صفحته بعد ساعات قليلة، وأوضح أنه أراد من نشر هذه الصورة بلا تعليق "الرد على الذين يقولون إن قيمنا الغربية تختلف في طريقة اللباس وتغطية الجسد". وقال الزير،، في حديث مع شبكة التلفزيون الإيطالية "سكاي تي جي 24": "أردت أن أقول إن بعض القيم الغربية تأتي من المسيحية، وإن الجذور المسيحية تعود أيضا إلى أشخاص كانوا يغطون أجسادهم بشكل كامل تقريبا". وتابع الزير- الذي يترأس اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا- أنه أراد أيضا من نشر هذه الصورة الدفع باتجاه "جدل إيجابي"، موضحا أنه تلقى الكثير من التعليقات المرحبة من قبل "الكثير من المسيحيين". أصل البوركيني وظهرت ملابس البوركيني العقد الماضي في ألمانيا، ولم تحدث مثل هذه الضجة التي أثارتها القرارات الفرنسية؛ لأن الألمان قبلوا مثل هذه النوعية من الملابس، باعتبارها حقا أصيلا لأصحابها وحرية شخصية لا يمكن المساس بها. وقبل ظهور البوركيني فى ألمانيا، كانت ترفض النساء المسلمات الألمانيات بأعداد كبيرة حضور دروس السباحة، حيث إن الأمهات لا يردن أن ينظر الغرباء لبناتهن، ولحل هذه المشكلة قامت الأسترالية أهيدا زانيتي بتصميم هذا الزي البحري للمرأة، وأن الكاتبة المتخصصة بشؤون الأكل والتغذية والمذيعة البريطانية نايجيلا لاوسون ارتدت "البوركيني" على أحد الشواطئ الأسترالية عام 2011 بمحض إرادتها. تعود كلمة «البوركيني» إلى مقطعين هما "البرقع" ويقصد به النقاب، و"بكيني" وهو لباس البحر المشهور. رفضت فرنسا هذا النوع من الملابس بعد وقت قصير من الهجوم الإرهابي في نيس يوم 14 يوليو من العام الجاري، عندما قامت شاحنة ضخمة بدهس العديد من الناس، ما أدى إلى مقتل 85 شخصا وجرح 307 آخرين. كما منع شاطئ الريفيرا الفرنسي ارتداء البوركيني لأسباب صحية وغير مرغوب فيها، ومنعت بلدة سيسكو الكورسيكية أيضا ملابس السباحة التي تغطي الجسم، حيث وقعت مشاجرة جماعية بعد أن بدأ بعض المراهقين المحليين بالتقاط صور لنساء مسلمات يرتدين البوركيني، الأمر الذي جعل زوج إحداهن غاضبا، وشارك في الشجار عشرات من الناس، وكثير منهم استخدم الأسلحة البيضاء، ما أسفر عن إصابة 4 بجروح، وإشعال النار في ثلاث سيارات. ولذلك لفتت إحدى الجمعيات الخاصة ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا انتباه جمعية حقوق الإنسان إلى أن حظر ارتداء البوركيني ينتهك حقوق المرأة، موضحة أن ثلث الذين قتلوا في هجوم نيس كانوا من المسلمين، وقد تم بالفعل حظر البوركيني في عدد من المدن مثل سويسرا والنمسا. أسرار التطرف الفرنسي واتهمت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكيةفرنسا بالتعصب؛ بسبب موقفها من ارتداء النساء لباس البحر الإسلامي أو "البوركيني" على الشواطئ، وقالت إن المسؤولين الفرنسيين يثيرون هذه الضجة للتغطية على مشاكلهم الأخرى. وقالت الصحيفة بافتتاحيتها، إن فرنسا تمنع ارتداء لباس البحر الإسلامي للنساء على الشواطئ بعد أن كانت قد حظرت لبس النقاب والحجاب بالمدارس، وبعد أن وضعت شروطا تتعلق بطول التنورة بالنسبة للطالبات. وأضافت أن جدلا يدور بالأوساط الفرنسية في أعقاب منع عدد من رؤساء البلديات الفرنسية ارتداء "البوركيني"، ابتداء من الخميس الماضي، بدعوى أن هذا اللباس يشكل خطرا على النظام العام وعلى المجال الصحي للمياه وعلى الآداب العامة. وأشارت إلى أن بعض المسؤولين هناك وصفوا هذا اللباس بأنه يشكل سلاحا جديدا في الحرب ضد الجمهورية الفرنسية، وأن مسؤولا بمدينة كان (تيري مايغول) كان أول من حظر ارتداء اللباس، وأنه وصفه بأنه يدل على الولاء للحركات الإرهابية التي تشن حربا ضد فرنسا. تهميش وأضافت الصحيفة الأميركية أن هذه "الهستيريا" السائدة في فرنسا بهذا الشأن تهدد بمزيد من وصم وتهميش مسلمي فرنسا، في وقت تسود فيه مشاعر الخوف بالبلاد في أعقاب تعرضها لسلسلة من الهجمات الإرهابية المروعة. وأشارت إلى أن مسؤولين فرنسيين سرعان ما أبدوا دعمهم لقرارات رؤساء البلديات الذين حظروا ارتداء "البوركيني" وذلك في ظل تزايد شعبية الجبهة الوطنية اليمينية بالبلاد التي تنتظر انتخابات رئاسية مقررة الربيع القادم. ونسبت إلى رئيس الوزراء مانويل فالس وصفه، الأربعاء الماضي، "البوركيني" بأنه لا يتوافق مع القيم الفرنسية، وأنه يشكل استعبادا للمرأة، وقوله: إن على الأمة الدفاع عن نفسها في هذا المجال. وقالت نيويورك تايمز، إن العالم شاهد المسلمين يتنافسون بفخر في الألعاب الأولمبية بالعاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو، وهم يرتدون ملابس تغطي الجسم كاملا بما فيه الرأس. وأضافت أن الفرنسيين أنفسهم كثيرا ما يُلبسون صغارهم ملابس مشابهة لتحميهم من أشعة الشمس على الشواطئ. وقالت أيضا، إن المسؤولين الفرنسيين يثيرون هذه الضجة بشأن "البوركيني" للتغطية على مشاكلهم الأخرى، مثل ارتفاع البطالة والتباطؤ الاقتصادي والتهديد الإرهابي.