انتقدت صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية, الجدل المحتدم في أوروبا حول ارتداء البوركيني "لباس البحر للمرأة المسلمة", وقالت إنه دليل على مرض مجتمعي, ويعكس عدم التسامح مع الآخر. وأضافت الصحيفة في مقال لها في 28 أغسطس, أن أوروبا, التي تواجه ركودا اقتصاديا وشعوبا محبطة لا تثق في نخبها السياسية, عليها أن تقرر إذا كان بمقدورها التصالح مع نفسها بالتسامح مع سلوك المسلمين الذين أصبحوا جزءا أصيلا من نسيجها أم لا؟. وتابعت " الديمقراطيات الغربية دخلت أزمة ثقة بنفسها, ولذا أصبحت مولعة بالتركيز على عدو داخلي, وهو تطور خطير , خاصة أن أغلب المسلمين في أوروبا يعرف عنهم المرونة والتسامح وقبول الأعراف السائدة في الدول الأوروبية". وخلصت الصحيفة إلى التحذير من عواقب الاستمرار في استعداء الجاليات المسلمة في أوروبا, لأن هذا قد يساعد على انتشار التطرف. وكانت صحيفة "التليجراف" البريطانية, انتقدت أيضا حظر عدد من رؤساء البلديات في فرنسا ارتداء البوركيني "لباس البحر للمرأة المسلمة", وقالت إن هذا القرار يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان. وأضافت الصحيفة في مقال لها, أن "البوركيني" موضة جديدة نسبيا، ولا يتعارض مع القانون الفرنسي الحالي, الذي يمنع تغطية كامل الوجه، وهو أقرب إلى بدلة الغوص بغطاء رأس مثبت بها. وتابعت " بدلة الغوص لا تشكل إخلالا بالنظام العام, لكن البوركيني في فرنسا يشكل تهديدا خطيرا للحضارة, ويعتبر رمزا للتطرف". واستطردت " ليس هناك أي دليل على أن النساء اللائي يرتدين هذا اللباس, لهن صلة بالإرهاب، وليس هناك سبب مقنع يفيد بأن حظره سيساعد في إحباط الإسلاميين المتطرفين في فرنسا، والأرجح أنه سينفر ويزعج المسلمين المعتدلين". وحذرت الصحيفة من أن حظر "البوركيني" في فرنسا سيؤدي فقط إلى إثارة غضب الجالية المسلمة, وانضمام عدد متزايد من الشباب إلى الجماعات المتطرفة. وكان عمدة مدينة "كان" الفرنسية ديفد ليسنار أصدر مؤخرا مرسوما حول ما يجب على الناس ارتدائه على الشاطئ، مستهدفا "البوركيني" (burkini، وهي كلمة مشتقة من البرقع أو النقاب والبكيني، ويسمى أحيانا بلباس السباحة الشرعي), وهو ما بات يطلق على لباس السباحة الذي ترتديه النساء المسلمات ويغطي الجسد من الرأس إلى القدم. وزعم عمدة "كان" أن هذا الزي "يعرض بشكل متفاخر الانتماء الديني، ويمكن أن يخل بالنظام العام، وربما حتى إظهار الولاء للحركات الإرهابية", وسرعان ما أقدم رؤساء مدن فرنسية أخرى على قرارات حظر مماثلة, كما اعتبر رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس أن الشواطئ -على غرار كل المساحات العامة- يجب أن تكون خالية من المظاهر الدينية. وشدد فالس في مقابلة مع صحيفة "لا بروفانس" في 18 أغسطس على أن لباس البحر الإسلامي -المعروف ب"البوركيني"- هو "ترجمة لمشروع سياسي ضد المجتمع مبني خصوصا على استعباد المرأة", حسب تعبيره. وأكد رئيس الوزراء الفرنسي دعمه لرؤساء بلديات قرروا حظر "البوركيني" الذي يغطي معظم جسد المرأة, وقال :"إنه يتفهم قرار رؤساء البلديات الذين يبحثون في هذه المرحلة المتوترة عن حلول لتجنب اضطرابات في النظام العام". وتابع " وراء البوركيني فكرة تقول إن النساء فاسقات وإنه يجب أن يكنّ مغطيات بالكامل؛ وهذا لا يتوافق مع قيم فرنسا والجمهورية". وأكد فالس ضرورة "أن تدافع الجمهورية عن نفسها في مواجهة الاستفزازات"، كما دعا السلطات للتنفيذ الصارم لقانون حظر النقاب في الأماكن العامة. وفي 24 أغسطس, تم تداول صور عبر مواقع التواصل الاجتماعي تظهر شرطة مدينة "نيس" الفرنسية, وهي تجبر امرأة مسلمة على خلع "البوركيني" على شاطئ المدينة جنوبي فرنسا. وبعد نشر هذه الصور, انتقدت الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة وكندا في 25 أغسطس، حظر بلديات فرنسية ارتداء "البوركيني"، وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن الصور المتداولة لإجبار الشرطة الفرنسية سيدة على خلع "البوركيني" تدل على عدم احترام كرامة المرأة، وتتنافى مع حقوق الإنسان. وأضاف المتحدث الأممي أن المسئولين في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة، يشعرون بالقلق من الإملاءات المتعلقة بالملابس. وحسب "الجزيرة", انتقد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أيضا قرار البلديات الفرنسية حظر البوركيني، داعيا إلى احترام حقوق الناس وخياراتهم. وفي السياق ذاته، قالت الولاياتالمتحدة إنها لا تؤيد حظر "البوركيني" في الشواطئ الفرنسية، غير أنها حذرت الأمريكيين المسلمين المسافرين إلى فرنسا من أن عليهم الامتثال لقوانينها. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية إليزابيث ترودو إن بلادها تؤمن بقدرة الناس على التعبير عن معتقداتهم الدينية بالطريقة التي يرونها مناسبة، وهو أمر ينسحب على حالة "البوركيني". وفي 26 أغسطس, علق مجلس الدولة الفرنسي قرار حظر "البوركيني", بعد أن أثار خلافات داخلية وقوبل باستنكار في الخارج. وأصدر المجلس قراره عقب طلب من رابطة حقوق الإنسان الفرنسية بإبطال حظر البوركيني في بلدة "فيلانوف لوبيه" المطلة على البحر المتوسط. ورحب المجلس الأعلى للديانة الإسلامية في فرنسا بقرار مجلس الدولة الذي جاء بعد انتشار صور على مواقع التواصل الاجتماعي لرجل شرطة مسلح يأمر امرأة مسلمة على شاطئ بمدينة نيس بأن تتعرى جزئيا، مما أغضب العديد من مسلمي فرنسا، وتسبب في حالة قلق عالمية. وحسب "الجزيرة", سيتعين على ثلاثين بلدية فرنسية حظرت السباحة بالبوركيني أن تتخلى عن تطبيق قراراتها امتثالا لحكم مجلس الدولة الذي يعدّ أعلى سلطة إدارية قضائية في البلاد.