اعتقد انك سوف تتعجب من قصتي، وتشن هجوما عنيفا على شخصى الضعيف لما فعلته بنفسى وحياتي، فلقد تصورت اننى سلكت الطريق الصحيح، فإذا بى أجدنى قد وصلت إلى طريق مسدود، فأنا سيدة فى سن الأربعين تزوجت من زميل لي، يكبرنى بعدة سنوات، وتجمعنا مهنة واحدة، وله عمله الخاص واختارنى من بين كثيرات، وكان وقتها شابا وسيما وثريا وناجحا ومتفوقا، وتتهافت عليه النساء، وعرف الشجار طريقه إلينا بسبب غيرتى الشديدة عليه، إذ كنت ألاحقه فى مقر عمله لكى أضبطه متلبسا بالجلوس مع إمرأة أخرى، ومرت السنوات تباعا، وأصبت بالإرهاق الشديد، وتسلل اليأس إليّ بعد أن فشلت فى إصلاح أحواله. فهو من النوع الذى يمكن لأى إمرأة أن تنجح فى اغوائه أيا كان عمرها وشكلها ومستواها، وتحملت كثيرا نزواته، ووضعت همى فى تربية أولادي، وبمرور العمر أصيب زوجى ببعض الأمراض الصحية التى أثرت بالطبع على علاقتنا الزوجية، ولم أبال بالأمر فى البداية، ولم ألتفت إلى هذه الناحية، واعتقدت أن رغباته المنفلتة هدأت بفعل المرض، وأنه سينصرف إلى عمله الخاص الذى يربح منه الكثير، وأن أمواله سوف تعوضنى وتجلب لى السعادة التى طالما افتقدتها، وأنا ألهث وراءه أملا فى إبعاده عن الأخريات اللاتى يترددن عليه بحكم عمله، وشعرت ببعض الراحة الوهمية ثم سرعان ما أصابنى الرعب الذى لازمنى ليلا ونهارا، بعد أن علمت بعلاقاته الجديدة مع الفتيات والسيدات والزبونات الدائمات، وزاد خوفى من أن تدفعه احداهن إلى تطليقى والزواج سرا أو علانية بها، ولو حدث ذلك فسوف أحترق بنار الغيرة، وتشمت بى الحاقدات، وبذلت قصارى جهدى وحاولت بكل الطرق أن أحتويه حتى لا يلتفت إلى أخري، وكان بارعا فى المراوغة والكذب والخداع، وكنت أشعر بالطعنات فى قلبي، كلما جاءتنى أخبار نزواته، وعلاقاته مع كل من هب ودب من النساء المترددات عليه. وخطرت لى فكرة قد تبدو غريبة ولكنى صممت على تنفيذها، إذ اتخذت قرارا اعتقدت أنه الصواب ولا بديل عنه برغم مرارته، حيث اتفقت مع فتاة سيئة السمعة وعديمة الجمال على أن تعمل لدى زوجى، وأن تلبى له كل ما يريده، وتبعد عنه كل فتاة أو سيدة تتردد عليه بصورة تبعث على الشك والريبة، وأن تأتى لى بكل أخباره، وجاء اختيارى لهذه الفتاة بالتحديد من منطلق أنها لا تلفت النظر، ولن يشك أحد فى علاقتها بزوجى، وسوف يأمن هو أننى لن أعترض على وجودها معه، وطلبت منها أن تذهب إليه، وأن تقنعه بالعمل معه، فقبلت عرضى بكل ترحاب، ونفذت ما طلبته منها بحذافيره، وكانت شديدة البراعة فى تنفيذه، واستطاعت اقناعه بأنها ستجعل مقر عمله مكانا للراحة والمتعة، ولكى لا يشك فى أمرها إذا رآها عندنا فى البيت أو ضبطها وهى تتصل بى، طلبت منها أن تشير على زوجى بأن تأخذ موافقتى على عملها معه، وأنها متأكدة من اننى لن أمانع فى ذلك، فالحقيقة أننى لم أشك فيها لقبحها الشديد، ومظهرها الذى لن يجذب زوجى، ونجحت الخطة، وعملت هذه الفتاة معه، وحرصت على نقل أخباره لى لحظة بلحظة، فأخبرتنى بكل من يزرنه وأوصافهن، حتى من يأتين للعمل معه ويطردهن.. أى أنها لم تترك واحدة إلا وقالت لى ما دار بينها وبين زوجى ولو مجرد كلمة واحدة، وألمحت أنه يغازل نساء كثيرات، وأنها تعطيه ما يريده لتشغله عن الارتباط بأى منهن، وأنه وجد العوض لديها، ولا أدرى كيف كان قلبى ميتا وعقلى زائغا، وأنا أمتدحها وأدافع عنها، وأشجعها على المزيد من فرض الحصار حوله، وعندما جاءنى بعض من يعملون مع زوجى لتنبيهى إلى ما تصنعه هذه الفتاة معه، نهرتهم وقلت انها بنت «كويسة»، ولا أصدق أن تكون كما يدعون عنها! وقد تندهش يا سيدى عندما أقول لك أن حالة زوجى الصحية تحسنت كثيرا، وصارت علاقتنا الزوجية فى صورة أفضل بعد هذه التطورات التى أقدمت عليها مستعينة بهذه الفتاة الدميمة!، وذات يوم أبلغتنى بأنها مخطوبة، وسوف تأخذ اجازة للزواج، وعرضت عليّ فتاة لا تختلف عنها من حيث الشكل وستقوم بنفس المهام التى كلفتها بها، فوافقت عليها، واستمرت الأوضاع كما هى، وتحققت خطتى «الجهنمية» فى منع زوجى من الزواج بأخرى أو تطليقى بعد أن توقفت شجاراتى معه تماما، ولم أعد أخشى عليه من هاتين الفتاتين، وكنت أقول فى نفسى أنه حتى لو أنهكته علاقته بهما، فلن أخسر شيئا، إذ اننى بعد موته سوف أرث أمواله أنا وأبنائى، وأتزوج بآخر يقدر قيمتى كأنثى! اننى أقص عليك ما فكرت فيه، وما نفذته، ولست مختلة عقليا، ولا أتعاطى عقاقير الهلوسة، ولم أقم بما فعلته طواعية بل اضطررت إليه لكى لا يطلقنى زوجى الذى طعننى فى كرامتى وجرح كبريائى بعلاقاته المشبوهة التى لا حصر لها، ولقد مرت عليّ أوقات كنت أحترق فيها، وتشتعل النار فى قلبي، وكدت أنزلق أنا الأخرى فى بحر الخيانة، نعم خطر لى ذلك من منطلق أن لى حقوقا مثل زوجي، وأنه يستحق أن أخونه، كما يخوننى لكن الله سلم، وأفقت قبل أن أنزلق إلى الهاوية، وكثيرا ما سألت نفسي: هل أنا سعيدة حقا؟ ففى الحقيقة كنت أشعر اننى فى غيبوبة أو غائبة عن الوعي، وكان أبنائى يشعرون بما يفعله أبوهم, لكننى تجاهلت هذا الأمر تماما، ولم أجرؤ على مصارحتهم بما فعلته، وعندما لاحظوا تردد الفتاتين اللتين دفعت بهما إلى زوجى على منزلنا، امتدحت أخلاقهما، وقلت لهم: انهما بنتان شريفتان ومحترمتان، والحق أن ما زاد ارتباطى بالفتاة الأولى أنها أحضرت حجابا لزوجى وقالت انها حصلت عليه من شخص أكد لها أنه سيزيد ارتباط زوجى بى، وسيعيده إليّ!. ومضت فترة على هذا النحو أحسست خلالها أن كل شىء على ما يرام، ثم شيئا فشيئا بدأ زوجى يمضى الوقت كله فى عمله، ولا يأتى إلا ساعات فقط لكى ينام، ثم يصحو فى اليوم التالى ليكرر نفس ما فعله فى اليوم السابق، وليس لى أنا وأبناؤه نصيب يذكر من الوقت. وزاد من قلقى أن الفتاة الأولى عادت إلى العمل، وأصبحت أكثر التصاقا بزوجى، وانضمت من جديد إلى زميلتها وأحسست أنه صار أكثر تعلقا بهما، ولم تعد أى منهما تخبرنى، بتحركاته، ونزواته، بل تغيرت الفتاة التى اخترتها لهذا الدور تماما، وصارت ترمقنى بنظرات الاستهتار تارة، والتهديد تارة أخري، وتسلل إليّ شعور بأنها انفصلت عن زوجها، وتخفى أمرها عنى، وتطاردنى الوساوس أنها تسعى للارتباط بزوجى، فهى قادرة على أن تسيطر عليه، وتتزوجه فى السر، خصوصا وأنها تعلم نقطة ضعفى، ووجدتنى عاجزة عن أن أفعل معها أى شيء، وتمالكت نفسى كثيرا، وتراجعت عن مواجهتها بشكوكى لأننى إذا فعلت ذلك فسوف تخبره بكل شىء، وعندها سوف يحدث ما لا تحمد عقباه. اننى فى حياتى العادية أبعد ما أكون عن التهور، أو ارتكاب أى فعل أحمق، لكنى ارتكبت هذا الخطأ الفادح وأنا أبحث عن حل مجنون للحفاظ على زوجي، والآن أشعر بالملل، وأفكر فى التوقف عن ملاحقته، لكنى كلما عزمت على ذلك تعاودنى حالة الاضطراب من جديد، فهل ترى حلا يخلصنى من المصيبة التى أوقعت نفسى فيها؟ ولكاتبة هذه الرسالة أقول : لم تكن علاقتك بزوجك منذ البداية قائمة على أساس متين، وإنما كانت مجرد واجهة اجتماعية بين اثنين يشغلان مهنة واحدة، بدليل أنك اكتشفت عقب ارتباطه بك علاقاته المتعددة مع المترددات عليه بحكم عمله، وكان سبيله إلى الإيقاع بهن وسامته وجاذبيته التى جعلته محط إعجاب الكثيرات فوقعن فى غرامه، وخطرت لك فكرة تصويب فتاة دميمة على حد تعبيرك إليه لكى تنصب شباكها حوله، وهو تصرف لا تقدم عليه أى زوجة تسعى إلى احتواء زوجها، فكل امرأة فيها لمحة جمال، ولا يرتبط انجذاب الرجل إلى هذه أو تلك وفقا لجمالها الشكلى، ولعلك تدركين المثل الشهير: «كل فولة ولها كيال»، حيث تتحكم الغريزة فى الرجل، فينجذب إلى المرأة جسديا ثم فكريا ثم عاطفيا وروحيا، أما المرأة فتنجذب فكريا ثم عاطفيا ثم جسديا وروحيا، ولذلك وجد ضالته فى الفتاة التى دفعتها إليه، فلقد عوضته من الناحية الجسدية، وربما ارتاح إلى كلامها وأسلوبها، وقد أتت بصديقة لها لتكتمل الدائرة حوله فلا ينظر إلى سواهما وأصبحت كالدبة التى قتلت صاحبها، إذ أحكمت الاثنتان قبضتيهما عليه، ولذلك أحسست بالخطر بعد أن ارتدت الرصاصة التى صوبتها إليه، وتكاد تصيبك الآن، حيث تساورك الشكوك بأن الفتاتين سوف تكشفان سرك لزوجك، وأحسب أنهما فعلتا ذلك منذ البداية، لكنك تتجاهلين ذلك، وتحاولين إقناع نفسك بأنهما تحافظان على هذا السر!! لقد أخطأت منذ البداية بملاحقتك زوجك بالتذمر والشكوى، فالتذمر الدائم والصوت العالى والأوامر التى لا تنتهى، عوامل أساسية فى شعور الزوج بالسأم من الحياة الزوجية، والبحث عن البديل لدى امرأة أخري، فهناك جوانب عديدة تتعلق ببعد الرجل عن زوجته، منها سعيه إلى إثبات أنه مازال مرغوبا وقادرا من الناحية الجسدية، وأن حالته المرضية مسألة نفسية معك لكنه مع أخرى يكون طبيعيا، كما أنه يسعى إلى علاقة فيها مساحة من الحرية، وليست فيها قيود ولا مسئولية، وبصراحة فإنه أوقع نفسه فى طريق الخطأ ببحثه عن متعة عابرة مع هذه أو تلك، بعد أن أصابه الملل من الحياة الزوجية التى تتشابه فيها الأيام، وبدلا من أن يبحث عن حل لكسر هذا الملل، لجأ إلى أخريات بحثا عن التجديد، وهو فى الحقيقة تجديد مزيف، فمن الضرورى أن يعلم الزوجان أن خيانة شريك الحياة ليست حلا لمشكلاتهما العاطفية والزوجية، بل الحل يكمن فى ضخ الدماء فى شرايين علاقتهما، فيسرى فيها الحب من جديد، والسبيل إلى ذلك هو الحوار المستمر والتعاهد على عدم الخيانة مستقبلا. وتعود أسباب الخيانة عند بعض الرجال إلى التربية والجهل بمقومات الحياة الزوجية الناجحة، ومن هذه الأسباب التسلط الذى يرى فيه الرجل أساسا لرجولته، فيمارسه قولا وفعلا مع زوجته، الأمر الذى يرتد على العلاقة الجسدية فتورا أو رفضا إذ يرتبط الجنس عند المرأة بالوجدان، ومنها كذلك تحول هذه العلاقة من الرغبة المشتركة إلى واجب فقط، وخلو الحياة الزوجية من الحوار فى مختلف المشكلات التى تعترض الزوجين وعدم تفهم الرجل أسباب أى تقصير من جانب زوجته فيذهب للتعويض مع امرأة أخرى, كما أن عدم ثقته بنفسه تؤدى به إلى الخيانة. وأراك ياسيدتى قد وصلت إلى مرحلة خطيرة غلب فيها المال على الزوج، فلا يعنيك أن تستعيدى زوجك إلى الأسرة بقدر ما يهمك جنى المال بعد رحيله، فأنت لا تحبينه، بل وتفكرين فى خيانته كما خانك، وهذا التفكير المدمر، سيؤدى بك إلى المهالك، وليعلم كل منكما أن الالتزام العاطفى له أثر كبير فى الحفاظ على الحياة الزوجية الناجحة والمستقرة، فالحب يفنى بعد الزواج إذا لم يعرف الاثنان كيف يحافظان عليه، وبالتالى تتحول حياتهما إلى روتين، ولا أقصد بذلك حبا ملتهبا وغراما متقدا، بل أتحدث عن المودة، وهى الحب المتعقل والإعجاب المترافق مع الاقتناع، وعندما تكشف المرأة خيانة زوجها يجب ألا تتخذ قرارا انفعاليا متسرعا، لأنها ستفكر فقط فى الثأر، وقد يحطم ذلك كل حياتها، وعليها أن تدرك حينئذ أن هناك خطأ ما فى علاقتهما يجب تصحيحه. لكل ذلك أرى أن تتوقفى فورا عن الأسلوب الذى تنتهجينه مع زوجك، وأن تبنى معه حوارا صريحا تؤكدين له فيه أنك تحبينه وتغارين عليه، وانك تبذلين أقصى ما فى وسعك لإسعاده فهو حبيبك وأبو أولادك، وأنه لا يوجد فى الدنيا من يهتم بأمره أكثر منكم، واطو صفحة هاتين الفتاتين، وجددى أسلوب حياتك بالكلمة الحلوة، والتواصل الجميل، وحاولى أن تشاركيه فى عمله، وتشيرى عليه بأفكار لتطويره باعتبار أنكما تعملان فى مهنة واحدة، وانزعى عنك الوساوس بتمنى رحيله عن الدنيا لكى تستأثرى بأمواله، فالمال لا يجلب السعادة، وهو وسيلة لتحقيق حياة مستقرة، وليس هدفا فى حد ذاته، وإياك والتفكير فى خيانة زوجك لأنك إذا انجرفت فى هذا التيار فسوف تفقدين نفسك ودينك وحياتك وستدخلين دوامة لن تخرجى منها، فتماسكى واستعينى بالله، ولعل زوجك يدرك فداحة ما ارتكبه، ويتوقف عن المسار الذى انتهجه، فنهاية هذا الطريق الندم، ولكن بعد فوات الأوان.. وأرجو أن تكون رسالتك عبرة لكل زوج لا يفكر إلا فى ملذاته وينسى زوجته وأولاده، والله المستعان.