أسجل كامل التقدير لمشايخنا وعلمائنا الذين كان لهم الفضل الأكبر فى نشر تعاليم الإسلام الوسطى المعتدل فى ربوع العالم ونفاخر ونزهو بهم وبأزهرهم الشريف على سائر الأفطار والبلدان بما فيها البلد الذى ظهر فيه الإسلام كما قال الشيخ الراحل محمد متولى الشعراوى. إن حرية الفكر والرأى والتعبير مع تعدد المذاهب من أكبر مميزات هذا الدين ورجاله. وأذكر فى صباى أنه بعد صلاة الجمعة كانت الاسرة كلها تجتمع لمناقشة موضوع الخطبة وقوتها وضعفها ومدى تركيزها على أحوال البلاد والعباد، وكنا نذهب للمساجد التى بها الخطباء المتميزون وقد استفدت منهم سلامة نطق اللغة العربية وطريقة الخطابة والإلقاء ووسائل الإقناع من أيات وأحاديث وآراء فقهية وأبيات شعرية وكان الإمام وقتها يتفرغ لأكثر من ثلاثة أيام لتجهيز وتحضير الخطبة وكأنها رسالة أو بحث جامعى. ولقد فوجئت بخطيب المسجد يصعد المنبر وبيده ورقة قام بتلاوتها فى أقل من ربع ساعة وكانت خطبة باهتة بلا لون ولا طعم ولا رائحة وختمها معتذرا للمصلين بأن هذه هى خطبة الوزارة والمعنى مفهوم ضمنيا فهو مغلوب على أمره مكبل بالأغلال وأسير «الورقة العبثية». وسألت نفسى: هل تسلل قراقوش لديوان الوزارة وقرر تحريم الخطابة الشفوية؟ وهل قرأ المسئولون بالأوقاف خطأ كلمة (تجديد) الخطاب الدينى على أنها (تجميد) فقاموا بتجميده بل وتحنيطه ونحن فى عصر الفيس بوك والسماوات المفتوحة وعالم القرية الواحدة؟ لقد ذكرنى ذلك بقصة الدبة التى قتلت صاحبها بحجر وهى تهش ذبابة حطت على رأسه. فما شاهدناه من تأثيرات قاتلة للخطبة المكتوبة تفوق ما فعلته الدبة فلقد قتلت ملكة الإبداع والبحث وقضت على موهبة الإلقاء وأنهت بجدارة ظاهرة الزحام داخل المساجد فانصرف المصلون عنها، كما قتلت روح التنافس بين الأئمة وروح المحبة والتكامل بين الأوقاف والأزهر الذى يقدم خطباؤه أبلغ الدروس والعظات. ولابد من التوقف عن هذه الخطبة، وأن يتعلم الخطباء التجديد والابتكار ولا يتخشبون فى أماكنهم كخيال المآته. د.عز الدولة الشرقاوى سوهاج