تمويل المساجد، تعليم الأئمة، نشر الفكر المتطرف، قضايا ملحة تضعها فرنسا تحت المجهر فى خضم تعرُضها لسلسلة من الحوادث الإرهابية..كان اخرها ترويعا ودموية الاعتداء الذى تم يوم عيدها الوطني، حيث حادث الدهس الذى أودى بحياة 85 شخصاحسب اخر حصيلة،وجرح فيه 434. وما تلاه بأيام قليلة من ذبح كاهن كنيسة سانت أتين دو روفراى شمال غرب البلاد وجرح شخص . والمؤسف أنها كلها اعمال ارهابية ترتكب باسم الجهاد والفكر الدينى المتشدد، وهو الامر الذى دعا فرنسا لاغلاق اكثر من عشرين مسجدا وقاعة للصلاة تحض على التكفير والكراهية والتطرف فى ديسمبر الماضي، الا ان الغلق وحده لم يكف خاصة بعد تكرار الضربات الإرهابية. وهو ماجعل فرنسا تتخذ الكثير من الإجراءات الاحترازية،والخطط الأمنية، فى إطار قانون الطوارئ الذى تستطيع بموجبه السلطات زرع الكاميرات والميكروفونات للتجسس على الأشخاص المشتبه فيهم. فضلا عن إعطاء السلطات الحق فى القبض والمداهمات دون اللجوء للقضاء، هذا وغيره من الإجراءات اعتمدتها فرنسا للحيلولة دون وقوع اعمال ارهابية،الا انها لم تحل دون تعرضها للمزيد من الهجمات الماساوية التى تصيب الأبرياء. وبالطبع تغتنم المعارضة اليمينية على وجه الخصوص الفرصة لقذف الحكومة بوابل من الاتهامات بالتقصير فى حماية الشعب وعدم توفير الامن اللازم له، والإخفاق بشأن ملف مكافحة الاٍرهاب.ومن هنا كان قرار رئيس الحكومة مانويل فالس، ووزير الداخلية برنار كازنوف إنشاء مؤسسة فرنسية تختص بالشئون الاسلامية. ومن اجل تحقيق ذلك دعت الحكومة الجمعيات والرموز الدينية بفرنسا للتشاور، وفى مقدمتها المجلس الفرنسى للديانة الاسلامية ورئيسها الحالى أنور كبيباش وأمينه العام عبدالله زكري. وكان اهم ماتمخض عنه اللقاء البحث عن طريقة لمحاربة الدعاية التكفيرية، واستبعاد الدعاة المتطرفين المتسببين فى نشر الأيديولوجية السلفية الاصولية. وحسب احصاءات الداخلية يوجد فى فرنسا حوالى 2500 مسجد وقاعة صلاة، يعمل حوالى 120 منها على بث الفكر السلفى الأصولي. وقد اتخذ وزير الداخلية برنار كازنوف 80 قرارا بابعاد هؤلاء المتشددين منذ 2012، ويجرى الآن البحث فى عشرات من قرارات الإبعاد الجديدة، وأشار الوزير إلى أن مساجد أخرى فى طريقها للاغلاق. وفى كلمته للصحافة بعد لقاء رئيس المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية أنور كبيباش، أشار برنار كازنوف الى ضرورة تنظيم وتمويل الإسلام فى فرنسا، مشيرا الى أنهما قضيتان . يتعرضان لانتقادات شديدة من الطبقة السياسية، وحتى من المسلمين، واشار الوزير إلى ضرورة العمل على ضمان الشفافية التامة على صعيد تمويل المساجد، فى إطار الاحترام التام لمباديء العلمانية. وقال كازنوف..لا مكان فى فرنسا للذين يدعون فى قاعات صلاة أو فى مساجد إلىالكراهية ويتسببون فيها، ولا يحترمون مباديء الجمهورية، وبينها المساواة بين النساء والرجال فى إشارة ضمنية للحجاب او النقاب، وغيرها من المظاهر التى تعتبرها فرنسا انتقاصا فى حقوق المرأة. ولما كان قانون العلمانية الفرنسى يمنع تمويل دور العبادة حاول رئيس الوزراء،توصيل الرسالة بانه لن يتم تمويل المؤسسات الإسلامية الفرنسية التى سيتم إنشاؤها من المال العام،خاصة وان زعيمةالمعارضة اليمينية المتطرفة مارين لوبن تتهم الحكومة الاشتراكية وماسبقها من الحكومات الجمهورية باختراق قانون وعلمانية البلاد، وبمساعدة الجماعات المتطرفة وتشجيع الارهابين. وأوضح فالس ان البلاد فى غنى عن مراجعة قانون العلمانية (1905) مشيرا الى انه سيفتح نقاشا خطيرا للغاية، وذلك لان تمويل الدولة لدور العبادة فى فرنسا أمر محظور بموجب هذا القانون وفق مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة. لذا طالب فالس المجلس الفرنسى للديانة الاسلامية بضرورة ايجاد حلول لضمان إنشاء مؤسسات إسلامية يكون مبدأها الشفافية التامة، وهو الشأن ذاته الذى أكد عليه وزير الداخلية فى بداية اغسطس الحالي. وحول الوسائل الجديدة لتمويل مؤسسات الدين الإسلامي، اشارت الحكومة الى وجوب تمويلها ذاتيا من الجالية المسلمة، لتتساوى أماكن العبادة الاسلامية فى طريقة التمويل مع الكنيسة الكاثوليكية فى فرنسا، من خلال التبرعات التى تجمع وحفلات الزفاف والعمادة التى تقام فيها. والجدير بالذكر أن تبرعات المسلمين للمساجد تصل ل 80 بالمائة من مجمل تمويلها، كما تصل إلى ذروتها خلال شهر رمضان، وقد تصل فى بعض المساجد لنحو مليون يورو، وذلك وفقا لبيان من مجلس الشيوخ. كما جاء من ضمن اقتراحات التمويل لدور العبادة، فرض ضريبة إضافية على اللحوم الحلال،بحيث يتم ذلك من خلال جمع حصة من مبيعات المنتجات الحلال لتمويل هذه المؤسسة الاسلامية.وعلى صعيد متصل ستتخذ فرنسا اجراءات جديدة فيما يخص تعليم وتدريب الأئمة فى فرنسا وليس فى مكان آخر.وفى هذا الشأن أعرب رئيس الوزراء مانويل فالس عن أمله فى فتح صفحة جديدة مع مسلمى فرنسا .خاصة وان بعض المساجد تلعب دورا محوريا فى تلقين الشباب تعاليم سطحية عن الدين دون مضمونه السمح. وفى محاولة للإصلاح وضمن خطة لمكافحة الاٍرهاب اعلن فالس انه فى نهاية 2017 سيتم انشاء مركز لإعادة دمج أصحاب الفكر المتطرف او المعرضين للانضمام للتكفيريين. وخصصت الحكومة مبلغ 40 مليون يورو إضافية حتى 2018 وعلى مدى عامين لمضاعفة القدرة على تتبع الشباب الناشطين فى الشبكات التكفيرية، من منطلق انها تشكل التحدى الأكبر. وبعد سلسلة الاعتداءات الدموية التى زلزلت فرنسا دعا رئيس الوزراء المسلمين بفرنسا لشن معركة ضد التطرف فى جميع الأماكن، لنشر التعليمات الصحيحة عن الدين ونبذ خطاب الكراهية فى كل مكان بالمساجد والأحياء بل وداخل عائلاتهم. وبالرغم من كل الانتقادات الموجهة للحكومة رفض فالس دعوة المعارضة لتصنيف السلفية كأيديولوجيا خارجة عن القانون.حيث اعتبرت نائبة اليمين الجمهورى ناتالى كوسيسكو-موريزيه أمام الجمعية الوطنية أن الوقت حان لتصنيف السلفية خارج القانون، سواء بصفتها تشددا طائفيا أو لأنها تضر بالمصالح الأساسية للوطن. وعلى صعيد متصل وفى إطار تداعيات الاٍرهاب الفكرى والأيديولوجي، تخوفت دار النشر الفرنسية بيرانا من نشر الترجمة الفرنسية لكتاب «الفاشية الإسلامية» للكاتب الألمانى من أصل مصرى حامدعبد الصمد. وبرر مدير دار النشر ذلك بان هناك مخاطر امنية جعلتها تعدل عن هذا المشروع.