وهذه القضية التى تحمل رقم «34» مليون مواطن من أسوان الى الجيزة ، استغرقت وحتى اللحظة جلسات من الحوار والمناقشة والدراسات المستفيضة لاتعد ولا تحصى، المتهمون فيها ؤوساء جمهوريات وحكومات ووزراء وخبراء ومسئولين سابقين. تقول أوراق القضية أنه على مدار عشرات السنين وأهل الصعيد يتعرضون لجميع أنواع التنكيل والاهمال والتجاهل لصحتهم وحصولهم على حقهم في العلاج بمستشفيات رنسانية متطورة وآدمية ولكن دون جدوى. المفارقة أن «دوار الصحراحة» وبمجرد إقترابه من هذا الملف الشائك ، اكتشف وحسب البيانات والاحصائيات التى تم سردها علينا من واقع الحال الصحى والتعليمى بقرى محافظات«المنياوأسيوط وسوهاج وقنا واسوان والوادى الجديد» أننا نقف أمام سنوات من الصراع ليس بين الصعايدة وهؤلاء المتهمين وإنما بين المستشفيات الجامعية ومؤسسات الدولة لأجل أن تبقى تستقبل هؤلاء المرضى المغلوبين على أمرهم رغم افلاسها وعجز ميزانيتها. ولفت إنتباهى أن كلمة السر فى بقاء هذه المستشفيات الجامعية وخدمة أهالينا فى الصعيد رغم كل مشاكلها يكمن فى كلمتين «الحلم ، العزيمة»، حلم الطبيب المستوعب إبن البيئة والمكان لاوجاع اهله وناسه ووطنه بأن ينجح فى تخفيف آلامهم مهما كان ضعف الامكانات والمعوقات البيروقراطية، ليشعر بمتعة هائلة ورضا كامل بما انجز، وستتأكد من هذه الحالة عندما تراه منتشيا ممتلئا بالسعادة وهو يحكى لنا حكاية كفاح وصراع المستشفيات الجامعية باسيوط لاجل البقاء حية تؤدى رسالتها كما لوكنت تسمع راوية من رواة السير الشعبية والاساطير القديمة.. وإليكم التفاصيل....وأصل الحكاية في البداية سألنا الدكتور طارق الجمال نائب رئيس جامعة أسيوط لشئون الدراسات العليا والمشرف العام علي المستشفيات الجامعية : لماذا تدهورت المستشفيات الجامعية بأسيوط وهل تعتقد أنها مازالت تؤدى دورها فى تدريب اطباء المستقبل وعلاج البسطاء ؟ أجاب منفعلا وهو يقرأ لنا من ملف زاخر بالمستندات والاوراق قائلا : أولا لابد أن نقر ونعترف بأن مستشفيات جامعة أسيوط هي منارة للبحث العلمي ومعمل تفريخ لكل أطباء المستشفيات في جميع جامعات ومستشفيات صعيد مصر ويقع على عاتقها مهمة العلاج في صعيد مصر حيث تتحمل وحدها نحو 60 في المائة من المرضى مقابل 10 في المائة مستشفيات الصحة و10 في العيادات والمستشفيات الخاصة ومن ثم فهي ركيزة أساسية من ركائز العلاج في مصر وقد شهدت مستشفيات جامعة أسيوط طفرة في السنوات الأخيرة حيث تفرعت عنها نحو 9 مستشفيات متخصصة منها واحد تحت التجهيز هو مستشفى الاصابات والذي سيمثل نقلة نوعية تضاف لمستشفيات جامعة أسيوط. أبحاث وحواجز ثقافية فى هذا السياق تقول الارقام .. أن مستشفيات جامعة أسيوط استقبلت العام الماضي نحو 2 مليون مريض متردد على العيادات الخارجية ، شهريا يتم إجراء نحو 2500عملية جراحية مابين زرع كُلى وكبد وعمليات نقل أنسجة واستئصال أورام، ، ففي عام واحد استقبلت تلك المستشفيات نحو 123ألف حالة إصابة منها نحو 33 ألف حالة إجريت لهم عمليات جراحية. قلنا : لكن نحن امام مستشفيات فقيرة بائسة فحدثنا عن معاناتكم وواقع حال هذه المستشفيات وامكانياتها ؟ اجاب الدكتور طارق : نعم لكم الحق فى ذلك ، فإذا كانت مستشفيات جامعة أسيوط بها 5 آلاف سرير منها 200سرير عناية مركزة إلا أنها مازالت تنقصها التجهيزات الفنية، وعجز شديد فى التمريض والذي وصل العجز فيه لنحو 2300 ممرضة في حين أن الصحة يوجد بها نحو 6 آلاف ممرضة زيادة عن حاجتهم ، ويكفى ان تعلم أن ميزانية الدولة المخصصة لهذه المستشفيات تصرف كراوتب للموظفين ، فميزانية مستشفيات أسيوط الجامعية مثلا تقدر بنحو نصف مليار جنيه شاملة الموارد الذاتية التى تأتى من العيادات الخارجية 70 بالمائة منها خاص بالرواتب والاجور، والباقى موزع مابين الانفاق على توفير الادوية والمستلزمات الطبية، والتجهيزات التى تعانى خللا كبيرا فلدينا على سبيل المثال جهاز الرنين المغناطيسي انتهى عمره الافتراضي ويحتاج لصيانة دورية تصل الان لنحو 90 الف دولار سنويا في حين أن ثمنه يقدر بنحو 12 مليون جنيه ، فتوقف لانه لم يعد هناك مايكفى لاصلاحه او شرائه قلنا : نشعر بأنكم تلوحون بالشكوى من ثقافة المجتمع الصعيدى فى التعامل مع طبيعة المستشفيات الجامعيه ودورها ؟ قال نائب رئيس الجامعه : فعلا العادات والتقاليد والثقافة تشكل احيانا عائقا كبيرا فالمواطنون باتوا يستهلكون المستشفيات الجامعية في الامور البسيطة التي من الممكن علاجها في مستشفيات الصحة مثل الصداع واعراض مرضية سطحية ورغم ذلك فيحسب لجامعة أسيوط نشرها 192 بحثا علميا في دوريات علمية دولية معتمدة كما أن قسم العظام وحده يضم 3 رؤساء جمعيات علمية . وماذا عن مرضى الاورام الذين يمتلئ بهم الصعيد ويئن من زيادة تعدادهم مقارنة بمحافظات اخرى بالوجه البحرى ؟ هنا يتدخل الدكتور مصطفى الشرقاوي عميد معهد جنوب الصعيد للأورام ليكشف أن عدد المترددين على المعهد بلغ 40 ألف مريض سنويا الغالبية منهم منتفعون من التأمين الصحي ويعانون أم المشاكل منه ، فوفقا للقانون معروف أن التأمين مطالب بتوفير اعتمادات لعلاجهم و لكن الذى يحدث أن مريض الاورام صار بفعل عدم توفير هذه الاعتمادات وإختفائها كعب دائر على التأمين الصحي وفروعه حتى يحضر خطابا كي يتمكن من إجراء الفحوصات والعلاجات اللازمة له، المشكلة الاهم أن التأمين يماطل المستشفيات الجامعية في سداد مستحقاتها نظير فحص وعلاج المرضى المفترض انهم مشمولون برعايته ، مما يعطل عمل المعهد من تقديم خدماته وهو ما يتطلب تدخل كل الجهات المعنية لصرف مستحقات المستشفيات الجامعية لدى التأمين الصحي رحمة بالمرضى خاصة أن المريض يكلف المعهد أحيانا عشرات أضعاف ما يقدمه التأمين. بالارقام يؤكد الدكتور أسامة فاروق نائب رئيس مجلس إدارة مستشفيات أسيوط الجامعية صحة وخطورة هذه المعضلة قائلا: إن مديونية التأمين الصحي للمستشفيات الجامعية وصلت لنحو 18 مليون جنيه وهو مبلغ كبير في حال سداد التأمين له سيسهم في توفير أجهزة كما أن هناك نحو 20 مليون جنيه متأخرات قيمة خدمات قدمتها مستشفيات جامعة أسيوط للعلاج على نفقة الدولة وهناك مطالبات بتحصيلها وقد تواصلنا مع مسئولي التأمين في أسيوط والقاهرة ولكن دون جدوى. أطفال فى خطر وفىزمرة النقاش وسخونته تفجر الدكتورة زينب محيي الدين مدير مستشفي طب الأطفال الجامعي مفاجأة اشد سخونة من العيار الثقيل عندما قالت: اود ان اخطركم بشئ مهم وخطير .. اطفال الصعيد فى خطر «ساد صمت» وتكمل الدكتور زينب قائلة : لقد قام المستشفى منذ سنوات بتجهيز أضخم وحدة للعناية المركزة تضم 34 سريرا منها 2 سرير لحالات العزل الصحي مثل أمراض التيفود والألتهاب السحائي وذلك بتكلفة 16 مليون جنيه تخدم 13 مليون طفل بالصعيد لكنها وللأسف متوقفه حاليا بسبب عجز التمريض حيث أن وكانت المفاجأة قاسية فعلا لفريق الأهرام حينما توجهنا للمستشفي حيث وجدنا الوحدة مجهزة علي أعلى مستوي من حيث البنية الأساسية والأجهزة موضوعة داخل عبواتها خوفا من تلفها أما المشكلة الكبري فكانت في قوائم الانتظار التي تتدفق علي المستشفي من كل محافظات الصعيد. وعن أزمة التمريض يزيدنا الدكتور احمد طه الأستاذ المساعد بمستشفي الراجحي للكبد احد فروع المستشفيات التابعة للجامعه ليؤكد المشكلة الرئيسية التي واجهت المستشفي منذ بداية تشغيله هي التمريض حيث أن أمراض الكبد وزراعته تحتاج لمجهودات كبيرة وفريق من العاملين، فطاقة المستشفى الإجمالية تبلغ نحو 200 سرير ولكن للأسف كانت تعمل بنسبة 10% من أمكانياتها أي بمعدل 20 سريرا فقط، نظرا للعجز فى التمريض ، لذا كان قرار إدارة المستشفيات الجامعية بنقل أقسام الجهاز الهضمي بالكامل بأطقم التمريض الى الراجحي مع المحافظة على الفريق الخاص بزراعة الكبد بالكامل لافتا الى أن الجهاز الهضمي لا ينفصل عن الكبد، مع الاحتفاظ بمعايير جودة الخدمة المقدمة وبالفعل نجحنا في تشغيل المستشفي بالكامل وهو ما انعكس علي الخدمة المقدمة للمرضي , ورغم حداثة تطبيق نظام زراعة الكبد فإننا تمكنا من إجراء 3 عمليات ناجحة جامعة اهلية و أحلام مشروعة وقبل أن تلملم هذه المناقشة اوراقها ونرحل عن المكان لم يشأ الدكتور أحمد عبده جعيص رئيس جامعة اسيوط أن يفرط فى إعلان أحلامه المشروعه التى تلاحقه اينما كان والتى يرى أنها جاهزة للتحقق وببساطة وراح يسرد علينا قائلا: هى فى الحقيقة ليست احلام إنما واقع فقد نجحنا في الحصول علي 14 مشروعا من بين 21 مشروعا لتطوير وتأهيل المعامل كانت طرحتها وزارة التعليم العالي في مجالات الطب والصيدلة والهندسة والعلوم منها مشروع لتطوير مركز بحوث الدواء بتكلفة 4 ملايين جنيه خصوصا أن هناك كما كبيرا من الادوية والامصال التي تستهلكها الجامعة وبافتتاح هذا المركز لن يدخل دواء واحد لمريض الجامعة دون تحليل لمعرفة مدي فاعليته كما وضعنا برنامجا للكشف عن فيرس سي لدى طلاب الجامعة. اذا كان ذلك قد حدث فعلا فماذا عن الاحلام؟ قال الدكتور احمد جعيص: هناك ثلاثة أحلام أتمنى إنجازها خلال الفترة المقبلة أولها تجهيز وتشغيل مستشفى الإصابات وهو حلم يراود الجميع في أسيوط حيث أن زيادة حوادث الطرق في الصعيد أدي إلي زيادة الضغط علي المستشفيات الجامعية بأسيوط حتى أن قسم الإصابات بات لا يستوعب هذا الضغط الكبير الذي وصل إلي حد استقبال المستشفيات نحو 123ألف حالة إصابة منها نحو 33 ألف حالة أجريت لهم عمليات لذا بدأ التخطيط لإنشاء أول مستشفي للإصابات في صعيد مصر وبالفعل تحقق الحلم وتم الانتهاء من أعمال البناء كصرح عملاق مزود بمهبط طائرات لاستقبال حالات الإسعاف الطائر ولكن هذا الحلم توقف مؤقتا لعدم وجود الدعم المادي حيث يحتاج المبني إلي تشطيبات وتجهيزات تقدر بنحو 270مليون جنيه حتى يدخل الخدمة والذي بدوره سيمثل نقلة نوعية في الخدمات التي تقدمها أسيوط الجامعى لمرضي الصعيد وينهي التكدس والزحام علي أقسام الإصابات . أما الحلم الثاني فهو إنشاء مركز بحثي بجامعة أسيوط لتجميع شباب الجامعة من الباحثين في بيئة بحثية مناسبة بها كل الامكانات والاحتياجات التي يفتقدها الباحث وقد بدأنا بالفعل خطوات اعتماده وتحديد المبنى الخاص به مكان مستشفى الطب البيطري القديم علي مساحة 400م علي أن يضم 20 وحدة بحثية وهناك 3 دول يذهب إليها خريجو أسيوط ولا يعودون منها هي أمريكا واستراليا وكندا وذلك لوجود بيئة بحثية مناسبة وهناك 10 ملايين طالب وافدين في العالم كلما أعطيناهم مزايا جاءوا للدراسة لدينا. أما الحلم الثالث فهو إنشاء جامعة أسيوط الأهلية والتي تقدمنا بأوراقها لوزارة التعليم العالي باعتبارها مطلبا جماهيريا ملحا لابناء أسيوطوالمحافظات المجاورة ، فهناك دراسة جدوى كاملة للاستفادة الاقتصادية منها ومردودها على العملية التعليمية ، على أن يتم الانتهاء منها في 3 سنوات دون أن تكلف الجامعة مليما واحدا حيث من عائدها سيتم استكمالها، خصوصا أن أبناء أسيوط يجدون معاناة شديدة في السفر للجامعات الخاصة الاخرى وبنات الصعيد محرومون من التعليم الجامعي الخاص نتيجة لتمسك الأسر الصعيدية بعدم سفر البنات للقاهرة وحيدة , خاصة وأننا نتوقع انها ستلقى قبولا كبيرا لارتباطها بجامعة أسيوط وستبدأ بست كليات منها الطب ، طب الأسنان ، صيدلة ، العلاج الطبيعي والهندسة من خلال برامج جديدة وتخصصات مختلفة لن تكون تكرارا لجامعة أسيوط. مطلوب تبرعات «مؤخرا تم افتتاح أكبر وحدة عناية مركزة علي مستوى الجمهورية بتكلفة 10 ملايين جنيه وتضم أحدث الأجهزة والإمكانيات الطبية الموجودة فى الشرق الأوسط بطاقة استيعابية 30 سريرا، كما تم افتتاح وحدة زراعة النخاع بمعهد الأورام والتي تعتبر بارقة أمل للكثير من مرضى سرطان الدم الذين لا يستجيبون للمعالجات القياسية من المصابين بالأورام الخبيثة والمزمنة كما أنه يجري حاليا استكمال إجراءات إنشاء معهد جديد للأورام بمدينة أسيوط الجديدة على مساحة من 15إلى 20 فدانا وهو مايتطلب تبرعات للانتهاء من هذه الانشاءات وافتتاحه وتشغيله قريبا على غرار معهد الأورام بالشيخ زايد. ومن جانبه قال الدكتور أشرف زين العابدين مدير المستشفي الرئيسي إن مستشفيات جامعة أسيوط مستعدة لإمداد مستشفيات الصحة بالكوادر الطبية وهو ما تم بالفعل مع مستشفى مدينة أسيوط الجديدة التي تم استلامها وسيتم افتتاحه خلال الأيام القليلة المقبلة وكذلك وضع منظومة صحية متكاملة تستهدف التنسيق بين مستشفيات الصحة والجامعة والوحدات الصحية بالقري والنجوع.