تراجع أسعار الذهب في مصر بقيمة 10 جنيهات خلال تعاملات اليوم    «الإسكان» تعلن موعد استقبال التحويلات لحجز وحدات المرحلة العاشرة بمشروع «بيت الوطن»    الأمم المتحدة تحذر من أن مخزونها من الوقود يكفي ليوم واحد فقط في غزة    مستشفى اتحاد جدة كامل العدد.. 10 إصابات على رأسهم حجازي    جريمة استمرت 11 عاما.. كيف سُرق تمثال أوزوريس من مخزن المتحف المصري؟    الصحة تحذر من الأبخرة المتصاعدة من السيارات: تزيد نوبات الربو    سعر الأرز اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في الأسواق    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية إلى 25 ألف جنيه للمشتري اعتبارًا من أغسطس المقبل    آمنة: 125 مليون جنيه إجمالي حجم الاستثمارات لتطوير منظومة المخلفات في بنى سويف    انطلاق امتحانات نهاية العام لطلاب صفوف النقل ..غدا    برلماني يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لمنع كارثة إنسانية جديدة في رفح    «تعليم القاهرة»: انتهاء طباعة امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل.. وتبدأ غدًا    كريم شحاتة: كثرة النجوم في البنك الأهلي قد تكون سبب سوء النتائج    تين هاج: الهزيمة الكبيرة أمام بالاس مستحقة.. ولا أفكر في مستقبلي    البورصة المصرية: طرح 6 شركات جديدة خلال الفترة المقبلة    الأرصاد الجوية: طقس اليوم مائل للحرارة نهارًا ومعتدل ليلًا    عاجل:- التعليم تعلن موعد تسليم أرقام جلوس امتحانات الثانوية العامة 2024    «تعليم الإسماعيلية» تنهي استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    مصرع سيدة دهسًا تحت عجلات قطار بسمالوط في المنيا    ضبط المتهم بالاستيلاء على أرصدة البنوك بانتحال صفة خدمة العملاء    الداخلية: سحب 1201 رخصة لعدم وجود ملصق إلكتروني خلال 24 ساعة    ياسمين عبدالعزيز: مش بحب أحمد العوضي أنا بعشقه | فيديو    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه.. وسبب لجوئه لطبيب نفسي    أبرز تصريحات عصام كاريكا مع عمرو الليثي.. "أنا في الأصل ملحن"    واشنطن وسول تبحثان فرص تعزيز التعاون في مجال تكنولوجيات الطاقة النظيفة    7 عادات غذائية خاطئة تسبب نحافة الأطفال    رئيس خطة النواب: الحرب الروسية الأوكرانية والتغيرات الجيوسياسية تؤثر على الاقتصاد المصري    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    خارجية الاحتلال: اجتياح رفح يعزز أهداف الحرب الرئيسية    الرئيس الصيني يزور سلسلة جبال البرانس الفرنسية وصربيا    إعلام أمريكي: إدارة بايدن أجلت مبيعات الآلاف من الأسلحة الدقيقة إلى إسرائيل    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدًا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    بمشاركة 55 ألف طالب.. ماذا قدمت التعليم العالي خلال مبادرة حياة كريمة خلال عام؟    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية التجارة    «الصحة» تحذر من أضرار تناول الفسيخ والرنجة.. ورسالة مهمة حال الشعور بأي أعراض    اليوم.. تنصيب بوتين رئيساً لروسيا للمرة الخامسة    لقاح سحري يقاوم 8 فيروسات تاجية خطيرة.. وإجراء التجارب السريرية بحلول 2025    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    Bad Bunny وSTRAY KIDS، أفضل 10 إطلالات للنجوم بحفل الميت جالا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    ياسمين عبدالعزيز عن محنتها الصحية: «كنت نفسي أبقى حامل»    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسود قصر النيل...والمعالم الحضارية للقاهرة
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 07 - 2016

سعدت بأن محافظة القاهرة قد أدركت أخيرا قيمة بعض المعالم الأثرية لعاصمتنا الجميلة - أو التى كانت جميلة - وقررت أن توليها الاهتمام الذى يفرضه علينا تاريخنا الحضارى القديم والحديث معا.
فقد قرأت أن المحافظة طلبت من وزارة الآثار إدراج تماثيل أسود كوبرى قصر النيل ضمن الآثار الحديثة المسجلة، وبعيدا عن بعض ما تردد من أن محافظة القاهرة ستغطى التماثيل بمادة تحول دون الكتابة عليها، وهو كلام لا أساس علميا له، فإن الحقيقة أن هذه الأسود أصبحت على مدى السنين أحد المعالم الأساسية لمدينة القاهرة، وقد شهدت أهم الأحداث التى صنعت تاريخنا الحديث، وعلينا أن نحافظ عليها كما تحافظ باريس على برج إيفل أو تحافظ لندن على ساعة بيج بن.
لقد مرت تلك الأسود الأربعة الرابضة فى شموخ على مدخلى الكوبرى بقدر لا يستهان به من الامتهان خلال سلسلة المظاهرات المليونية التى تلت ثورة 25 يناير والتى انطلقت من ميدان التحرير وعمت كل المناطق المحيطة بالميدان، وما تلا تلك الأحداث من اضطرابات متتالية تمركز الكثير منها حول ميدان التحرير وكوبرى قصر النيل، ثم جاء حكم الأخوان البغيض فأصبحت حياة هذه الأسود وغيرها من التماثيل القديمة والحديثة فى خطر بعد ان أعلن أن كل التماثيل أصنام ينبغى تحطيمها، وخرج علينا البعض يطالب بالفعل بتحطيم البعض منها وتغطية البعض الآخر حتى لا يعبدها الناس.
ويعود تاريخ تماثيل أسود قصر النيل الى أواخر القرن التاسع عشر وقد أبدعها المثال الفرنسى الشهير هنرى جاكمار Henri Jacquemart (1824-1896) بطلب خاص من الخديو إسماعيل، وجاكمار هو المثال الذى صنع تمثال الكولونيل جوزيف سيف Joseph Sève الذى عهد إليه محمد على ببناء الجيش المصرى الحديث فاستوطن مصر التى أحبها واعتنق الإسلام فصار يعرف باسم سليمان باشا الفرنساوى وأطلق اسمه على أحد أهم شوارع قلب القاهرة وعلى الميدان، وقد تغير اسمهما بعد ذلك ليصبحا شارع وميدان طلعت حرب، بينما انتقل تمثال سليمان باشا من موقعه فى الميدان الى المتحف الحربي.
على أن ارتباط سليمان باشا بتاريخ مصر الحديث يتخطى كونه مؤسس الجيش، فقد تزوجت ابنته من محمد شريف باشا، أبو الدستور المصرى ورئيس الوزراء، وأثمر هذا الزواج ابنة سماها والدها توفيقة على اسم الخديو توفيق الذى كان قد تولى حكم مصر خلفا لوالده الخديو إسماعيل، وقد تزوجت توفيقة من عبد الرحيم باشا صبرى وزير الزراعة فيما بعد وأنجبت منه الملكة نازلى أم آخر ملوك مصر الملك فاروق.
كما صنع جاكمار أيضا تمثال لاظوغلى الموجود حاليا بالميدان الذى يحمل اسمه. ولهذا التمثال قصة طريفة، فمحمود بك لاظوغلو الذى تحور اسمه التركى ليصبح لاظوغلي، هو قائد عسكرى فى الجيش المصري، وقد كان كتخدا مصر أى رئيس الدواوين الإدارية، وهو ما يوازى الآن رئيس الوزراء، وحين عهد الخديو إسماعيل للمثال الفرنسى بعمل تماثيل لمحمد على باشا، ولسليمان باشا، وللاظوغلى بك، كان الأخير قد توفى ولم يكن له صورة زيتية فلم يعرف جاكمار كيف يصنع له التمثال المطلوب، إلى أن عثر بالصدفة بعض من كانوا يعرفون لاظوغلى معرفة شخصية، على سقا عجوز فى حى خان الخليلى يكاد شكله يطابق شكل لاظوغلي، فألبسوه لباس المرحوم وأتوا به الى جاكمار فصنع تمثاله اعتمادا على شكل وهيئة هذا السقا البسيط الذى لم يكن يحلم بأن يصنع له أحد أكبر مثالى فرنسا تمثالا.
والحقيقة ان تلك ليست المفارقة الوحيدة بالنسبة لهذا التمثال، فإلى جانب كونه تمثالا لسقا وليس لكتخدا مصر، فهو يخلد لاظوغلى الذى كان قائدا عسكريا لكن قدر له أن يرتبط اسمه بالداخلية وليس بالجيش، ففى هذا الميدان يقع المقر الرئيسى لوزارة الداخلية، حتى أصبح اسم لاظوغلى يغنى عن الداخلية فصار الناس يقولون سأذهب إلى لاظوغلى بدلا من القول سأذهب إلى الداخلية.
ورغم أن الرجل لم يكن اسمه لاظوغلي، ولا كان التمثال تمثاله، ولا كانت له علاقة بالداخلية التى ارتبط اسمه بها، فإن تمثاله هو الوحيد بين التماثيل الثلاثة الذى بقى فى مكانه وبَقى اسم ميدانه كما هو على مر السنين.
أما تماثيل أسود قصر النيل فقد لا يعرف البعض انها صنعت أصلا لكى توضع على بوابتى حديقة حيوان الجيزة، لكن حين وصلت التماثيل الأربعة الى القاهرة من فرنسا، كان الخديو اسماعيل قد خلع وتولى ابنه الخديو توفيق، وكانت تجرى فى ذلك الوقت عملية تجميل كوبرى الخديو اسماعيل كما كان يسمى الكوبرى آن ذاك، ورأى الخديو توفيق أن الكوبرى يحتاج لمظهر يليق بهيبة اسم والده، فتم وضع أسدين على كل مدخل، واستعيض عن التماثيل عند افتتاح حديقة الحيوان عام 1891، بلوحات مجسمة على المدخل تصور مختلف حيوانات الغاب.
وقد ظلت أسود قصر النيل محتفظة بجلالها وبهيبتها منذ وضعا فى مكانهم فى أواخر القرن ال19، لكن مع الثورة التى انفجرت فى ميدان التحرير فى 25 يناير 2011 تجرأ بعض الصبية على الأسود وقفزوا فوقها يضعون الأعلام والملصقات ويكتبون الشعارات، فلم يختلف مصيرها عما تلاقيه الأسود الحية فى حديقة الحيوان من اعتداءات من الجمهور واهمال من الإدارة المعنية، ولولا أن أسود قصر النيل مصنوعة من البرونز لنفقت مثلما تنفق بعض حيوانات الحديقة.
اننى أتمنى على محافظة القاهرة أن تسارع بتسليم التماثيل للوزارة المعنية بالحفاظ على تراثنا، وأن يتم وضع حارس بزى رسمى على كل منها فيزيد ذلك من بهاء المشهد وجلاله، حتى يدرك المارة أنهم أمام معلم مهم من معالم عاصمتنا الجميلة ينبغى الحفاظ عليه واحترامه، كما أرجو أن يتم إصلاح أعمدة الإنارة على امتداد الكوبرى دون استبدالها بأعمدة حديثة. لقد أقيمت هذه الأعمدة على طراز ال »آر ديكو« المماثل لقاعدة التماثيل فيا حبذا لو لم يتم العبث بها.
وبعد ذلك فإنى على ثقة أن المواطنين جميعا سيسعدون بهذا المشهد، وسيسهمون مع بقية الشعب المصرى الذى يعتز بالمعالم الحضارية لعاصمته، فى الحفاظ على كوبرى قصر النيل، وعلى تلك الأسود التى ظلت رابضة على مداخله تحرسه فى شموخ طوال أكثر من قرن من الزمان.
لمزيد من مقالات محمد سلماوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.