مستشار وزير الري الأسبق: إثيوبيا ارتكبت أخطاء جسيمة في ملء وتشغيل سد النهضة    رسميًا بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 12-10-2025 في البنوك    فيديو متداول ل«اشتباكات بين أفغانستان وباكستان».. ما حقيقته؟    روسيا تحذر من استلام نظام أوكرانيا لصواريخ «توماهوك» وتحميل «قنابل قذرة» عليها    مساعد وزير الخارجية الأسبق: مصر حائط الصد الأول ضد تهجير الفلسطينيين    القصة الكاملة لاستشهاد الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي    كلوب يدافع عن فيرتز: موهبة تأتي مرة في القرن    أحمد فتحي: فرحة التأهل لمونديال روسيا مختلفة عن أمريكا.. واحتفلت مثل الطفل    مران الزمالك: تدريبات تأهيلية للثلاثي المصاب.. وفقرة بدنية    تسيميكاس على رأس تشكيل اليونان أمام الدنمارك بتصفيات المونديال    نتائج اليوم الثاني لمنافسات الكبار ببطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي بالعاصمة الإدارية    تعرف على تشكيل كرواتيا ضد جبل طارق بتصفيات المونديال    إصابة 15 شخصا في انقلاب سيارة نقل على طريق أسوان الصحراوي الغربي    التحريات تكشف تفاصيل جديدة في حادث سقوط السقالة بمدينة السادات في المنوفية    لطلاب المدارس.. «السياحة»: إطلاق منصة «رحلة» لزيارة المواقع الأثرية مجانًا    بيحبوا يصحوا بدري.. 5 أبراج نشيطة وتبدأ يومها بطاقة عالية    فركش تصوير فيلم أسد لمحمد رمضان وصناعه يحتفلون على أغنية نمبر 1.. صور وفيديو    هل التدخين يبطل الوضوء؟ أمين الفتوى: يقاس على البصل والثوم (فيديو)    أسامة الجندي: القنوط أشد من اليأس.. والمؤمن لا يعرف الإثنين أبدًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أول الحذر..ظلمة الهوى000؟!    «الحصاد الأسبوعي».. نشاط مُكثف لوزارة الأوقاف دعويًّا واجتماعيًّا    بسبب عدم مشاركته ضد بلغاريا.. حارس تركيا يترك المعسكر دون إذن    محافظ القليوبية يقود حملة مفاجئة لإزالة الإشغالات بمدخل بنها    بعد حادث الوفد القطري.. رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري يستقبل سفير مصر في الدوحة    رئيس الوزراء يبحث مع نظيره الجزائري استعدادات عقد اللجنة العليا المشتركة    وكيل صحة الدقهلية يبحث خارطة عمل المرحلة المقبلة مع مديري المستشفيات والإدارات الفنية    مصر تدين الهجوم على مركز لإيواء النازحين بمدينة الفاشر السودانية    رئيس وزراء لبنان يطلب من الخارجية تقديم شكوى ضد إسرائيل في مجلس الأمن    مي فاروق: أغنية «باركوا» علامة في كل الأفراح.. ومشاركة زوجي في ألبوم «تاريخي» صدفة    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    20 أكتوبر.. انطلاق جولة «كورال وأوركسترا مصر الوطني» بإقليم القناة وسيناء    تأجيل إستئناف المتهم الرئيسي ب " تظاهرات الألف مسكن "    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    تأجيل الدعوى المقامة ضد إبراهيم سعيد لمطالبته بدفع نفقة ابنه    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    رئيس جامعة كفر الشيخ يشهد بدء أعمال الجلسة العلنية لاختيار الأطباء المقيمين بكلية الطب البشري    بالأسماء.. الرئيس السيسي يُصدر قرارا بتعيينات في مجلس الشيوخ    سويلم يلتقى نائب وزير البيئة والزراعة السعودى ضمن فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    إصابة 5 فى تصادم سيارة ملاكى وتوك توك وتروسكيل بطريق برج نور أجا بالدقهلية    رئيس حزب الإصلاح والنهضة: قمة شرم الشيخ تتويج للدور المصرى التاريخى الحكيم    مستشفيات مطروح تقدم 38 ألف خدمة طبية وتجرى 206 عمليات جراحية خلال أسبوع    محافظ الدقهلية يتفقد شوارع حي شرق المنصورة وقرار عاجل بشأن النظافة والإشغالات    رئيس الضرائب: التعامل بالفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني يعزز الشفافية    «تدخل لعدم سحب فرع ميت عقبة».. أمين صندوق الزمالك يفجر مفاجأة    أسعار طبق البيض اليوم 12-10-2025 في قنا    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    الداخلية تضبط أكثر من 106 آلاف مخالفة مرورية في 24 ساعة    محافظ أسوان يتابع استكمال تشغيل المراكز الطبية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    مراكز خدمات «التضامن» تدعم ذوى الهمم    محمود ياسين من نادى المسرح فى بورسعيد إلى ذاكرة الوطن    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منك لله يا " جاكمار "
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 07 - 2016

«جاكمار وتماثيله» هو موضوع حكاية هذا الأسبوع ، وهو موضوع حجري صلب وصلد ولكنه غاية في الرقة والروعة والفن والإبداع ، موضوع شاعري رومانسي راق وحساس رغم صلابة وخشونة المادة التي صُنع منها ، حكاية تثبت لكل الناس أن الفن عابر للأزمان ،
للتاريخ ، قاهر للسنوات وعوامل التعرية وأن الفن والجمال باق الي الأبد مهما تغيرت الظروف وساءت الأحوال وطغت المادة .. تبقي الروح تواقة دائماً لكل ما هو أنيق وجميل وراق . و« جاكمار » الذي نتحدث عنه هو المثال الفرنسي «الفريد جاكمار» وهو أحد أشهر المثالين الفرنسيين الذين عاشوا في القرن التاسع عشر ( 1824-1896 ) وتلقي تعليمه في مدرسة الفنون الجميلة في باريس ، وملأت شهرته الأفاق حتي أصبح عضواً في مجلس العلوم ، ولكن «جاكمار» هذا الفنان الحساس لم يخطر بباله ويتصور ولو للحظة واحدة أنه بالتماثيل التي قام بنحتها في القرن ال 19 والتي أقيمت في ميادين بالقاهرة والإسكندرية تبعد ألاف الأميال عن محل إقامته سوف يخرب ذوق المصريين ويجعلهم يشعرون بالحسرة وهم يتمسكون بأهداب الجمال ، سوف يجعلهم أقرب الي الذوق ويُعلي حسهم الفني ويجعلهم يتذوقون الفن ويمدحونه وترتفع آهات إستحسانهم كلما مروا من ميدان يحتضن تمثالاً نحته بقلبه قبل يديه قبل عشرات السنوات ولكنه بقي شامخاً وسط تلال من القمامة وتلوث معماري بصري فاق الحدود ، لم يتصور «جاكمار» وهو ينحت بأزميله قطعه الرائعة في الصخر والمعدن أنه يحفر في التاريخ ويتحدي الزمن ويثبت نظرية أن الجمال باق وسوف يكسب بمرور الزمان ، ولجاكمار وتماثيله حكايات كثيرة هي موضوع هذا العدد فالفنان الذي رحل منذ 120 عاماً ترك قطعاً رائعة تشهد علي عبقرية فنه وهي أسود قصر النيل الأربعة الذين يحرسون الكوبري ،وتمثال محمد علي باشا في ميدان القناصل ( المنشية ) بالإسكندرية وتمثالا لاظوغلي باشا وسليمان باشا بالقاهرة ، والحكاية أن الخديو المستنير المتذوق للجمال إسماعيل حفيد محمد علي انبهر بما رآة أثناء زيارته لفرنسا من رقي وجمال الميادين التي تزدان بالتماثيل فأراد أن ينقل هذا الجمال الي مصر فقرر إقامة العديد من التماثيل لتجميل ميادين مصر المحروسة، وكانت البداية كما توثق ذاكرة مصر المعاصرة حينما فكر إسماعيل في إقامة تمثال لجده محمد علي باشا، و كان من المقرر إقامته في مدينة الإسماعيلية، ثم قرر إقامته بميدان محمد علي بالإسكندرية، وفي 7 أبريل 1869 كتب الكونت نيودركيك إلى وزير الشئون الخارجية المصري يبلغه أن تكلفة التمثال ستبلغ حوالي مائتي ألف فرنك ستدفع إلى صانع التمثال وهو المسيو « جاكمار» ، وفي 17 مايو من نفس العام تم تحويل ثمانية آلاف جنيه إلى أحد المصارف بباريس باسم المسيو «نيودركيك» ناظر مدرسة الفنون والصنائع بباريس للصرف على صنع هذا التمثال ، وبالفعل انتهي العمل في التمثال في يوليو 1872" وتم عرضه لمدة شهر في شارع الشانزليزيه ، وأرسل جاكمار صديقه المعماري امبرواز بودري إلى مصر ليؤكد للحكومة المصرية أن التمثال قد أنُجز بالفعل، وقام بودري بتصميم قاعدة التمثال من الرخام عليها وحدة زخرفية من المعدن على هيئة هلال ونجمة، وفي أغسطس من نفس العام وضع التمثال على قاعدته ، وفي 19 ديسمبر 1872 كان الاحتفال الرسمي بإقامته وسط الميدان ، ويظهر «محمد علي» في هذا التمثال كفارس مهيب يمتطي صهوة جواده وهو واثق من قوته، ويمسك بيده اليسرى بلجام الفرس مرتدياً قميصًا يعلوه جبة فضفاضة وحزام عريض، وفوق رأسه عمامة كبيرة .
‎أما الفرس فقد مثله جاكمار يخطو في ثقة وزهو رافعًا قدمه اليمنى عن الأرض وقد بدت عضلات بطنه وقدميه، وأسفل رقبة الحصان يوجد رسم هلال بداخله نجمة جاكمار .
أما أسود قصر النيل الرابضة في مكانها منذ عام 1875 فلها حكاية حيث كلف الخديو إسماعيل " شريف باشا" ناظر الداخلية بالاتصال ب «جاكمار» عام 1871 لعمل 4 تماثيل من البرونز علي شكل أسود لوضعها بجانب تمثال محمد على باشا بالإسكندرية واقترح جاكمار أن تكون تلك التماثيل متوسطة الحجم وكلف لجنة من «المثال أوجين جليوم والمصور جان ليون» لتتولى مهمة الإشراف على صناعة التماثيل، وخصص لهم مبلغ 198 ألف فرنك ، وبالفعل تم تصنيع التماثيل من البرونز فى فرنسا ووصلت إلى الإسكندرية ولكنها لم تقف حول التمثال بل نُقلت إلى موضعها الحالى على مدخلى كوبرى قصر النيل ، حيث يقول الفنان عصمت داوستاشي أن تماثيل الأسود كانت قد نُفذت لتوضع مع تمثال محمد على .. ولكن ثورة أهل الاسكندرية من أولاد البلد ضد التمثال بأعتباره وثنا وسيطوف الناس حوله فى ميدان القناصل جعلت الشيخ محمد عبده يصدر فتواه الشهيرة بعدم تحريم التماثيل طالما هى لتكريم اشخاص وليس لعبادتهم .. فتم إعادة تصميم القاعدة والميدان والتخلص من الاسود ووضع التمثال داخل مستطيل حتى لا يدور الناس حوله ، أما الأسود فقد غير إسماعيل باشا رأيه بعد افتتاح الكوبري و أرسل إلي جاكمار و أبلغه بالتغيير في موقع التماثيل، فقام بتغيير أبعادها لتتناسب مع موقعها الجديد، و قد تم شحن التماثيل من باريس إلي مصر في سبتمبر 1875 . أما التمثال الثالث فهو ل " لاظوغلى باشا " ذلك الرجل الذي جاء مع محمد علي الي مصر ويقال عنه إنه صاحب فكرة مذبحة القلعة ، ووزير ماليته الذي عينه رئيساً للوزراء عام 1808 وظل في منصبه 15 عاما, ولكنه رغم منصبه الكبير إلا أنه لم يكن يهتم بتخليد نفسه وليس له صورة أو تمثال مما أوقع " جاكمار " فى حيرة فظيعة حيث لم يجد له صورة يستخدمها في صنع التمثال عام 1872 حينما قرر الخديو إسماعيل تخليد رجالات محمد علي البارزين ، فأخذ يبحث مستعينا بأحد أصدقاء لاظوغلى عن شخص يشبهه حتى تم العثور على سقاء يحمل قربة ماء قال الرجل إنه يشبه لاظوغلى كثيراً فأعدوا له ملابس رئيس الوزراء، ووقف السقاء بشموخ كان غريباً عليه ليتم نحت تمثال له من البرونز ( ولله في خلقه شئون ) لذا يطلقون علي تمثال لاظوغلي باشا " الباشا السقاء " أما التمثال الأخير فهو ل " سليمان باشا الفرنساوي " أو الكولونيل سيف الذي ولد في ليون بفرنسا عام 1788 وتوفي في مصر 1860 ويعتبر مؤسس الجيش المصري، حيث وصل الي مصر عام 1819 وعمل مع محمد علي لتدريب جيش مصر وأنشأ مدرسة مصرية في الخانكة وورشا لتصنيع المدافع وإحتياجات العسكر ، وبعد وفاته عُهد الي «جاكمار» بإقامة تمثال له تم وضعه بوسط القاهرة ولكن بعد قيام ثورة 1952 تم نقل التمثال ليقف أمام المتحف الحربي بالقلعة . وبعد كل هذه الحكايات الجميلة بقي أن أقول إنني كلما مررت بميدان المنشية أو كوبري قصر النيل نظرت للأسود بحسرة وقلت في نفسي «منك لله يا جاكمار» فقد جعلت قطعك الفنية الفارق واضحاً وكبيراً بين الإبداع والفن من ناحية والتشوه والمسخ متمثلاً في التماثيل الحديثة الجيرية والصدئة عديمة المعني والجدوي والتي أصابها التشقق والإحباط التي تملأ الميادين المصرية حالياً من ناحية أخري .. والله .. الله علي ميادين مصر زمان .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.