رأيتني واقفا أمام مرآتي, المصقولة بإطارها المذهب, كنت علي أسوء حال, بذقن نابتة وثياب متسخة وشعر أشعث, بينما كانت صورتي في المرآة بكامل بهاءها. الثياب نظيفة, الشعر مهذب والذقن حليقة, وابتسامة واسعة تغمر الوجه البهي, وسألت الذي في المرآة صارخا:' مالك تبتسم؟ ألا تري ما أنا فيه؟', أجابني دون أن تفارقه الإبتسامة:'أنا أري, أما أنت فقد أضللت بصرك' خريطة الأعمي ( إلي بورخيس) فردت أمامها علي الطاولة خريطة بالحجم الطبيعي للعالم, كنت أنقل سبابتي من موضع إلي أخر وأنا أشرح لها لما علينا أن نواصل الهرب, كنت في الحلم أعمي, قالت أن الإضاءة سيئة وأن عينيها تؤلمانها من تدقيق النظر في العتمة, حاولت أن أدبج اعتذارا لائقا بينما أخذ صوتها يبتعد ويخفت شيئا فشيئا, حتي اختفي تماما, كانت سبابتي تعبر إطار الخريطة وتتجه حثيثا نحو الحافة. حجرة هي حجرة ليست كالحجرة, جدرانها متربة كالحة, غارقة في الزمن, مغلقة علي ما فيها, لا أبواب ولا نوافذ, يتوسطها قرد أسود ضخم يتقافز في مرح, عيونه ميتة, تطفح بلادة وغباء, وما يحدث خارج الحجرة لا نراه, الظن أنه مخيف, تمزيق أوصال وإهراق دم, ولا نهار يطل علي أحد, ليل موصول بليل, وكلما ضج صراخ أو عوي كلب جريح, صفق القرد بكفيه المشعرتين في خبال وسعادة, ونحن في رعبنا متلاصقين, نلوذ بالركن القصي من الحجرة, يخفي كل منا خنجره بين طيات ثيابه, يتحين غفلة كي يغمده في جسد الذي جواره. رقص حلمت بزجاجة خمر حوت بحرا, تسبح فيه أسماك من صنوف شتي, وألوانها ما لألوانها؟, تتبدل بتبدل انعكاسات الضوء عليها, وعلي البعد شمس وقمر يتسابقان عوما, يحاولان بلوغ جزيرة وراء الأفق, وطيور نورس تحلق في سماء واسعة, وعلي الشط حوريات بحر حسان, متكئات علي آرائك قدت من ذهب, وكلما شربت من الزجاجة ازددت أنسا, وازدادت إمتلاء, حتي خف جسدي تماما, وقمت إلي الرقص فكأن روحي ذاتها ترقص.