وسط زحام الشارع التجاري بوسط البلد, كان العابرون كعادتهم ينظرون في وجوه بعضهم البعض من دون هدف. وأنا كنت كذلك حين لاح لي وجه كأنني أعرفه.. وجه امرأة تنظر نحوي.. تنظر بإصرار, ولم يمكنني أن أتذكر من تكون. إن هي إلا دقائق حتي كانت المرأة نفسها تقف أمامي مبتسمة. ميلت رأسها بدلال وهي تحدق في وجهي وتقول بنبرة عتاب: خلاص!.. خلاص ياجميل.. كل اللي يبعد عننا ينسانا كده؟ مدت يدها, فمددت يدي. راحت تربت علي يدي بيدها الأخري, كما يتصافح رجال أعزاء. وأنا أرحب بها مرتبكا.. وبنبرة صوت محايدة. ومن غير أن أنظر في ملامحها ذات التأثير القوي. وأخيرا تذكرت ذلك الوجه أي المشاعر التي ينبغي علي أن أظهرها لامرأة, كم تألمت أمي بسببها كثيرا!. لم تكن جميلة مثلما اعتدنا الجمال, غير أن شيئا غامضا فيها يشع ويأخذ بانتباه أي أحد. ظلت تتكلم بحماس وتنظر في وجهي, وتطلق الدعابة إثر الدعابة. بحيث لم أعد في حالة من الاضطراب.. بل من الشلل العاطفي. لم تسألني عن أخي. يااه ياجورية. أهو أنت من جديد!. هل تعرف جورية إن أخي الكبير الذي أحبها تزوج بامرأة سواها؟ وإننا لم نعد نراه!. وأن امرأته الأولي رحلت أيضا مع ولديها إلي حيث تزوجت في بلد بعيد! جورية.. من لم أعرف معني اسمها أبدا. وإن عرفت مبكرا معني وجودها في هذه الدنيا. كان الأمر قد انطوي بالزمن. وإن كانت ذاكرتي تستعيده علي نحو واحد دائما. تلك الغجرية الشابة ذات( الملبس) الأسود اللامع, الذي يبدو دائما كأنه مبلل فوق جسد متناسق. يتدلي شعرها من تحت عصبة كشريط حول جبهتها. أسود مموج كثيف يضوع حولها برائحة عشبية. كنت أقف وأنا صبي لأراقبها بالساعات عند عم موريس حداد القرية. تكلمه قليلا ثم تصمت وتتابع عمل يديه. وهو يطرق شرائح النحاس وأعواد الحديد. ويبطط قطع الألمونيوم. جاعلا منها حليا ذات أشكال مختلفة. يمسكها من جديد بكلابات من الحديد ويلبث بها فوق النار لثوان ثم يغطسها في البئر, ويناولها إلي جورية. فتظل تضرب هذا في تلك, وتخبط هذه في ذاك. أو تمسكها بأطراف أصابعها وترعشها وتتسمع الرنين. ثم تطلب منه أن يزاوج حليتين ذواتي نغم معين فيشبكهما بسلك. ويعود ليقص من هذه أو يجوف تلك, أو يقوس ثالثة. وتعيد جورية اختبارها من جديد. حتي يتأتي لها الرنين الذي تريده. فإذا تشابه عليها النغم, علقت الحلي أزواجا أزواجا إلي مواضع من جلبابها. وتحرك رسغها حينا وحينا صدرها أو خصرها, وقد تحرك قدمها أمامها في الهواء. وتتسمع بجدية مايصدر من رنين. فتوافق, أو تطلب من عم موريس طرقة إضافية هنا أو ترقيقا لذاك. وأخيرا تحمل أشياءها في كيس وتمضي. كان يروق لنا كصبية أن نتبعها عبر الشوارع, لنسمع النغم الذي يصدر عن اصطدامها داخل الكيس. مسكوكات صغيرة وكبيرة. بعضها كالخرز الأجوف أو رقائق مدورة كالقروش, أو أعواد رفيعة تشبه دلايات العقد. ويبدو لنا الكيس مثل صندوق الموسيقي الذي كان هدية الشباب إلي خطيباتهم. غير أن هذه الآلات الصغيرة, كانت تملأ بالزنبرك وتبث لحنا واحدا لايتبدل, كانت جورية قد جلبت الاسم معها. قيل إنها حلبية من الشام. وقيل من الغجر الذين حطوا من المغرب واستوطنوا خارج القرية. وهو اسم لم أسمعه لامرأة من قبل. وكلما تردد كنت أرتجف بشحنة من السحر المرعب, فضمن ما وعيته من معني هذا الاسم أيضا.. الموت. نعم.. الموت, في هيئة شوال ملقي علي جريف الترعة. به جثة مقيدة اليدين لرجل محزوز الاعضاء بسكين. ووجهه منتفخ بنفسجي اللون. مشنوق بإيشارب حريمي لونه وردي. ولايزال الإيشارب يضوع برائحة عطر قوية. يومها.. تردد اسم جورية. وترددت كلمة الحب. بعدها صار ذلك الطريق بمحاذاة الترعة مخيفا, وخاليا طوال الوقت. وهو طريق رملي عريض يفصل الغيطان عن مجري مائي مبطن بالرمال. كان شق شقا بالكراكات كفرع صناعي من النيل أطلق عليه الترعة الحلوة. من ينظر وراءها لايري غير أفق من الرمال ولاشيء آخر. وهناك صندل من الحديد صدأت جوانبه يري مربوطا إلي أحد شاطئيه. يطير فوقه حبل مشدود بين ساريتين. كان أهل قريتنا يسمون ساكني الصحراء الذين لانري لهم أثرا فيها.. بتوع سنباط, والأغراب. هم أيضا الحلب والغجر وبتوع الموالد. كان ذكرهم مخيفا لنا نحن الصغار. خصوصا حين نسمع أنهم من لصوص الموالد. وحرفتهم هي التجول فيها ب صندوق البكش. وأن لهم شفرة كلامية خاصة يتفاهمون بها ولايفهمها غيرهم. وكانت أمهاتنا تصفن عيش الملا الذي هو خبزهم, مع بعض من أكلاتهم العجيبة كلحم الخيول والضب وأكباد الذئاب والضباع. ويحذرنا آباؤنا من الحديث معهم إن رأيناهم. ومن محاولة عبور الترعة. إذ يحمل رجالهم السلاح داخل هدومهم, ويدخنون المخدرات. . وتمارس نساؤهم السحر علي من يروق لهن من الرجال فلا يملك الرجل منهن فكاكا. أما أولادهم فيتزوجون في مثل أعمارنا ولايذهبون إلي المدارس. بل ويجيدون استخدام السلاح مثل آبائهم. وفوق هذا كله ليس بمضارب خيامهم مسجد, ولايعرفون الصلاة أو الصوم. وأيضا يخطفون الأولاد الصغار ويذبحونهم. كنا نراهم في سوق الجمعة بالقرية. حيث يعرضون بضاعتهم من حجر الكحل والمراود والأعشاب البرية وأحقاق العنبر, وحزم الخيزران والأقمشة الملونة. وتعرض نساؤهم الحلي المشغولة من العظام والأبنوس وحجر المرمر والخرز الملون وأواني الخوص والشيلان. في أيام الخميس والأعياد, كانت جماعة من رجالهم تجوب شوارع القرية. وهم يضربون بالمزمار البلدي ويدقون علي الطبول ليؤجرهم صاحب عرس, أو يقاولهم أهل بيت لعائد من الحج, وقد يصطحبون معهم فرسا يرقصونها. أو يجيئون بجورية لترقص رقصتها الغريبة. والتي لم نعتدها من غوازي المنصورة, اللائي ترقصن بخلاعه. كنا نسمع مانسمعه, ونري مانراه. ويبدو ساكنو البر الغربي لنا بشرا آخرين. موفوري المال, يلبسون الرومي والزفير والصوف الانجليزي. تتدلي من أكتافهم شيلان منقوشة. لهم أسنان من الفضة أو الذهب. ولانري بينهم أحدا ينتفخ بطنه بالاستسقاء. أو يتقطع كلامه بكرشة النفس. كانوا يرضون بأي اتفاق ولايتشاجرون أبدا. كانت جورية تنزل القرية, لتدق الوشم للنساء. وتعلم من ترغب منهن رقصها بكامل الملابس. إلي أن كفت فجأة عن النزول. وأيضا كان أخي الكبير قد غاب عن القرية. ثم عاد بعد مدة. وتكرر غيابه وعودته. فكان أن تحول بيت العائلة إلي ساحة لاجتماعات متوالية. تصخب بجمهرة من الأعمام, والأخوال. يتداولون امر غيابه ويزعقون. ويرتبون له الكمائن حيث يخمنون وجوده. طيلة الليل يتكلمون, ويعدلون من خططهم. بينما الجوزة تنتقل من فم لفم. حتي اذا أتموا الاتفاق علي خطة محكمة, اظهروا رغبتهم في الرحيل. فتستبقيهم اصوات النساء. أنتم والله نورتونا. هو إحنا بنشوفكم كل يوم. طيب كمان شوية.. يمكن نلاقيه راجع. أنا باعمل دور شاي أهه.. يمكن ربنا يسوقه. والله زمانو داير وراها من بلد لبلد. ما هو خلاص بقي واحد منهم.. الحلب النورة. وتعقب زوجة أخي في أسي: ده حتي أمه المريضة هانت عليه. مش هيهون عليه ولاده. تظل النساء توافينهم بالطعام والأ لاويح. ويظل الرجال يثرثرون بانفعال زائد., ويتوعدون جورية, من غير ان يصرحوا باسمها. ويكنون عنها في كل مرة بشتمة. ثم ينفجر صوت أحد الرجال الغاضبين بعد ان اصابهم الاعياء: الولد ده لازم ينضرب.. أيوه ينضرب ويعرف إن له أهل.. لجل ما يرجع عنها خالص. خلبوص المزيكا والموالد.. أنا قلبي حاسس إنه جاي الليلة لقضاه. يوافقه صوت آخر بالقول: مش عيب والله. أنا أبويا فضل يضربني لحد ما بقيت رجل بشنبات. وحتي بعدما اتجوزت ضربني قدام مراتي, مافتحت بقي بكلمة.. إمال؟ دي حاجة تشرفني مادام ده لمصلحتي. أما أكبر أخوالي, وهو( صول) في البحرية, وكانوا استدعوه من الاسكندرية علي عجل, فقال بعد طول صمت: أنا عارف عاجبه فيها إيه! دي شكلها زي السمكة الصايمة والله يابو سمير ومتي علت مصمصات النساء أضاف قاصدا زوجة أخي بالكلام والله يابنتي إنتي ماتتعيبي ولا هيلاقي ضفرك. والله حيل الستات دي كتيره ومالها آخر.. اسأليني أنا. يندفع صوت حريمي مقاطعا: أيوه ياحاج دي ساحرة له. ويعقب صوت آخر في ثقة: أنا جبت قرارها.. دي حرامية من بتوع طهواج. أو بالكتير بنت رقاصة من سنباط. بيقولوا بتحاول تتوب الايام دي. وقبل أن ينتابهم اليأس من عودته. يكون حماسهم قد تحلل في كثرة الكلام. وتفككت اعصابهم في رطوبة الفجر. ويختم احدهم السهرة قائلا بنبرة يقين: والله ياجماعة دي جن مش إنس.. والله العظيم وأنا علي وضوئي فاكرها يوم ماطلعت لي. كنت رايح أصلي الفجر في المصلية والدنيا ثلج. كنت لسه بصحتي وأسمع لك موسيقي غريبة كده زي اللي بتعملها الموكوسة. سميت وقريت المعوذتين. وقلت لنفسي هي دي حصة صلاة وسعي ع الرزق ولا مزيكا وكلام فاضي! ألقي لك ست بيضا سبحان الخلاق ولا حورية من الجنة قاعدة لك علي جريف الترعة. والشعر رامي حواليها علي الرمل زي شالك القطيفة الدهبي يامرات عم. وألقي لك اتنين عيال لابسين طراطير وعرايا بيلعبوا حواليها ويستخبوا من بعض جوه شعرها. أنا قلت السلام عليكم.. السلام عليكم. قامت واخده كل عيل تحت باط ونطت بهم في الترعة الحلوة. استناها كتير؟! ساعة.. ساعتين, إنها تطلع.. سبحانك يارب بذلك انتهي الاجتماع, وبقي للجد ان يضع الخاتمة بصوته الضعيف قائلا: لكن إحنا يابنتي حلفناه ع المصحف, قال إنه باقي عليكي.. هيلاقي ضفرك فين, ادب وأخلاق, إحنا هنتكفل بيكي والعيلين لحد ما ربنا يهديه.. ومسيره يعقل. هكذا تبددت الليلة ايضا دون طائل, وتهيأوا للرحيل. اتفقوا علي موعد آخر, بعد ان منحوا زوجة اخي بعض المال. غير أني من تلك الليلة عرفت أنهم يكذبون. فقد كانوا جميعا يتمايلون في نشوة يوم رقصت جورية في يوم المولد.. يوم ندهت جورية أخي. كان( الجرن) مزدحما بالبشر, وكان أخي في أول صف ومعه أعمامي وأخوالي. وظهرت جورية التي جعلت تشق طريقها بين أكتاف الجالسين متخذة طريقها الي النصبة حيث اعدت كنبتين متلاصقتين نهض اخي وجلس علي طرف الكنبة. وجعل يتطلع إليها ويوقع بكفيه بطريقة عشوائية. ثم وقف وراح يحجل ويدبدب مثل طفل مرح. هو الذي كان مضرب المثل في قلة كلامه ورزانته. فوق هذا لم تكن تعرف له أي صلة بالرقص أو الغناء. توقفت جورية وراحت تنظر نحوه. علا صفير الحشود يطلبونها لكنها كفتهم باشارة يدها طالبة الانتظار وهي تنظر نحوه, وكان وقف أمامها. وفجأة.. انفجر غناء رجولي مفعم بالشجن, وهدأ الضجيج. لم يكن صوته جميلا إنما كان خشنا عفيا. كان يغني في وجه جورية ولصوته طلوع يشبه الصهيل. ينغمه ثم ينزل به في حشرجة كالذبح بالسكين تصايح الرجال ونهضوا علي ركبهم. وانفجرت زغاريد النساء. والتهب الجميع بالنشوة طالبين أن يعيد ما غناه. كانت جورية تدور علي النصبة فيدور معها موجها إليها الغناء. أخذ أخي يعلو بصوته ويعلو الي اخر مداه, ثم يهبط به شيئا فشيئا مبحوحا مبطنا بالحنين. أخيرا راح يشحب ويخفت كأنما هي تنهدات ما قبل الموت. أخذت جورية توقع له بالكفين, وتدبدب بقدميها علي وقع غنائه, حتي استبدت به طاقة فجائية. رأيت وجهه وقد انتفخ وعينيه وقد قلبتا الي الداخل, وجلد وجهه وقد احمر وصار في لون ورق الورد. وشف عن أنابيب سرية, يجري فيها ذلك الغناء من زمن. لا يدري هو ذلك ولا أحد يدري. نهض الناس واقفين وصاحوا ولوحوا بالطواقي والحناجر. كلما عاد ليفجر الهواء بصوته فوقهم. كان اصابهم بالفرح فسكنوا من جديد, كتمام الذبح بالسكين. ونسوا جورية تماما. فهتفوا به طالبين المزيد. فظل يفعل ويغير من كلمات الاغنية عشوائيا. حتي تخمر فيه عجين الغناء.. تخمر وعلا وبقي ان تنضجه النار. فتهاوي فوق الكنبة, وصدره يشيل ويحط. واطرافه ترتعش مستغرقا في بكاء غير مفهوم. وجوريه منحنية عليه تغطي كتفيه بشالها. ثم تدعه لتبدأ رقصتها النادرة. تركته كأنه غير موجود. كانت بكامل ملابسها, تحزم جبهتها بايشارب اخضر كشريط. كانت جورية نحيلة وقمحية. لا تبحث عين أو تقيس منها قدر الشحم تحت ثيابها مثلما اعتادت العيون. جعلت تروح وتجيئ فوق الكنبة في هرولة رشيقة. كأنه مجرد سير طبيعي متعجل. لم تكن ثمة موسيقي أو عازف. ويلحظ القريب منها الحلي الرنانة معلقة الي مواضع من ثيابها. ولم يكن صعبا ان يتوقع من يراها ازواجا من هذه الحلي ذات النغم مخبأة تحت الثياب.. في كل موضع من جسمها. ويصدر كل زوج منها نغما مغايرا. راحت تهز رقبتها وتدور برأسها, وتلوي ذراعيها. وتركل بقدميها الهواء وتنثني وتعتدل وفي كل هذا يعلو نغم متوافق. وبطريقة لم نعهدها في أي رقصة. كان رنين الحلي تصاعد صانعا موسيقي كأنها من صنع عدة عازفين. وكان لدبدبة قدميها وقع الطبلة. طريقة فريدة في توليف لحن تقوم به فرقة كاملة. وكلما أنهت عزفا طلب الناس عزفا لأغنية مشهورة. فتغير من تحريك أطرافها ودق قدميها, وتسير ثم تتوقف فجأة وتدور بسرعة في أداء لا عسر فيه. ..وهكذا لم يكن الناس يكفون عن طلب المزيد من الألحان المشهورة. حتي انهم ينطقون بكلمات الأغنية. متوافقين مع من تدبدب بقدم واحدة. وتلوي ذراعا أو تبس كفا. ثم تستدير بغتة لأداء حركة ما. فتطلق بعضها, ثم تحبس بقيتها, فيعلو النغم المخبوء في طيات الثياب, وتتهيج مشاعر سكاري جورية, ويحاربون اللحن بالغناء. كانت أكثر أوقات نزولها القرية في الموالد والأعراس ومواسم الحصاد. حيث تظل ترقص بكامل ملابسها تلك الرقصات. وفي الصباح تعود في حراسة بعضهم, محملة بأكياس الطحين والأرز.وأقساط الحليب وأكواز قرع العسل. وبعض الدجاجات المربوطة إلي بعضها وحزم القصب. محمولة جميعا علي ظهر حمار. يسايرها الشباب عبر شوارع القرية إلي الترعة الحلوة. حيث يعبرون بها وبحمولها بالصندل إلي الشط الآخر. ويكون هناك من ينتظرها من ذويها. كانت لطول ما ارتبط. ظهورها بتردد ذلك الرنين المتناغم. تتهامس النساء لدي رؤيتها في شوارع القرية. والله تلاقيها لسه مخبية الشخاليل جوه هدومها.. دي بت جريئة. تجيبها أخري: والله عندنا اللي عودهم أحلي منها المعرقبة دي.. باينها مسكونة والعياذ بالله وتمصمص زميلتها معلقة: شفتي الرجالة.. لهوي عليهم. رحل أخي بحنجرته التي يسكنها صهيل. والذي ذكرني تورم وجهه واحمراره في غنائه ليلة المولد بقتيل الجسر.. المقيد اليدين, منتفخ الوجه. رحل برفقة امرأة لاندري إلي أين! ورحلت أنا إلي المدينة من زمن. وبقت جورية في الشط الغربي بموسيقاها التي سكنتني. حتي أنني صرت أسمعها كلما تجولت في شوارع وسط البلد. بل أتلفت بحثا عن ألحان خفية أسمعها ترن من تحت ثياب العابرات. في سيرهن العجول الذي يشبه سيرجورية وإن كان بدون مسكوكاتها الرنانة. ومثلها تماما تكن بكامل ملابسهن الضافية. والمعطرة