في الفيلم الأخير للمخرج ريدلي سكوت «روبن هود» يوجد مشهد يقف فيه بطل الفيلم «راسل كرو» أمام ريتشارد قلب الأسد العائد من فلسطين بعد آخر جولة في حملاته الصليبية.. يتقدم ريتشارد من روبن هود ويسأله: هل تظن أننا نلنا رضا الرب بعد كل ما فعلناه من أجل أورشليم؟ فيرد: لا أعتقد أن ما فعلناه يرضي الرب.. وهنا يتغير وجه ريتشارد ويكتسي بالغضب لكن روبن هود يمضي قائلاً: عندما أتذكر مذبحة عكا التي نفذناها وقمنا فيها بذبح أكثر من 2500 امرأة وطفل تقفز أمام عيني صورة امرأة مسلمة لا أنساها أبداً.. حين كان السيف يرتفع في الهواء قبل أن يهوي علي عنقها، نظرتُ إلي عينيها فلم ألمح فيهما الرعب ولا حتي الغضب.. وجدت وجهها هادئاً وكانت تنظر نحوي في إشفاق، وأدركت فيما بعد أنها عرفت أنه في اللحظة التي قررنا فيها أن نذبح الأبرياء العزل فإننا قد صرنا كفاراً. وأتصور أن بنيامين بن إليعازر- وزير الصناعة والتجارة الإسرائيلي الحالي- قد واجه ذات النظرة حين كان قائداً لوحدة شاكيد في يونيو 67 وهو ينظر في أعين الجنود المصريين العزل الذين وقعوا في الأسر قبل أن يقوم بدفنهم أحياء. وأغلب الظن أن شهداء هذه المذبحة وهم في لحظاتهم الأخيرة لم يكرهوا الرجل ولم يحقدوا عليه، لكنهم رثوا لحاله وأشفقوا عليه من هول ما كان مقدماً علي ارتكابه، وذلك لأنهم أيضاً قد أدركوا أنه في اللحظة التي بدأ يهيل فيها عليهم التراب قد صار كافراً. لكن تري هل هناك بين من يسكنون معنا ويتكلمون لغتنا ويأكلون طعامنا من يستحقون ذات الشفقة التي استحقها ريتشارد وبن إليعازر؟. نعم هناك الكثير بكل أسف ممن يستحقونها ويحصلون عليها.. فرجل الأمن الذي ترتفع كفه لصفع إنسان فإنه قبل أن تلامس يده الملعونة وجه الضحية يكون قد خرج من رحمة الله والتحق بمملكة جهنم حتي لو كانت زبيبة الصلاة تملأ وجهه أو كان صليب المسيح موشوماً بمعصمه. من يضرب أسيراً لا حول له ولا قوة فإنه يؤذي نفسه بشدة ويصيب ضميره بالتسمم ويخرب روحه بيده، فيظل بعضه يمزق بعضه من الداخل دون أن يدري حتي ينعكس هذا علي الوجه الذي يطالعه في المرآة. ولا يمكن أن تصادف أحد الجلادين مهما بدا وسيماً إلا والنظرة المتأنية لوجهه تكشف أن قوي الشر تتصارع داخله وأن مزيجاً من الجبن والخسة والنذالة تطحن بعضها، ويظهر هذا أكثر ما يظهر حين يبتسم، وليجرب أحدكم أن ينظر في وجه أي من هؤلاء عند الابتسام سيراه وجه كلب!. وقد سمعت من طبيب نفسي أعرفه أن واحداً من هؤلاء لا يستطيع أن يضاجع امرأته إلا بعد أن يقوم بتعذيب عدد من الأبرياء وأنه لا يستعد لهذه المهمة بحبة فياجرا كما يفعل زملاؤه، لكنه يستجمع الدم في عروقه من خلال سماعه صوت الأنين ورؤيته الدماء تغطي وجوه الضحايا بعد وصلة تعذيب !. ولا عجب أن الذي طالب بإطلاق النار علي من يطالبون بحقوقهم كان واحداً من هؤلاء.. وهو وأمثاله لا يحتاجون للممثل «راسل كرو» والمخرج «ريدلي سكوت» حتي يعرفوا أنه في اللحظة التي يرفعون فيها سيوفهم في وجوه الأبرياء العزل فإنهم يصيرون كفاراً.