ها هي نتيجة الثانوية العامة قد ظهرت، ورأينا نسب المجاميع المرتفعة جدًّا، وهذا أمر ظاهره مفرح جدًّا ولكن باطنه فيه العذاب؛ وبسؤالهم أقرَّ أوائل الثانوية العامة أنهم يعتمدون بصفة أساسية على الدروس الخصوصية؛ وهو ما يعني أن مؤسسائتنا التعليمية فقدت قيمتها وأخفقت تمامًا في مهمتها!! للأسف الشديد الفصول الدراسية للصف الثالث الثانوي في مدارسنا الحكومية تكون شبه خالية تمامًا من المدرسين والطلاب، لماذا؟ لأن طلاب الثانوية يعتمدون بصفة خاصة على الدروس الخصوصية، ولا يوجد غياب في المدرسة!! بئست الكارثة، كارثة الدروس الخصوصية التي عمت بها البلوى، حيث تحولت منازلنا لمدارس مُصغَّرة، وصار المدرسون يطرقون أبواب البيوت من الصباح حتى في أيام الراحات، فلم يعد الأب يتحمل مسئولية دفع الأموال فقط بل صار يضحي بيوم راحته من أجل إعطاء درس لابنه أو ابنته، كل هذا ومسئولونا يغردون خارج السرب ويصدعون أدمغتنا بأمور لا علاقة لها بتطوير التعليم، فكل أمة تريد التقدم والنهوض فلا بد لها أن تأخذ بأسباب ذلك، وإن لم تفعل فلا تقدم ولا نهوض، ومن أهم أسس هذا التقدم التعليم الذي انهار عندنا، وصار أولادنا يضيعون الوقت في ذهابهم وإيابهم من وإلى المراكز التعليمية. ومما يؤسف له أن مدرسي الخصوصي يعتمدون على إعطاء الطلاب كبسولات مملوءة بالمعلومات، أو لنقل بعناصر الموضوع، ولكن هذا لا يصنع عقولاً باحثة تستطيع أن تفكر وتبدع وتخترع فيما بعد، بل يجعل عقول الطلاب أوعية تُصبُّ فيها المعلومات لتخرج على ورقة الامتحان وكفى، أما تربية العقول على الإبداع والتفكير وتنشيط الملكة النقدية عند أبنائنا فظن شرًّا ولا تسأل عن الخبر!! وللأسف ما زال مسئولو التعليم عندنا يغردون خارج السرب وما زالوا بعيدين كل البعد عن تطوير هذه المنظومة، فمرة نجد منهم من يمنع لُبْس الخمار للطالبات ولا يلبسنه إلا بإذن من ولي الأمر، ومرة نجد من يمنع النقاب زاعمًا أنه يعرقل العملية التعليمية، ومرة نجد من يقول بمنع الحجاب في المرحلة الابتدائية، ومرة نجد من يقوم بحذف كثير من الآيات القرآنية من الكتب الدراسية بدعوى أنها تحرض على الإرهاب؟! ومرة نجد من يحارب المدارس الدولية والخاصة في مصر!! وكل هذا لا علاقة له بتطوير التعليم لا من قريب ولا من بعيد. إن التكدُّس وزيادة كثافة الطلاب في فصول المدارس الحكومية والاعتماد الكلي على الكبسولات الخصوصية من أهم العوائق أمام تطوير العملية التعليمية. إننا بحاجة إذا كنا جادين حقًّا في بناء أمتنا أن نطور منظومة التعليم عندنا، فعلت ذلك ماليزيا واليابان وستغافورة وشتى دول أوروبا فتقدمت كل هاتيك الدول وها نحن نراوح مكاننا ونعيب غيرنا، فهلا عدنا إلى الحق وتخلينا عن عيوبنا؟! ولنا أن ننظر إلى مكانة المعلم عندنا بمصر التي انهارت وتراجعت؛ ومن ثم انهار مستوى التعليم، وللأسف نهضت بهذه المكانة دول أخرى فتقدمت، فما الفرق بيننا وبينها إذن؟ لو نظرنا إلى ألمانيا مثلاً لنعرف مدى اهتمامها بالمعلم ومكانته، نجد أن لكل نوع من أنواع المدارس في ألمانيا معلمين مؤهلين تأهيلاً خاصًّا ومختلفًا، ويشترطون على جميع المدرسين أن يكونوا من حملة الشهادات الجامعية، فمن يريد أن يصبح معلمًا في المدرسة الابتدائية يدرس في الجامعة سبعة فصول دراسية (ثلاث سنوات ونصف)، أما مدرسو المدارس المتوسطة، ومدارس الأغراض الخاصة، والمدارس الثانوية العامة، والمدارس المهنية، فيجب أن يدرسوا في الجامعة مدة أطول (ثمانية أو تسعة فصول دراسية)، ونلاحظ أن رواتب المعلمين في ألمانيا أعلى من رواتب القضاة والأطباء والمهندسين الألمان!! لماذا؟ لأن الرواتب العالية تجعل المهنة مرغوبة؛ فيتجه لها الطلاب المتفوقون والمتميزون؛ وبالتالي ينشأ جيل من المعلمين العباقرة والمبدعين والمتفوقين، وهذا بالتالي يؤدي إلى نقل تميزهم وتفوقهم إلى تلاميذهم فيتم بناء جيل متحمس للعلم والعمل معًا قادر على ابتعاث نهضة بلاده وبناء حضارة أمته. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر