طبقة نخبة القوة العالمية المتفوقة، فى يدها تتركز السلطة، متمثلة فى الثروة والنفوذ، وتشمل- كما يصنفها المؤلف الأمريكي- "دافيد ج. روثكوبف"، فى كتابه "طبقة نخبة القوة العالمية المتفوقة، والعالم الذى تبتنيه"- عددًا من رؤساء الدول، والمديرين التنفيذيين لأكبر شركات العالم، وأسياد الإعلام، وأصحاب المليارات الفاعلين فى الاستثمار، وأقطاب التكنولوجيا، ومديرى صناديق المال والمستثمرين فى الأسهم الخاصة، وصفوة القادة العسكريين، والقادة الدينين، والكتاب، والعلماء، والفنانين، وحتى كبار المجرمين. تمتطى هذه المجموعة فرس العولمة، وفقًا لمفهوم "النيوليبرالية" الذى ينكر على الدولة أى تدخل فى شئون أفرادها يعلن المؤلف معارضته للأفكار المتطرفة المناهضة للعولمة والتجارة، لكنه يعترف بمنطقية ذلك القلق من التفكك الناجم عن العولمة، تتبدى القيمة الإيجابية لهذا الكتاب فى الكشف عن القدرات الخارقة، التى تزيد من ضعف الإنسان ورخاصته تجاهها؛ نتيجة توجه عولمة الاقتصاد، وما تبرزه الاندماجات بين معظم الشركات العابرة للقارات حتى يصبح اقتصاد العالم فى يد حفنة تمسك بالقرارات المصيرية للعالم؛ لذا يعتبر المناهضون للعولمة أن " منتدى دافوس" أكثر من مجرد مؤتمر للأعمال؛ إنه مخيم للأعداء يخطط فيه جنرالات العولمة لغزواتهم. تتعدد مجموعات التصدى ضد «دافوس»، منها الشبكة العالمية «لأصدقاء الأرض»، التى تنتشر فى 77 دولة، وتناضل من أجل العدالة الاجتماعية، التى أعلنت «إن قادة دافوس يضعون برامجهم من أجل العولمة النيوليبرالية، وسوف نفضح صفقاتهم غير المسئولة، وإذا كان أعضاء دافوس يمتلكون الثروة وإمكانية الوصول إلى الشخصيات النافذة، فإننا نمتلك التعاطف الشعبي، وتقف العدالة إلى جانبنا»، كما نظم الناشطون من دول العالم «المنتدى الاجتماعى العالمى «المناهض» لمنتدى دافوس» والمتزامن معه فى توقيت انعقاده، لكنه جغرافيًا يعقد دوريًا فى إحدى الدول النامية، وتشارك فيه آلاف من المنظمات، والاتحادات، والأحزاب السياسية، ونشطاء من منظمات حقوق الإنسان، صحيح أن هذا المنتدى يحظى بعدد من الحضور يفوق «منتدى دافوس» خمسين مرة، لكن المؤلف يقرر بأن (النفوذ) لا يتم بالعدد، وإنما بإمكان الوصول إلى مقاليد السلطة، ويعاود المؤلف الانتقاص من فعالية هذا المنتدى المناهض لمنتدى دافوس بأنه موسوم بالحقد، وبأن أعضاءه يحاججون بأنهم يتكلمون باسم الشعب، وأغلب الشعب لا يعرف هوياتهم أو ما يقومون به. يطرح الكتاب ست مسائل ترتبط بحكم- «طبقة النخبة»-، وهى السلطة، واللامساواة فى العالم، والحكم، والضغط العالمى مقابل الضغط الوطني، والبدائل، والمستقبل. ثم يناقش قضايا التفاوت فى السلطة واللامساواة فى الثروة، والحرب بين الأثرياء وفاحشى الثراء، وتمتع المؤسسات المعاصرة بوضع يتخطى الحدود الوطنية، ونفوذ المال ودوره فى حقل السلطة السياسية. ينفى المؤلف أن طبقة النخبة لا تحكم دكتاتوريًا، أو عبر السيطرة المباشرة، ولا تمارس السلطة من خلال المؤامرات، أو العصب السرية، إذ إنها تضع يدها على (الثروات والنفوذ)، ترى هل ينفى ذلك تصدرها الممسك بمصائر المجتمعات؟ يؤكد المؤلف أن العولمة قد ترفع الموقع النسبى للفقراء إلى حد ما، أو تقلص عدد الأشخاص الذين يعيشون فى فقر مدقع، إلا أن هؤلاء يظلون فى أسفل هرم السلطة، ويظلون من دون أى تغيير فى موقعهم النسبى من ناحية النفوذ، ويظل المحرومون معزولين، وتتقلص الطبقات الوسطى التى تعد أساس الاستقرار، فى حين يحصل الأثرياء على حصص أكبر، ومعها يحصلون على مزيد من السلطة. تتبدى القصدية الصارخة للمؤلف فى تشخيصه للعولمة، كتهديد ميتافيزيقي، إذ يقرر أن أعضاء النخب يعدون مواطنين عالميين مرتبطين بالمالية العالمية أكثر من ارتباطهم بالسياسة الوطنية، وأن الأفراد الأكثر ثراءً ونفوذًا فى العالم يعدون اليوم ذوى توجه عالمى بامتياز ومذعنين عالميًا وفاعلين عالميًا، وذلك ما يعتبره المؤلف انتقالاً مهمًا لموازين السلطة العالمية، بعيدًا عن الحكومات الوطنية، وبعيدًا عن المصالح الوطنية الضيقة، ثم يطرح المؤلف تقييمه بأن هذا التحول يعد أكثر من مجرد طفرة، فالعولمة ليست مجرد بدعة أو مسألة جيوسياسية عابرة، إذ يتضح جليًا أن الأشخاص الأكثر نفوذًا هم الأكثر عولمة. ألا تشكل العولمة أهم خطر تواجهه الدولة الاجتماعية؟ ألا تواجه الحماية الاجتماعية عدوها مع عولمة السوق؟ ويكاد المؤلف يجيب عن تساؤلاتنا فى إطار تصوره بأن تبقى النخب الوطنية قائمة، وإلى جانبها منافسوها الأكثر ميلاً إلى العولمة، وإن كانوا سيتفوقون بحجم الموارد، وشبكات المعارف، والسلطة، وتظل التوترات بينهما قائمة، ثم يستكمل تصوره بضرورة طرح آلية التوازن، بمعنى إعادة التوازن بين الحرية والعدالة، وإعادة التوازن بين سلطة النخبة وسلطة الجماهير على مستوى العالم، إذ يجدر بالمجتمع- ومن ضمنه النخب- أن يجعل حاجات الأشخاص الأقل قدرة على مساعدة أنفسهم فى سلم أولوياته، ليس بوصفها مسألة اقتصادية بحتة؛ فالعدالة لا تعتمد على حصول هؤلاء الفقراء على صوت سياسى فحسب؛ وإنما على حصة عادلة من السلطة السياسية أيضًا. ولأن التاريخ هو تاريخ التفاوض؛ لذا يقترح المؤلف الأسئلة التى يجب طرحها وهي: من الذى سيقوم بأولى الخطوات نحو التغيير هذه المرة؟ أى شكل ستأخذ هذه الخطوات؟ هل ستخلع النخب نخبًا أخرى من جديد، حيث يتصرفون باسم الشعب فى الوقت الذى لا يملكون فيه سوى مصالحهم الخاصة؟ هل سيطرح التقدم أخيرًا إثباتًا دامغًا بأن الاستقرار الحقيقى يكمن فى التوازن بين الحرية والعدالة، بين النمو والمساواة، بين السوق والدولة، بين القلة القائدة وسائر الناس الذين يجدر أن تنبثق عنهم شرعية هؤلاء القادة؟ أجاب «جيف فو» فى كتابه (الحرب الطبقية العالمية) بأن «دافوس» بهروبه من العقد الاجتماعى للمجتمع القومي، عبر إنشاء اقتصاد معولم، إنما يواجه لغزًا يتعلق بالطريقة التى يمكن لهذا الاقتصاد أن يحكم بها فى غياب حكومة شرعية؛ إذ يحتاج إلى قوانين عالمية لدعم حرية الرأسمال، وفرض هذه القوانين يتطلب حكومة عالمية، وهذه الحكومة ستقيد حرية الرأسمال. فكيف يمكن حل هذا اللغز؟ ترى هل هيمنة العولمة وتسويقها لدور الدولة، وتحريرها للخدمات الاجتماعية، تستهدف تدمير علاقات تلك الدول بمواطنيها، عندما يحتكر الشأن الاقتصادى الخارجى القرار السياسى الداخلي؟. لمزيد من مقالات د. فوزى فهمى