صدر مؤخراً كتاباً جديداً لمارك فلورباييه ومن ترجمة عاطف المولى يحمل اسم "الرأسمالية أم الديموقراطية خيار القرن الواحد والعشرين" عن الدار العربية للعلوم ناشرون، 2007. ففي الوقت الذي تبسط فيه الرأسمالية "المظفرة" سيطرتها على كل الأمم، هل لا يزال باستطاعة شعوب الأرض ان تأمل تطوراً اجتماعياً حقيقياً؟ ينطلق الكاتب من هذا التساؤل الهام ليقرأ الرأسمالية والديموقراطية في خلفيتهما الاجتماعية والسياسية، وهل هما الخيار الأفضل للعالم في مطلع الألفية الثالثة. يتناول المؤلف وفقاً لجريدة "المستقبل" اللبنانية هذه القضية وسط الصمت الضاغط الذي يهيمن على المفاصل الأساسية لسائر المجتمعات العالمية. فقد أدى فشل الحركة الشيوعية الاشتراكية الى شلّ المفكرين الذين لم تعد لديهم الجرأة لطرح اي بديل اخر خوفاً من الغرق في ما قد يعتبر سخفاً او اثارة لجرائم سياسية أو اقتصادية جديدة. ويمكن القول في هذا السياق انه اصبح للواقعية التقليدية للأحزاب السياسية صدى في مواجهة صمت المفكرين. وتبدو تجربة السلطة، في هذه الأجواء الخانقة معطلة منهجياً، الأمر الذي ينعكس ضعفاً بنيوياً لدى اليسار واليمين في آن معاً، كما لو انه اصبح من المستحيل مصالحة البراغماتية على المدى القصير واستهداف النهج التغييري على المدى الطويل، ومن ناحية أخرى، بات غياب اي نظرية ناتجة عن ذلك يشكل ضغطاً على الحياة السياسية وعلى سخافة السجالات، مثيراً حالة من اليأس والاهمال لدى الشعوب والمجتمعات كافة. ومع ذلك، يرى المؤلف ان أمراً ما قد تبدل، قد يسهم في تنشيط شعلة السجال حول امكانية وطبيعة قيام مجتمع بديل. اذ بات بمقدورنا اليوم الاستناد الى انجازات هامة تحققت خلال القرن العشرين لفهم الظواهر الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن البيئة التجارية، وعلى نحو أشمل لمقاربة انماط متعددة من التفاعلات الاستراتيجية. على هذا الأساس، يعتقد الكاتب انه بات محتملاً اعادة طرح السؤال حول التحول الاجتماعي بشكل جديد، بما يتجاوز حدود النظريات السائدة حول هذه القضية. كما يصبح ضرورياً التساؤل حول ماهية المجتمع الذي نترقبه في المستقبل القريب والبعيد. فقد ثبت حتى اليوم، وفقاً لهذه الدراسة، ان التكهنات حول نهاية قريبة للرأسمالية امر لا يصيب كبد الحقيقة. وقد سبق لكل من المفكرين الاقتصاديين، ريكاردو ومالثوز، ان توقعا اختناق الاقتصاد نتيجة للاستهلاك السريع لأرباح الانتاج. غير انهما تجاهلا الطاقة الهائلة التي لا تنضب للتطور التقني. وكان كارل ماركس قد دعا، من ناحية اخرى، الى اسقاط النخبة الرأسمالية وتجريدها من قوتها من خلال تحريض الجماهير الفقيرة... اي البروليتاريا بالمفهوم الماركسي. لكنه لم يتصور ابدا ان الدولة المنقذة قادرة على التحفيف من معاناة الجماهير واستيعابهم ضمن نمط محدد وذكي من الشراكة. ويخلص المؤلف حسبما جا ب جريدة "المستقبل" الى الاعتقاد بأن المثال الديموقراطي هو وحده تقريبًا الذي يقدم آفاقًا للتطور الاجتماعي في عصرنا. ومع ذلك يسأل: هل هو واقعي الى هذا الحد، خاصة في سياق العولمة؟ هذا لا ينفي حقيقة ان ثمة تراجعًا للديموقراطية، اذ يبدو ان هناك عودة الى بعض معالم النظام القديم، بدليل ان السلطة باتت مصادرة من قبل نخبة تتهرب، بشكل دائم وواسع، من الضرائب. كما تؤدي عولمة الاقتصاد وفقدان القوة لدى الحكومات الوطنية تجاه المصالح المالية، وهيمنة الفكر الواحد الذي يرى في المنافسة واقتصاد السوق حلاً لكل المشاكل، الى تقليص هوامش الاستقلالية لدى المواطن العادي بشكل مستمر. ويستنتج المؤلف بأننا نتجه الى عالم تصبح السياسة الوطنية فيه مسألة تسويق، بما انه لم يعد هناك قرار جدي يتخذ على هذا الصعيد، اضافة الى استحواذ النخبة الاقتصادية العالمية على السلطة الحقيقية بذريعة ان نظام المنافسة يعطيها حقاً طبيعياً في ادارة النظام السياسي. يتضمن الكتاب الفصول الاتية: اعادة تأسيس المساواة، تعميق الديموقراطية، تدجين المقايضة، الخلاصة. يقع الكتاب في 103 صفحات من القطع الكبير.