خلال اجتماع سابق لمجلس الوزراء، عرض الدكتور محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري تقريرًا، نشرت الصحف أجزاء منه، حول الموقف المائي ورؤية مصر الاستراتيجية لمواجهة احتياجات البلاد من المياه، حيث أكد أن الرؤية الاستراتيجية تهدف إلى تدبير حوالي 10 مليارات متر مكعب من المياه حتى عام 2030م، من خلال ترشيد الإستهلاك وإعادة تدوير ومعالجة المياه، وإضافة كميات إلى الموارد المائية من خلال التحلية، وهذه الاستراتيجية تتضمن وضع الخطة التنفيذية للسنوات الثلاث القادمة 2017/2019 لتنفيذ المشروعات ذات الأولوية من خلال الوزارات المعنية لتحقيق أقصى وفر ممكن من المياه في تلك الفترة. وما لم يذكره الوزبر في تقريره، أن الصراع على المياه ربما يؤدي - في المستقبل - إلى نشوب حرب محتملة بين دول المنطقة، وفقًا لتقرير صدر عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، دق ناقوس خطر مرشحًا مناطق لصدامٍ عسكري مسّلح مرتقب بين دولها، بسبب شح المياه، وجاءت الدول المشتركة في حوض نهر النيل مصر والسودان وإثيوبيا وكينيا وزائير وبوروندي وتنزانيا وراوندا، في مقدمة المناطق المرشحة للصراع بحسب التقرير، لأن المياه من العوامل المهمة لتطور حضارة الإنسان وبقائها، ونظرًا لطبيعة العلاقات التي تسود بين دول الجوار عادة، فقد ارتبط العامل المائي بالبعد السياسي، وأضحى يوظف لخدمة الأهداف والنفوذ والمصالح المختلفة. والحقيقة أننا تأخرنا كثيرًا في الانتباه لقضيتي شح المياه وسدود النهضة، وعلاجهما واتخاذ الاحتياطات لهما، ولم ننتبه إليهما إلا بعدما «بلغ السيل الزبي» - كما يقول المثل العربي القديم – بقيام أثيوبيا بالبدء في إنشاء مجموعة سدود «النهضة»، بالمخالفة للاتفاقات الدولية الموقعة أعوام 1891م، و1902م، 1929م، 1959م، 1993م، و1997م، فضلاً على قواعد هلسنكي المفسرة لحقوق المياه بين البلدان المشتركة في مصادرها ومصباتها. والمعروف أن الاتفاقات سالفة أعطت لمصر حصة من مياه النيل مقدارها 55،5 مليار متر مكعب، وهي حصة ثابتة منذ عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، برغم تزايد عدد سكانها من 20 مليون نسمة – آنذاك - إلى 90 مليونًا اليوم، ويضاف إلى هذه الكمية 4،5 مليار متر مكعب من الآبار الجوفية العميقة، ومن هذه ال 60 مليارًا يتكون رصيد مصر المائي وهو رصيد فقير للغاية، حيث لا يتجاوز متوسط نصيب الفرد منه 650 مترًا مكعبًا سنويًا حاليًا، وتشير الدراسات إلى أنه سيهبط بحلول عام 2050م إلى 350 مترًا مكعبًا، فيما يقدر المتوسط العالمي نصيب الفرد وفقًا لخط الفقر المائي بنحو 1000 متر مكعب سنويًا. نستخلص من ذلك أنه حتى ولو لم يتأثر نصيبنا من ماء النيل بإنشاء السدود الأثيوبية، وبقيت حصتنا على وضعها الحالي، فإنها لن تكفينا مع استمرار الزيادة السكانية، وتضاعف عدد السكان كل 20 عامًا، الأمر الذي يمثل خللًا في التوازن بين الموارد المائية المتجددة والمتاحة والطلب المتزايد عليها، فالعجز في الموارد المائية يتزايد عامًا بعد آخر، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى إعاقة التنمية، فالاحتياجات تفوق الموارد المتجددة والمتاحة، وأول ما ينبغي البدء به هو ترشيد استخدامنا للمياه عبر التوعية والرقابة، والبحث عن مصادر بديلة فلا غنى لواحدة عن الأخرى، ووضع حلول عملية وعلمية للحيلولة دون تسرب فاقد من مياه النيل للبحر الأبيض المتوسط، كما يجب البدء بسرعة في بناء محطات لتنقية مياه المجاري، لاستخدامها بديلة لمياه النيل في ري الحقول والمزارع، والتوسع في الأبحاث الخاصة بالطاقة الشمسية، للاستفادة من هذه الطاقة المتوفرة في إدارة محطات لتحلية مياه البحر، لوفرة هذه المياه التي تشكل 94% من مياه الكرة الأرضية. لمزيد من مقالات أسامة الالفى