وكيل مجلس النواب : ممارسة الرئيس لحقه في الاعتراض على مواد ب«الاجراءات الجنائية» تجسيد لنهج سياسي قائم على الانحياز لدولة القانون    السفير الفرنسي: لا نفرض مشروعات على مصر بل نستجيب لأولويات الحكومة واحتياجاتها التنموية    الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي تسجل 17.9 مليار دولار بنهاية أغسطس الماضي    محافظة الجيزة: قطع مياه الشرب عن منطقة بشتيل – لعبة مساء الجمعة    إصابة 4 أشخاص إثر حادث طعن أمام كنيس يهودي شمال إنجلترا    750 ألف وظيفة مهددة... أمريكا تواجه أسوأ إغلاق حكومي منذ عقود    تقرير يكشف خطة فيفا لمنع تكرار غياب كبار أوروبا عن مونديال الأندية    مصرع 5 تجار مخدرات وأسلحة عقب تبادل إطلاق النيران مع الشرطة بأسوان    ضبط رجل وامرأة تخلصا من جثة رضيع نتاج علاقة غير شرعية في القليوبية    «أكتوبر الذهبي» و«عبور وانتصار» في احتفالات قطاع المسرح بأعياد النصر    بعد خروجه من القائمة.. الخطيب يتجاهل حسام غالي ويوجه رسالة ل الرباعي المستبعد    النائب أحمد عبد الجواد يتقدم باستقالته من مجلس الشيوخ    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    رئيس مجلس النواب: مصر لا تهزم وجيشها هو درعها وسيفها    الصحة بغزة: الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي أصبح خطيرا جدًا    إصابات فى حادث طعن ودهس خارج كنيس يهودي فى بريطانيا (تفاصيل)    زيلينسكي يحذر أوروبا: روسيا قادرة على انتهاك المجال الجوي «في أي مكان»    من هم شباب حركة جيل زد 212 المغربية.. وما الذي يميزهم؟    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    رئيس مجلس النواب: ذكرى أكتوبر ملحمة خالدة وروحها تتجدد في معركة البناء والتنمية    شوبير: تأجيل الإعلان عن مدرب الأهلي الجديد وارد.. وعماد النحاس يخفف الضغوط    حمادة عبد البارى يعود لمنصب رئاسة الجهاز الإدارى لفريق يد الزمالك    شوبير يكشف تطورات مفاوضات الأهلى مع المدرب الأجنبى    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    الحكومة تُحذر المتعدين على أراضى طرح النهر من غمرها بالمياه    "سحر باللبن".. مشادة سيدة و"سلفتها" تنتهى بضبطهما بعد تهديدات بأعمال الدجل    " تعليم الإسكندرية" تحقق فى مشاجرة بين أولياء أمور بمدرسة شوكت للغات    قناة السويس 2025.. عبور 661 سفينة إضافية وتقدم 3 مراكز عالميًا وزيادة الطاقة الاستيعابية ب8 سفن    القومي للسينما يعلن عن مسابقة سيناريو ضمن مشروع "جيل واعي – وطن أقوى"    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    بعد انفصال 4 سنوات.. ليلى عبداللطيف تتوقع عودة ياسمين صبري ل أحمد أبوهشيمة    "نرعاك فى مصر" تفوز بالجائزة البلاتينية للرعاية المتمركزة حول المريض    المستشار ناصر رضا عبدالقادر أمينًا عامًا جديدًا لمجلس الدولة    "مدبولي" يُوجه بتعزيز آليات رصد الاستغاثات الطبية مع تقديم أفضل استجابة ممكنة بشأنها    حقيقة انتشار فيروس HFMD في المدراس.. وزارة الصحة تكشف التفاصيل    إنقاذ حياة طفلين رضيعين ابتلعا لب وسودانى بمستشفى الأطفال التخصصى ببنها    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    رئيس الوزراء: الصحة والتعليم و"حياة كريمة" فى صدارة أولويات عمل الحكومة    مبابي يقود قائمة يويفا.. وصراع شرس مع هالاند وهويلوند على لاعب الأسبوع    مبابي ينصف جبهة حكيمي بعد تألقه اللافت أمام برشلونة    في أول عرضه.. ماجد الكدواني يتصدر إيرادات السينما بفيلم فيها إيه يعني    احتفالات قصور الثقافة بنصر أكتوبر.. 500 فعالية بالمحافظات تعكس دور الثقافة في ترسيخ الهوية المصرية    الرقابة المالية تصدر ضوابط إنشاء المنصات الرقمية لوثائق صناديق الملكية الخاصة    مفهوم "الانتماء والأمن القومي" في مناقشات ملتقى شباب المحافظات الحدودية بالفيوم    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    حقيقة فتح مفيض توشكى والواحات لتصريف مياه سد النهضة.. توضيح من خبير جيولوجي    أرتيتا: جيوكيريس يتحسن باستمرار حتى وإن لم يسجل    الداخلية تكتب فصلًا جديدًا فى معركة حماية الوطن سقوط إمبراطوريات السموم بالقاهرة والجيزة والبحيرة والإسكندرية    الداخلية تضبط 100 حالة تعاطٍ للمخدرات وقرابة 100 ألف مخالفة مرورية في 24 ساعة    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 فى المنيا    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    ترامب يقرر اعتبار أي هجوم على قطر هجومًا على أمريكا    البابا تواضروس الثاني يترأس قداس تدشين كاتدرائية الأنبا أنطونيوس والأرشيدياكون حبيب جرجس بأسيوط الجديدة    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر والموت عطشا!!
نشر في صباح الخير يوم 03 - 01 - 2012

هل يمكن أن يأتى اليوم الذى تموت فيه مصر عطشا ؟! هل مصر معرضة لضربة قاسية ومؤثرة بأسلحة المناخ ؟! هل التغيرات المناخية بأيدى العلماء وبفعل قوى الشر فى العالم ممكن أن تنشر الجفاف والمجاعة والموت، خاصة أن مصر هى ثانى دولة فى العالم تأثرا بالتغيرات المناخية ؟! هل لا مفر من دخول مصر حروب المياه ؟! وأخيرا ماذا سنفعل لو كان هناك تهديد «للأمن المائى» المصرى ؟!!
لا أحد يستطيع أن ينكر أن «الماء هو الحياة» وأن «مصر هى النيل.. والنيل هو مصر»، وبدون النيل سيتغير وجه الحياة على أرض مصر تماما، فقد شكل النيل على مدى التاريخ حياة الشعب وعقائده وعاداته، ويكفى ما حدث فى الثمانينيات من كارثة مروعة لمصر ودول حوض النيل، حيث عانى الجميع من «الجفاف الشديد» الذى استمر «8 سنوات» من «عام 9791-8891»، لدرجة وصل معها قياس تدفق النيل عند أسوان إلى أسوأ حالاته نحو «24 مليار متر مكعب فقط» فى عامى «3891 - 4891»، وفى يوليو «8891» اضطرت مصر إلى سحب «01 مليارات متر مكعب» من المخزون الاستراتيجى، وهو أدنى منسوب وصل إليه النيل خلال الثلاثين عاما الماضية، والذى هدد الاقتصاد القومى بإيقاف توليد الكهرباء من محطة السد العالى، وبلغت موجة الجفاف فى الثمانينيات درجة بالغة من السوء على مصر، حيث أثرت سلبا على الزراعة والرى والمحاصيل، والسياحة والنقل النهرى، والصناعة وغيرها، ووصلت «صدمة الجفاف» حدها الأقصى عندما أفزعت المصريين وجعلتهم يخشون من أزمة مائية قادمة ومتوقعة، وأصبح أمن المياه المصرية «قضية أمن قومى»، لدرجة لم يعد لدى المصريين أى اعتراض إذا ما أقدمت الدولة على الحرب إذا كان هناك أى تهديد لجريان النيل فى مصر
* الفقر المائى.. وحروب المناخ
هل يعلم المسئولون والسياسيون عندنا أن مصر هى «ثانى» دول العالم تأثرا بالتغيرات المناخية التى قد تكون بفعل فاعل وبأيدى العلماء، حيث أكد تقرير بريطانى صدر حديثا عن مركز «هادلى» للأرصاد الجوية بالمملكة المتحدة يحذر من الاحترار وارتفاع درجة الحرارة على نطاق واسع فى مصر منذ عام 1960 التى وصلت إلى أسوأ موجاتها فى عام 2007، وكشف التقرير عن أن درجة الحرارة سوف تستمر فى الزيادة بمقدار من «3-5 درجات» حتى عام 2100، وسوف تتأثر مصر بارتفاع منسوب البحر، ويتزايد الطلب على المياه بشكل يمثل تهديدا لأمن مصر المائى، وأن مياه نهر النيل سوف تتعرض للشح، كما سينخفض معدل الأمطار مستقبلا بنسبة 20٪، وبسبب هذا الفقر المائى سوف تتأثر المحاصيل الثلاثة الغذائية الأولى فى مصر وهى «القمح - الأرز- الذرة»، ويحذر التقرير البريطانى لمركز «هادلى» للأرصاد الجوية مما شهدته مصر فى السنوات العشر الأخيرة من ظواهر مناخية غامضة وغير عادية كارتفاع درجة الحرارة وازدياد الليالى الدافئة وانخفاض الليالى الباردة هذا غير العواصف الشديدة والزلازل وموجات الجفاف والسيول المدمرة واضطراب الطقس والمناخ.
أكدت دراسة بالغة الخطورة قامت بها منظمة اليونسكو للأمم المتحدة وأجراها العالم «بيفرل ميج»، أن «مصر» هى دولة الصحراء الأولى فى العالم بناء على التقسيم الدولى لدول «الحزام القاحل» وقسمته الدراسة إلى ثلاثة مستويات طبقا لمعدلات سقوط الأمطار، المستوى الأول المناطق «شديدة القحولة» والأمطار بها تقل عن «100 مم» على المتر المربع سنويا، والثانى «المناطق القاحلة» والأمطار بها تقل عن «250 مم»، والثالث «المناطق شبه القاحلة» والأمطار بها تقل عن «400 مم»، المحزن أن «86٪» من الأراضى المصرية تقع تحت المستوى الأول وهو «شديد القحولة»، وأن «41٪» الباقية تقع تحت المستوى الثانى وهو «الأراضى القاحلة»، حيث إن معدل الأمطار التى تسقط على مصر سنويا لا تتجاوز «01 مم» على المتر المربع وهو أقل معدل لأى دولة فى العالم !!
* الجفاف فى مصر.. رعب المستقبل
يحذر العلماء للأسف الشديد من أن مصر وسبب العبث والتلاعب فى التغيرات المناخية وحروب المناخ، وما تتعرض له فى السنوات الأخيرة من ازدياد مستمر لمعدلات حدوث الكوارث الطبيعية المصطنعة كالزلازل والعواصف والأعاصير وموجات الجفاف والسيول وغيرها، مما يؤدى إلى التدمير والهلاك وموت الملايين من البشر، والمثير للسخرية والتعجب أنه فى أغلب الأحوال يكون الفاعل مجهولا!! وتلصق التهمة بالقضاء والقدر!! وقد أدى الانتباه إلى هذه الظاهرة إلى إنشاء العديد من المنظمات الدولية للحد من المخاطر المميتة لهذه الكوارث المناخية وإقامة قواعد البيانات والمعلومات اللازمة لذلك وأبرزها «منظمة الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث»، خاصة أن مصر من الدول شديدة التأثر بالمخاطر المباشرة للتغيرات المناخية الناتجة عن ارتفاع متوسط درجة الحرارة وارتفاع سطح البحر، ولهذا تتعرض للجفاف الشديد ولغرق الدلتا.
فى كارثة مروعة اتضحت ملامحها فى السنوات العشر الأخيرة أن «مصر» للأسف الشديد قد تجاوزت حد الفقر المائى وتعيش «أزمة المياه»، لدرجة بلغ معها نصيب المواطن المصرى من الماء حتى أصبح «تحت خط الفقر المائى»، حيث انخفضت حصة الفرد فى ماء النيل من «1000 متر مكعب سنويا» إلى «650 مترا مكعبا»، وفى تقرير خطير صدر عن مركز المعلومات ذكر أن نصيب الفرد المصرى كان «2604 أمتار مكعبة سنويا» منذ 50 عاما مضت، اليوم أصبح نصيب الفرد من المياه سنويا 860 مترا مكعبا أى أن نسبة الانخفاض بلغت 67٪، وسوف يتقلص نصيب الفرد إلى «582 مترا مكعبا» بحلول عام «2025»!! هذا فى الوقت الذى تؤكد فيه منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» أن كل إنسان يولد يحتاج إلى نحو «1000 متر مكعب من الماء سنويا»، للوفاء بجميع احتياجاته من الغذاء والشرب واستخداماته المتعددة الأخرى، وهذا هو الحد الأدنى من الاحتياج المائى لكل إنسان كما قدرته منظمة «الفاو». وكل هذا يؤكد أن أوضاع مصر المائية حرجة للغاية وتزداد سوءا بسبب التغيرات المناخية، وهو ما يحتاج من السياسيين والمسئولين فى مصر إلى تغيير جذرى فى الفكر، وإلى سياسات مختلفة تماما بسبب نسبة الفقد الكبير للغاية فى مواردنا المائية والتى قد تتجاوز «50٪» فى بعض التقديرات، وهو ما يهدد الأمن المائى المصرى ، ولأن مصر من الدول الفقيرة بالماء هى فقيرة بالضرورة فى الزراعة والصناعة والتنمية.
* الأمن المائى المصرى.. فى خطر
ذكر التقرير الرسمى الحكومى أن موارد مصر المائية المتجددة والمتاحة من نهر النيل، والمياه الجوفية والأمطار وغيرها من الموارد بلغت «64 مليار متر مكعب»، بينما احتياجات مصر الفعلية من المياه أكبر من ذلك، وأول المخاطر التى تهدد الأمن المائى المصرى هى «نقص» موارد نهر النيل حيث تشير التقديرات الأولية التى وردت بتقرير «ستيرن» الخبير الإنجليزى بالبنك الدولى، إلى التكلفة الاقتصادية المرعبة «للتغيرات المناخية» وتأثيراتها السلبية على مصر، حيث يحذر من احتمال «نقص» موارد نهر النيل نتيجة لتحرك «أحزمة المطر» من فوق الهضبة الإثيوبية والتى تمثل «85٪» من موارد مصر من النهر، والهضبة الاستوائية ،التى تمثل «15٪» من الموارد المصرية، وهذا النقص يبدأ بنسبة «76٪» وسوف يؤدى إلى كوارث مدمرة، لأن احتياجات وادى النيل الحالية تعانى من عجز قدره «9 مليارات متر مكعب» ولا تستطيع مصر أن تتحمل مزيداً من العجز، وهو ما يؤكد أهمية تدارك الإسراف فى استخدامات المياه من حيث كميتها والتركيب المحصولى المناسب لترشيدها.
ليس «نقص» موارد نهر النيل هو أهم المخاطر فقط التى تهدد الأمن المائى المصرى، بل إن هناك مخاطر أخرى عديدة منها «نقص» المياه الجوفية بدلتا النيل لأنه طالما نقصت موارد نهر النيل، فسوف ينسحب هذا النقص على المياه الجوفية، أما مياه «الخزانات الجوفية الساحلية» فسوف تزداد ملوحتها نتيجة طغيان البحر، وسوف تتعرض «الخزانات السطحية» لتبخر مياهها بسبب شدة الجفاف، ومشكلة نقص مياه «الخزانات الجوفية الصحراوية» أنها غير متجددة، والكارثة بالنسبة لخزانات المياه الأخرى هو سوء الاستخدام كإقامة بحيرات صناعية وحمامات سباحة ورى مساحات شاسعة من ملاعب الجولف وغير ذلك، والمؤسف أن ما نفعله الآن هو جريمة نكراء بكل المقاييس وهو ما يمكن أن تحدثه التغيرات المناخية من أضرار!! هذا بالإضافة إلى نقص مياه «الأمطار» نتيجة تحرك أحزمة المطر وهو للأسف ما بدأ بالفعل.
* «100 مليون نسمة».. تحدٍ مرعب يواجه مصر !
أخطر التحديات التى تواجه مصر وتهدد الأمن المائى المصرى هى «الزيادة السكانية» والتى تضاعفت نحو «5 مرات» منذ عام 1952 عندما كان عدد سكان مصر نحو «18 مليون نسمة»، الآن ونحن فى عام 2012 نقترب من «90 مليون نسمة» ورغم ذلك نصيب الفرد من المياه كما هو !! ومن المتوقع أن يبلغ عدد السكان نحو «100 مليون نسمة» فى عام 2017، والكارثة هى أن الغالبية العظمى من السكان نحو 97٪ يعيشون فى وادى النيل والدلتا على مساحة نحو «4٪ فقط» من إجمالى المساحة الكلية لمصر والتى تبلغ نحو «مليون كيلو متر مربع»، وبالطبع تتبع الزيادة السكانية زيادة فى الطلب على المسكن، وقامت الدولة بإنشاء المدن الجديدة وشجعت المحافظات على التوسع العمرانى فى الظهير الصحراوى وهو ما يحتاج إلى مرافق وعلى رأسها «المياه».. وهو ما يشكل ضغطا كبيرا على موارد مصر المائية..
من المخاطر أيضا التى أدت إلى تفاقم «أزمة المياه فى مصر» الفوضى فى إنشاء المنتجعات على طول الساحل الشمالى بلغت أكثر من «220» مدينة سياحية تضم مئات الألوف من الشقق والشاليهات والفيلات والقصور، والتوسع الهائل للاستثمارات على سواحل مصر من «مرسى مطروح» على الحدود الشمالية مع ليبيا إلى «مرسى علم» على الحدود الشرقية مع السودان وهى سواحل طولها «2200 كيلو متر»، والإنشاءات والاستثمارات تزحف على كل شواطئ مصر من الفنادق «5 نجوم» و«7 نجوم» وحمامات السباحات والبحيرات الصناعية فى الغردقة وسفاجا والقصير ومرسى علم وشرم الشيخ ودهب ونويبع وطابا، وكل ذلك يحتاج إلى رصيد مائى هائل.. فمن أين ؟!!
لم تتوقف كارثة تهديد الأمن المائى المصرى عند هذا الحد بل فوجئنا بظاهرة «السكن فى الصحراء» التى بدأت على الطرق الصحراوية مثل «طريق مصر إسكندرية الصحراوى - مصر السويس - مصر الإسماعيلية - مصر المنيا - مصر العلمين».. تجذب إليها الأغنياء ونوعية من السكان ينشدون الهدوء والبعد عن المدن المزدحمة والملوثة وحولوها إلى مستعمرات سكنية يطلق عليها «كومباوند» تحتاج إلى مد شبكات مياه تقوم بسحب واستنزاف قدر كبير من المياه من المخزون الاستراتيجى لمصر، ومن المخاطر أيضا «التوسع الزراعى» واستصلاح الأراضى وهو ما يحتاج إلى قدر كبير من المياه، حيث تستحوذ الزراعة فى مصر للأسف على النصيب الأكبر من المياه وهو «38.3٪»، وأعجبنى ما قرأته من تحذير مخيف لخبير المياه الدولى العالم الكبير د. «إبراهيم مصطفى كامل» من أن مصر تستهلك مياهها كلها فى نظام «الرى بالغمر» المتوارث من آلاف السنين وليس «الرى بالرش أو التنقيط»، ومع استمرار المنظومة المائية الحالية فإن ذلك يقودنا إلى الموت والفناء عطشا وجوعا»، أضف إلى ذلك «التوسع الصناعى» وإنشاء آلاف المصانع والمدن الصناعية والتى تستهلك بشراهة نسبة عالية من المياه وأخيرا لا ننسى سوء استخدام المياه والإسراف وعدم الترشيد وسوء الاستهلاك لدرجة أن «50٪» من المياه الصالحة للشرب تهدر يوميا !!
* مصر.. وحروب المياه
هل أدرك المسئولون والسياسيون عندنا أن «مصر» من الممكن جدا أن تخوض حروب المياه بسبب الصراعات الساخنة فى الشرق الأوسط ؟ يقول د. «رشدى سعيد» خبير المياه الدولى المعروف : «فى ظنى أن التفريط فى مياه النيل أمر غير وارد فى الوقت الحاضر، فقد أصبح موضوع «نقص المياه» معروفا لساسة مصر معرفة جيدة، ويبدو فعلا أن السياسيين أدركوا مخاطر الفقر المائى فى الشرق الأوسط، فها هو «بطرس بطرس غالى» الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق والذى حذر كثيرا عندما كان وزيرا لخارجية مصر «من أن الحرب القادمة فى الشرق الأوسط ستكون حربا على المياه»، وقال الملك حسين عاهل الأردن أنه «لا يتصور دخول بلاده حربا قادمة مع إسرائيل إلا إذا كانت حربا على المياه»، أما «ليستر براون» رئيس معهد وورلد ووتش بواشنطن فيقول : «إن حروب المستقبل سوف تنشب نتيجة لمحاولة الدول المحافظة على أمنها الغذائى».. ونحن نتساءل هل يمكن إنتاج الغذاء بدون ماء ؟! بالطبع لا !! فالماء هو عصب الحياة والتقدم والرقى وبدون ماء تنهار الحضارات.
الحقيقة المؤسفة أن هناك ثلاثة «مخاطر خارجية» تهدد الأمن المائى المصرى وهى التحديات التى تمثل «الوقود المشتعل» لدخول مصر حروب المياه، أولها هو «نهر النيل» فعلى الرغم من كونه أطول أنهار العالم «6695 كيلو متراً» فإنه من أفقرها فى موارده المائية، وترتيبه «الثامن والعشرين» ولا يزيد تصرفه المائى على «84 مليار متر مكعب» ، وهو نهرلا نظير له فى العالم فهو الذى يمد مصر بالمياه، وتبدأ رحلته من «منبعه» فى بحيرة فيكتوريا بأوغندا إلى «مصبه» بالبحر الأبيض المتوسط بالإسكندرية، وتطل عليه «9 دول أفريقية» ويعيش على ضفافه أكثر من «350 مليون نسمة»، والملفت للنظر أن نهر النيل له طبيعة مختلفة عن كل الأنهار فى العالم، فكلما جرى نحو مصبه فى مصر فقد جزءا من مياهه، وهذا يعنى أن النيل يفقد ما يحمله من مياه فى رحلته من منبعه إلى مصبه وهذا عكس أنهار العالم كلما سارت نحو مصبها ازداد ما تحمله من الماء، ولهذا للأسف يمكن أن تستخدم دول منابع الأنهار «المياه» فى فرض السيطرة والنفوذ على الدول الواقعة عند مصب النهر، وذلك بتحويل المياه أو التهديد بها أو إنشاء السدود وهو ما أثار الخوف والقلق لدى المصريين من قيام «إثيوبيا» بإنشاء سدود على النيل الأزرق والذى سيؤدى إلى تقليل جريان النيل إلى مصر وتهديد الأمن المائى الذى يقع تحت حماية القوات المسلحة التى تعتبر أن أى تهديد لأمن النيل هو تهديد للأمن الاستراتيجى لمصر، الذى يعطى الحق للقيادة العامة بإصدار الأوامر مباشرة بتدخل الجيش دون انتظار موافقة مجلس الشعب، وأصبح يتردد «لماذا لا يدمر سلاح الطيران المصرى السدود الإثيوبية بالقنابل»؟!
إسرائيل أيضا هى التهديد الثالث للأمن المائى المصرى عندما أعلنت عن نواياها ورغبتها فى الحصول على حصة من مياه النيل، وذلك تأكيدا للشعار الذى ترفعه إسرائيل بأرض الميعاد «أرض إسرائيل من النيل إلى الفرات» !! وهو شعار يتعلق بالمياه، حيث تعتمد سياسات إسرائيل فى «توطين المهاجرين» على تأمين المياه لهم بشتى الطرق من جميع جيرانها، ولاشك أن رفض مصر المتكرر لمطالب إسرائيل لاستخدام مياه النيل سوف يقود منطقة الشرق الأوسط إلى الدخول فى حروب المياه، ولا يجب أن ننسى الممارسات الإسرائيلية للسطو على مياه نهر الأردن وحرمان الأردن وسوريا وفلسطين من حقهم العادل فى المياه، والسؤال الآن ماذا نحن فاعلون أمام التهديد الإسرائيلى بالغ الخطورة على الأمن المائى المصرى ؟!
ولكن..
هل تستحق «قطرة الماء» أن تشن من أجلها الحروب ؟! نعم.. ويكفى أن نعلم أن الأمن الغذائى لمصر والأمن القومى والعسكرى يرتبط بهذه القطرة من المياه، لقد أجمع خبراء المياه فى العالم على أن «قطرة الماء» ستصبح هى السلطة الاستراتيجية المهيمنة على مستقبل دول الشرق الأوسط.. فهل نحن فى مصر منتبهون أم أننا غارقون فى القضايا العبيطة !! وإلى الأسبوع القادم بمشيئة الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.