أطلق خبراء المياه الدوليون تحذيرا من حدوث أزمة مائية كبري خلال السنوات العشر القادمة في دول شمال أفريقيا التي تضم كلا من مصر والجزائر وليبيا وموريتانيا وتونس. وذلك لكون هذه الدول أكثر دول أفريقيا فقرا في الموارد المائية المتجددة وتقع تحت خط الفقر المائي المقدر بألف متر مكعب للفرد في العام. وبالنسبة لمصر يصل نصيب الفرد من الموارد المائية نحو750 مترا مكعبا سنويا. وسوف يقل هذا النصيب تدريجيا مع زيادة السكان وزيادة النشاط الزراعي. وهذا الوضع يمثل خطرا كبيرا علي أمن مصر المائي خاصة مع ثبات حصة مصر من مياه نهر النيل والتي لا تتجاوز55,5 مليار متر مكعب سنويا, ويزيد الوضع خطورة سحب المياه الجوفية بمعدل يفوق معدل التغذية لهذه المياه مما يعجل بنفاد المخزن المائي الجوفي خاصة وأن هذا المخزن يمثل في غالبيته مياها محفوظة وليست مياها متجددة. ومن ناحية أخري تتجه إثيوبيا نحو بناء العديد من السدود علي النيل الأزرق بغرض توفير المياه لزراعة أراضي الحبشة الخصبة. وسوف يكون لذلك أثر سلبي علي حصة مصر من المياه. ومما يزيد الأمر سوءا توقف العمل في مشروع قناة جونجلي لزيادة نصيب مصر من الموارد المائية وإضافة احتياجات مائية جديدة نتيجة عمل مشروع توشكي الذي يستهلك10% من الحصة المقررة لمصر من مياه نهر النيل. ويضاف إلي ذلك ميلاد دولة جنوب السودان وانضمامها إلي محور دول المنبع, بحوض نهر النيل وهي إثيوبيا وأوغندا وعلاوة علي دعيم مطالب هذا المحور بشأن إعادة توزيع المياه فيما بينها علي حساب دولتي الممر والمصب السودان ومصر. لذلك يجب أن تتحرك مصر لمواجهة هذه الأزمة المستقبلية ويتم ذلك علي عدة محاور: أولا تكثيف العمل الدبلوماسي حتي تقوم حكومة جنوب السودان الجديدة بالاعتراف بحصة مصر التاريخية في مياه نهر النيل والالتزام بالاتفاقيات المبرمة بين مصر والسودان بشأن مشروع قناة جونجلي, وكذلك إعادة رسم توجهات السياسة الخارجية المصرية لتعميق التعاون بين مصر والسودان في المجال الاقتصادي والمشروعات الصناعية والزراعية وكذلك تعميق الوجود المصري السياسي والاقتصادي في دول القارة الافريقية بصفة عامة ودول حوض نهر النيل بصفة خاصة, وذلك من خلال إقامة المشروعات المشتركة وتبادل الخبرات العلمية والفنية وإقامة جسور التبادل الثقافي مع شعوب تلك الدول. أما المحور الثاني فيتركز في زيادة الموارد المائية عن طريق إحياء مشروع قناة جونجلي لزيادة حصة مصر من الموارد المائية, وإقامة مشروعات لتحلية مياه البحر علي سواحل مصر الممتدة في البحر الأحمر شرقا والبحر الأبيض المتوسط شمالا وغربا وذلك بإقامة محطات تحلية عملاقة تغذي هذه المناطق. وبجانب تحلية مياه البحر لزيادة الموارد المائية يمكن تخزين مياه الأمطار خاصة أن ما يسقط علي مصر سنويا من مياه الأمطار يقدر بنحو15 مليار متر مكعب ويمكن أن يتم ذلك بإقامة السدود والخزانات الأرضية والبحيرات الصناعية خاصة في منطقتي شمال غرب الدلتا وشمال شرق سيناء. واستخدام هذه المياه في ري الأراضي المستصلحة بهذه المناطق. أما المحور الثالث فيتعلق بترشيد استخدام الموارد المائية المتاحة والحفاظ عليها ويشمل ذلك إعادة استخدام الماء المعالج بحيث يقتصر ذلك علي الاراضي الزراعية. وتطوير طرق الري من خلال التوسع في الري بالرش والتنقيط واستنباط سلالات جديدة من المحاصيل قليلة الاستخدام للمياه. إن نهر النيل هو شريان الحياة الرئيسي لمصر وأن أمن مصر المائي والقومي يستمد من مياه نهر النيل حيث تحصل مصر علي90-95% من الاحتياجات المائية من هذا النهر. وفي ظل هذا الوضع المائي لمصر والأزمة المائية المرتقبة في السنوات القادمة لابد من أخذ الأمن المائي المصري بعين الاعتبار ووضع استراتيجية لإعادة صياغة منظومة المياه في مصر بحيث تأتي منظومة متكاملة تحافظ علي المصادر المائية القائمة وتعمل علي تنميتها وترشد الاستخدام الحالي للمياه باستحداث وسائل جديدة متطورة تكنولوجيا مع توعية المواطنين لحسن استخدام المياه والحفاظ عليها. إن أمن مصر المائي جزء لا يتجزأ من أمنها القومي, وأمامنا الآن الفرصة كاملة لإعادة صياغة هذه المنظومة المائية ووضع الاستراتيجية اللازمة لتحقيق هذا الأمن في ظل محدودية الموارد المائية والزيادة المضطردة في عدد السكان, ولذلك أدعو إلي عقد مؤتمر قومي للمياه تكون مهمته الأساسية وضع التصور الشامل لهذه المنظومة وبرنامج متكامل لمواجهة الازمة المائية المرتقبة ويدعي إلي هذا المؤتمر جميع الخبراء والمتخصصين في مجال الموارد المائية وكذلك القوي السياسية والأحزاب باعتبارها قضية أمن قومي ومسئولية وطنية علينا جميعا أن نتحملها.