مع تصاعد حدة الخلافات بين دول منابع حوض النيل من جانب, وكل من مصر والسودان من جانب اخر خلال الآونة الأخيرة, وتزايد مطالبات هذه الدول بإعادة توزيع حصص مياه النيل ثار جدل كبير حول العوامل التي دفعت دول المنابع إلي توقيع الاتفاق الاطاري للتعاون المائي في حوض النيل( اتفاق عنتيبي) في14 مايو2010 م, من قبل اربع دول هي اثيوبيا واوغندا, وتزانيا, ورواندا وانضمت إليها كينيا فيما بعد, وعن اثر انفصال الجنوب السوداني علي حصة مصر من مياه النيل, ومدي صحة ما تناولته بعض وسائل الإعلام بخصوص قيام خمس من دول منابع النيل بالاتفاق علي اقتسام15 مليار متر مكعب من حصة مصر في مياه النيل علما بان ذلك ان صح فهو اجراء احادي الجانب ويتعارض مع القانون الدولي ولابد من اتخاذ موقف مصري تجاهه, وما حقيقة الشائعات الخاصة بقيام اثيوبيا بانشاء س(د بوردر) علي الحدود الاثيوبية السودانية بتمويل من الحكومة الايطالية, وما تقوم به شركة سيني الايطالية بنقل معداتها لموقع انشاء السد الواقع علي بعد45 كيلو مترا من الحدود وذلك حتي يمكن اتخاذ الإجراءات المناسبة للحفاظ علي حقوق مصر المائية وفقا للقانون الدولي وتحديد الخطوات التي تقوم بها وزارة الخارجية لحماية هذه الحقوق, وفرض ذلك التساؤل حول دوافع هذه الخطوة واثرها علي مستقبل التعاون بين دول حوض النيل؟ اجرينا هذا الحوار مع الدكتور هشام عمر احمد الشافعي خبير القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة عين شمس الذي قال: في الحقيقة المياه هي القضية الاساسية المطروحة حاليا علي الساحة في منطقة حوض نهر النيل حيث تتزامن مع انفصال الجنوب عن الشمال السوداني, كما انه من المعروف ان هناك نزاعا قائم بين دول المنبع من جانب وبين دول المصب مصر والسودان من جانب آخر, وان هناك رفضا من دول المنبع لما تم توقيعه من اتفاقات سابقة بخصوص مياه نهر النيل والمطالبة بتقسيم المياه بين دول الحوض علي اساس جديدة, والاجابة عن هذا التساؤل المطروح تفرض ضرورة طرح وتحليل التباين الواضح ووجهات النظر بين جانبين, احدهما يمثل مصر والسودان, والآخر يمثل دول المنبع, ورغم الامال التي احاطت بتصور كل طرف في تغليب رؤيته علي الطرف الآخر, فلم يستطع الطرفان التوصل إلي صيغ وسطية وتوافقية, لاسيما للقضايا الخلافية الثلاث التي ترتبط بالأمن المائي في مفهومه وعلاقته بالمعاهدات والاتفاقيات أكثر من13 اتفاقية منذ1891 م وحتي الآن) التي تعطي مصر والسودان حقوقا تاريخية ومكتسبة فيما يتعلق بحصص المياه وعدم الاضرار بهذه الحصص, وتدعي دول المنبع انها كانت مغيبة عن تلك الاتفاقات التي وضعتها الدول الاستعمارية نيابة عنها, وانها بحاجة إلي كميات اضافية من المياه لمواجهة احتياجاتها التنموية, والزيادة السكانية فيها, ووصل الأمر إلي حد المطالبة باعتبار المياه سلعة تماثل النفط, ومطالبة مصر والسودان بدفع ثمن ما تستخدمانه من مياه النيل, ولكن يغيب عنهم ان مبدأ التوارث الدولي في المعاهدات الدولية يقر انسحاب أثر مثل هذا النوع من المعاهدات من الدولة السلف إلي الدولة الخلف. واخيرا القضية الخلافية المتعلقة بالتصويت فيما بين دول حوض النيل, وطرح مصر للاجماع أو الاغلبية المشروطة التي تتضمن مصر والسودان كقاعدة للتصويت علي المشاريع, في حين تتبني دول المنبع طرح الاغلبية غير المشروطة. ويستطرد الدكتور هشام الشافعي قائلا ان المأزق الراهن الذي فرضه توقيع اتفاق عنتيبي يشير إلي أهمية البحث عن مخرج سياسي في إطاره الواسع, وان يحمل في جوانبه صفقة متكاملة الأهداف تتجاوز قضية المياه إلي قضية التنمية, وتتجاوز قضية الأمن المائي إلي قضية الأمن الغذائي, علي ان يأخذ في الاعتبار المستجدات والمتغيرات الاقليمية التي فرضت علي منطقة حوض النيل ان تكون منطقة مليئة بالصراعات وعوامل عدم الاستقرار الداخلي, وتعاني ايضا من عوامل الاختراق والتنافس الدولي, وهو ما يتطلب الاستمرار في المفاوضات, وطرح آلية مفوضية عليا لبحث القضايا الخلافية بالاضافة إلي تجاوز محاولات التوصل إلي اتفاق مائي إلي اتفاق تعاون وتكامل في مجالات من شأنها ان تراعي توازن المصالح والاحتياجات المتبادلة من خلال تعزيز متطلبات الأمن الانساني داخل دول المنبع ووضعها في إطار استراتيجي وعدم قصرها علي التعاون الفني. اما عن تأثير انفصال الجنوب السوداني علي حصة مصر والسودان من مياه النيل مستقبلا, فقال إن مصر هي الأكثر تضررا من سيناريو انفصال جنوب السودان عن شماله, فمن الناحية القانونية ليس هناك اي مخاوف علي الحصص التي حددتها الاتفاقيات الثنائية وبالاخص اتفاقية عام1959 المقوقعة بين مصر والسودان التي تنظم هذا الأمر ولكن علي أرض الواقع بالتأكيد الدولة الوليدة ستكون بحكم الانتماءات العرقية والدينية اقرب إلي دول المنبع وهذا لايضير طالما ان هذا لايؤثر علي مصالح مصر والسودان ولكننا في نفس الوقت امام اشكاليتين الأولي في البند الخامس من الفقرة الثانية في اتفاقية1959 التي تعترف بحق الدول الشاطئية الجديدة في حصة من المياه وان يبحث هذا الأمر مصر والسودان ويتفقا علي رأي معين يحدد هذا النصيب من المياه بشرط ان يقتطع من حصة الدولتين وفي هذه الحالة ستكون مصر المتضرر الأكبر لانها بدأت تعاني في الاساس من نقص المياه اما السودان فلا توجد به هذه المشكلة بل علي العكس هو يعاني من وجود فائض لايستطيع استخدامه بجانب انه بحكم قرب الجنوب كما قلت من دول المنبع فسيحدث اختلال في ميزان القوي فبعد ان كان8 دول في مواجهة دولتين سيصبح هناك9 دول في مواجهة مصر والسودان. وفيما يخص حصة مصر من مياه النيل وهو الذي يشكل هاجسا لدي الكثيرين فلا اعتقد ان الانفصال سيمثل تهديدا علي الاقل في الوقت الحالي لاسباب عديدة يأتي علي رأسها ان حصة مصر من مياه النيل تتشكل من مصدرين اساسيين.. من النيل الازرق الذي ينبع من بحيرة تانا في اثيوبيا ويمر ببعض الاراضي في جنوب السودان وهذا الجزء يمثل15% فقط من حصة مصر المائية ومن ثم فهي جزء ضئيل والمصدر الثاني الذي يمثل85% يأتي من النيل الابيض الذي يقطع اراضي الجنوب بالكامل وهذا ايضا من الصعب منعه عن مصر لانه من الصعب اقامة منشآت وسدود في هذه المنطقة بغرض حجز المياه لانها منطقة مستنقعات وفي حالة حجز المياه ستغرق المنطقة بالكامل ولكن هذه العوامل لايجب ان تجعلنا نطمئن كثيرا فالخطورة كما قلت لن تكون في المستقبل القريب ولكننا يمكن ان نتعرض لتهديد في المستقبل اذا كان هذا الانفصال بداية من جانب أهل الجنوب للسيطرة علي السودان بالكامل أو وقوع مشاكل وصراعات بين الجنوب والشمال لان هذه الخلافات سيكون لها تأثير سييء علي خزانات النيل الازرق وفيما يخص المصالح الاستراتيجية لمصر في السودان وافريقيا فهذا الانفصال سيكون له تأثير سلبي بكل تأكيد عليها وسيكون بداية لصراع بين الجنوب والشمال وهو ما سيؤدي إلي سوء العلاقات العربية الافريقية التي تعاني من تراجع في الاساس, كما ان انفصال جنوب السودان وانضمامه إلي دول المنابع, سيسهل إجراء تحويلات في مجري النيل الأبيض ونهر السوباط, بما يعني امكانية وقف امداد شمال السودان ومصر بمياه النيل الازرق, في حال نشبت الحرب بين دولتي شمال السودان وجنوبه, كما ان السدود الاثيوبية علي النيل الازرق, لزراعة اراضي الحبشة ستؤثر علي نصيب مصر من مياه النيل بحجب مايقدر ب9 مليارات متر مكعب من المياه سنويا مشددا علي رفض اثيوبيا صاحبة الحق في استغلال الأمطار الموسمية,أن يكون نصيب مصر85% من مياه نهر النيل الواردة من إثيوبيا ولايكون نصيب دولة المصدر سوي1% فقط, في إشارة إلي تلميحات رئيس الوفد الإثيوبي المشارك في احد الاجتماعات في القاهرة, وأكد ايضا انه مع ارتفاع درجات الحرارة كما يتوقع العلماء بنحو4 درجات بنهاية القرن الحادي والعشرين, فإن مصر ستعاني من نقص المياه العذبة مما يهددها بالدخول تحت خطر الفقر المائيدا من الاقتراحات والتوصيات لمواجهة مخاطر نقص المياه في مصر من خلال عدة محاورات تمثل في السياسات الخارجية, مقترحا عدم اعتراف مصر بالدولة الجديدة أو إقامة علاقات دبلوماسية معها إلا بشروط أهمها ألا تتجاوز الحدود الشمالية للدولة الجديدة نهر السوباط, ومن ثم تخرج ولاية أعالي النيل من حدود الدولة الجديدة, ثم اعتراف الدولة الجديدة بالحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل, والالتزام باتفاقية نهر النيل الموقعة مع السودان عام1959, وعدم الإخلال بنصيب مصر في مياه النيل الأبيض ونهر السوباط, وكذلك أن تلتزم حكومة جنوب السودان بكل الاتفاقيات الموقعة بين مصر والسودان فيما يخص موارد النيل الأبيض, ونهر السوباط من خلال استكمال قناة جونجلي التي تهدف إلي استقطاب الفواقد من مياه النيل لصالح مصر والسودان, والذي تم بالفعل تنفيذ حفر70% منها قبل توقف العمل بسبب تدهور الأوضاع الأمنية نتيجة الحرب بين الشمال والجنوب وكذلك الشروع فورا في باقي المشروعات المائية المشتركة بين مصر والسودان وأهمها مشروع مستنقعات مشار, ومستنقعات بحر الغزال ضمن المشروعات المقترحة التي تستهدف عائدا بإجمالي18 مليار متر مكعب.كما يطالب بالتصدي لأي محاولة جديدة لتقسيم السودان باعتبارها خطا أحمر للأمن المصري القومي لايجوز اجتيازه ويقترح د. هشام الشافعي عددا من الاقتراحات لزيادة موارد مياه نهر النيل دون التأثير علي باقي دول الحوض, وذلك من خلال استكمال المشروعات المائية المشتركة المتفق عليها سابقا مع حكومة السودان ومنها قناة جونجلي ومشار وغيرهما بغرض تجميع الفاقد من مياه النيل الأبيض ونهر السوباط والتي توفر18 مليار متر مكعب من المياه. كما يقترح عددا من الطرق غير التقليدية لزيادة مصادر المياه العذبة في مصر والتي تشمل تحلية مياه البحر, علي أساس أن مصر في هذا المجال من أقل الدول العربية استغلالا لسواحلها التي تزيد علي3500 كيلو متر,من خلال بناء محطتين عملاقتين لتحلية مياه البحر شمال الصحراء الغربية بطاقة80 ألف متر مكعب يوميا لكل محطة, وفي الجزء الشرقي لمنخفص القطارة, هذا بالإضافة إلي إلزام القري السياحية علي البحر الأحمر والساحل الشمالي بإنشاء محطات تحلية بطاقة تتراح بين500 و2000 متر مكعب يوميا بما يتناسب مع مساحة القرية وعدد سكانها وخدماتها, خاصة أن هذا النوع من المحطات المحلية له عوائد اقتصادية. وطالب الدكتور هشام بتجريم استخدام المياه الطبيعية سواء مياه النيل أو المياه الجوفية في ري ملاعب الجولف وريها بمياه الصرف الصحي المعالجة علي أن يتحمل اصحاب هذه الملاعب تكلفة التنقية, كما أوصي ايضا باعادة استخدام الماء بعد تنقيته ومعالجته علي أن يقتصر استخدامه علي ري الأرض الزراعية فقط, محذرا في هذا الصدد من استخدام المياه في الشرب فمهما تمت تنقيتها تظل تحتوي علي نسب من المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية والتي تؤثر علي صحة الإنسان علي المدي البعيد وترشيد الاستخدامات المائية, علي ضرورة التنسيق مع وزارة الزراعة للحد من زراعة المحاصيل المهدرة للمياه كالأرز, وتطبيق نظم الري الحديثة في كل الأراضي الجديدة, والتوسع في مشاريع تطوير الري السطحي في أراضي الوادي والدلتا وكذا التنسيق مع وزارة الأسكان لرفع كفاءة شبكات توزيع مياه الشرب وترشيد الاستخدامات السكانية من خلال تعميم أجهزة المحافظة علي المياه, كما ندعو إلي التنسيق مع وزارة التجارة والصناعة للتوسع في وحدات التبريد الصناعية التي تعتمد علي الهواء بدلا من المياه. وشدد علي ضرورة الوصول لإدارة متقدمة للموارد المائية وايجاد الإحساس لدي مستخدمي المياه بأهمية مشاركتهم في إدارة نظم الري والصرف, وذلك برفع كفاءة منظمات مستخدمي المياه وتحسين كفاءة العاملين في مجال تنمية وإدارة الموارد المائية وزيادة الوعي الجماهيري بقضايا المياه, وأيضا تفعيل اللامركزية علي المستويات المختلفة مع وجود هيكل مؤسسي مناسب وإطار قانوني قوي يضمن تنفيذ السياسات المائية المطلوبة للفترة المقبلة. وأخيرا قال إن تحقيق الأمن المائي لبلادنا يتطلب أن نعمل جميعا علي تحقيق الخطوات السابقة لحماية مصلحة مصر وحقوقها المائية ولترشيد الاستخدامات المائية وتقليل الفاقد وتنمية موارد مائية جديدة ومواجهة ظاهرة التغيرات المناخية بالتعاون مع دول حوض النيل وتدبير الاستثمارات اللازمة لمشاريع التحلية والتوسع في الاستغلال الآمن للمياه الجوفية ولإعادة استخدام المياه في الأغراض الملائمة.