هل تعلم يا سيادة رئيس مجلس الوزراء أن وزير التعليم قد اكتشف مؤخرا أن هناك «عيال» فى المدارس لا يعرفون القراءة أو الكتابة؟ ولا ندرى ما إذا كان قد اخبرك بهذا الاكتشاف الذى سبقه إليه معظم أهل المحروسة أم لا؟ الرجل المسئول عن التعليم لم يكن يعرف هذه الحقيقة البسيطة التى تجسد حقيقة انهيار التعليم انهيارا كارثيا، وإذا كان كذلك فمتى يمكن أن يعرف كل ابعاد هذا الانهيار والسؤال ماذا سيفعل؟ هل سيواصل الحديث عن خططه وبرامجه لتطوير وتحديث التعليم وإصلاح المناهج، وبناء عشرات الآلاف من الفصول؟ أم أنه سيدير الوزارة بنفس الأسلوب الذى كان سائدا من قبل؟ طبعا هناك معلومات كثيرة فى التقارير والملفات منها النقص الهائل فى عدد الفصول بكل ما ترتب على ذلك من تكدس التلاميذ فى الفصل الواحد. وهناك أيضا تردى مستوى المدرسين والمدرسات بصورة مأساوية بجانب عدم الحصول على رواتب آدمية والمناهج المتخلفة فى معظمها. أما الملاعب والمعامل والتجهيزات الالكترونية والحواسب الآلية، فقد أصبحت من الضرورات التى لا تكتمل العملية التعليمية إلا بها. ومواجهة هذا الانهيار يتطلب موارد مالية هائلة. وعلى امتداد العقود الماضية ادرك المسئولون انهم يقفون فى مربع العجز والشلل لان الدولة لا تملك مثل هذه الموارد، لذا أمسكوا بظاهرة الدروس الخصوصية، وبدأوا جميعا عمليات مطاردة فاشلة وهذه الدروس كانوا جميعا يعلمون أن هذه الدروس عرض لمرض انهيار التعليم وسباق المجموع فى المراحل التعليمية المختلفة. ونقول إن عددا كبيرا من المدارس قد تم انشاؤها، وهناك آلاف الفصول يجرى انشاؤها حاليا، كما جرت عملية تحسين مرتبات المدرسين ولكن كل ذلك كان دون ما هو مطلوب بكثير. كان الجميع يتحدثون ويبشرون، والأدهى أنهم كانوا على بينة من أن الهدف بعيد المنال، استمرت البيانات والتصريحات والقليل من الإنجازات ولكن لم يتوقف الانهيار لأن الجميع واصلوا تمثيل أدوارهم لا تحمل مسئولياتهم. ونقطة البداية دائما هى الموارد أليس كذلك يا سيادة رئيس مجلس الوزراء؟ فهل لديك حل؟ ومن المنطقى أن أؤكد أنك تعلم حقيقة انهيار التعليم بصورة طيبة وتعلم أكثر مما نعلم، لذا نسألك أن تركز على هذه القضية، والا تتركها إلا بعد أن تتأكد أن العجلة قد دارت بالأسلوب الصحيح. وعن الموارد فإن الناس على استعداد للتضحية فيما لو تم شرح الأمر بشكل مقنع لهم، وان إلغاء المجانية فى مراحل التعليم التالية لمرحلة التعليم الأساسى التى تشمل المرحلتين الابتدائية والإعدادية سيسهم بشكل مناسب فى توفير الموارد المالية المطلوبة. أما المهيجون ومن يرفعون الشعارات ويتاجرون بالفقراء والذين يقولون دائما ان إلغاء المجانية يعنى حرمان الفقراء من التعليم وانه يفسح الطريق لابناء الأغنياء فانهم يعلمون قبل غيرهم أن الميسورين والأغنياء قد انشأوا النظم التعليمية والمدارس والجامعات الخاصة التى توفر تعليما متميزا وليس من بينهم من يرسل أولاده إلى المدارس الحكومية.ان جيلى الذى بدأ مشواره التعليمى بالعصر الملكى تلقى تعليما شديد التميز فى مدارس رائعة وعلى ايدى مدرسين مدهشين بمستواهم العلمى والمعرفى والأخلاقي. الالتحاق بالمدارس الابتدائية الحكومية (الأميرية) كان يتم بعد النجاح فى امتحان قبول فى الإملاء والحساب. أما الآن فالذين قضوا ما يقرب من ثمانى أو تسع سنوات فى مرحلتى التعليم الأساسى لا يعرفون القراءة أو الكتابة.أما المدارس الخاصة وقد كانت كثيرة فكانت مخصصة للذين لم يتمكنوا من اجتياز امتحان القبول للالتحاق بالسنة الأولى الابتدائية بالمدارس الأميرية.كانت مدرستى الابتدائية بالزقازيق تضم ملعبا لكرة القدم وآخر للسلة وثالثا للكرة الطائرة ورابعا لكرة الريشة بجانب حديقة من عدة أفدنة لدراسة فلاحة البساتين بجانب المعامل العلمية. وخلال اليوم الدراسى الطويل كانت المدرسة تقدم وجبتين الأولى افطار والثانية وجبة ساخنة للغداء.وكنا نتصور أن الحياة تعنى الوصول للأفضل ولكننا عشنا لنرى أن الأمس كان أفضل من الحاضر فى مجال التعليم الذى نتحدث عنه. لمزيد من مقالات عبده مباشر