عابدة.. زاهدة.. قانتة لله.. مُجابة الدعوة.. اجتهدت بالعبادة حتى أكرمها الله بكرامات عديدة.. هى السيدة نفيسة المكرمة الصالحة ابنة الحسن بن زيد بن سبط النبى صلى الله عليه وسلم الحسن بن على - رضى الله عنهما -، العلويّة الحسنية، صاحبة المشهد الكبير المشهور فى القاهرة. ويقع مسجد السيدة نفيسة فى طريق أهل البيت بمنطقة السيدة نفيسة المتفرع من شارع صلاح سالم والقريب من مجرى العيون. ويقول الدكتور محمود عبده نور، رئيس قسم التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر: إن السيدة نفيسة ولدت بمكة عام145 هجرية ونشأت بالمدينة وقدمت لمصر عام193 هجرية مع زوجها إسحاق المؤتمن حتى توفيت بها فى ليلة15 رمضان عام208 هجرية. وحفظت القرآن الكريم فى سن الخامسة، وحينما بلغت الثامنة من عمرها كانت تتردد على المسجد النبوى وتتلقى فيه العلوم من كبار العلماء بالمسجد النبوي، وحينما بزغت فى ذلك لقبت بنفيسة العلوم، وأضاف أنها هى بنت حسن الأنور بن سيدى زين الأبلك بن سيدنا الحسن، كما أن أبوها وجدها موجودان على مقربة منها على بعد عشرات الأمتار منها بمنطقة الجيارة وهما الاثنان فى غرفة واحدة وضريح واحد (سيدى حسن الأنور وسيدى زين الأبلك)، وعرف عنها التقوى والورع وأصبحت كريمة الدارين، فهى حفيدة الإمام الحسن، وزوجها حفيد سيدنا الحسين رضى الله عنه، وأنجبت ولدا سمى القاسم، وبنتا سميت أم كلثوم. سيدة الثورة ويذكر المؤرخ أحمد بن يوسف القرمانى فى تاريخه أن السيدة نفيسة -رضى الله عنها- قادت ثورة الناس على ابن طولون لمّا استغاثوا بها من ظلمه، وكتبت ورقة، فلما علمت بمرور موكبه خرجت إليه، فلما رآها نزل عن فرسه، فأعطته الرقعة التى كتبتها وفيها: «ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخوّلتم ففسقتم، ورُدَّت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفّاذة غير مخطئة، لا سيّما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوّعتموها، وأجساد عرّيتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنَّا إلى الله متظلِّمون، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون»! يقول القرماني: فعدل من بعدها ابن طولون لوقته. ولمَّا وفد الإمام الشافعى رضى الله عنه إلى مصر، توثقت صلته بالسيدة نفيسة، واعتاد أن يزورها وهو فى طريقه إلى حلقات درسه فى مسجد الفسطاط، وفى طريق عودته إلى داره، وكان يصلى بها التراويح فى مسجدها فى شهر رمضان، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء. وأوصى أن تصلى عليه السيدة نفيسة فى جنازته، فمرت الجنازة بدارها حين وفاته عام 204ه، وصلّت عليه إنفاذًا لوصيته. وأشار الدكتور محمود عبده نور، إلى أن قبر السيدة نفيسة هى التى قامت بحفره بيديها، وكانت تنزل فيه وتصلى كثيرا وتقرأ به القرآن وهى تبكى بكاء شديدا حتى انه عندما اشتد عليها المرض وكانت صائمة، فأحضَروا لها الطبيبَ فأمرها بالفِطر، فقالت: «واعجبًا، منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى أن ألقاه وأنا صائمة، أأفطر الآن؟! هذا لا يكون». ثم راحت تقرأ بخشوع من سورة الأنعام، حتى وصلت إلى قوله تعالى: (لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 127] فغُشى عليها. وصعدت روحها إلى باريها فى السماء. فبكاها أهل مصر، وحزنوا لموتها حزنًا شديدًا، ولقد أراد زوجها أن ينقلها إلى البقيع عند جدّها صلى الله عليه وسلم، ولكن أهل مصر تمسّكوا بها وطلبوا منه أن يدفنها عندهم فأَبَى، ولكنه رأى فى منامه الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك، فدفنها فى قبرها الذى حفرته بنفسها فى مصر.