كان العقاد صاحب نظرة خاصة لالحياة، وله فلسفة خاصة فى التعامل مع الحياة ومع الناس.. وقد كشف عن ذلك فى مقال نشر فى مجلة الهلال عام 1955 بعنوان »علمتنى الحياة« تحدث فيه عن رأيه فى الناس، هل يراهم ملائكة أم يراهم شياطين؟ فقال إنه يرى أن الناس ليسوا كلهم سواء، ففيهم الطيب والشرير، فيهم نوع تغلب عليه الأنانية، ونوع به صغار، ونوع فيه طيبة وصلاح، ولأنه يعرف أن الناس ليسوا جميعا من نوع واحد، فلا يفاجئه أن يكتشف فى صديق عيبا من العيوب، وكلما أصابه من الناس ما يكدر نفسه يقول لنفسه: وأنت أيضا فيك العيوب فلا محل للحساب أو العقاب، ولكن عندما يوجه اليه البعض نقدا لاذعا يقول لنفسه: وهل اتفق الناس جميعا من قبل على رأى واحد على إنسان أو على فكرة أو على عمل، وكل ما عليك أن ترى إن كان النقد صادقا ومخلصا فسارع الى إصلاحه، واذا كان نقدا ظالما لإرضاء حاجة فى نفس الناقد، فإنه يتجاهل النقد والناقد ويترك للزمن محو آثارهما! وفلسفته فى جوهرها أنه يحب الحياة على الرغم من متاعبها وما فيها من أذى ومن أمراض وشدائد، وحبه للحياة مرتبط بحبه للمعرفة، وعندما بلغ السبعين من عمره كتب يقول إنه مازال يحب الحياة ولكنه بحكم السن اكتسب حكمة ملخصها الصبر وترك ما لابد من تركه، وعدم المحاولة لمعرفة ما لا يفيد، وكان حادا فى المخاصمة والجدل دفاعا عن رأيه، فأصبح يواجه الخصومة بقلة المبالاة بإقناع من لا يريد الإذعان للصواب، وكان فى مرحلة الشباب يحب الحياة كعشيقة تخدعه بزينتها فأصبح فى السبعين يحبها كزوجة يعرف عيوبها وتعرف عيوبه، ويرى الحياة فى كل أحوالها خير من الموت، وعبر عن ذلكفى قصيدة من أبياتها: قالوا الحياة قشور, وقالوا «شقاء» فقلنا, إن الحياة حياة , قلنا فأين الصميم نعم، فأين النعيم؟ ففارقوا أو أقيموا وأعزب ما قاله العقاد وهو علم ارتفع بفكره ومؤلفاته الى القمة، بأنه لم يحقق ما كان يريد من الحياة والعزاء أنه ليس وحده، فإنه يرى أن لا أحد بلغ كل ما طلب، وعن عيوبه كما يراها، قال إنه يكره من صفاته أنه يحاسب نفسه ويحاسب الناس حسابا شديدا، ولولا هذه الصفة لكان قد عاش راضيا عن نفسه وعن كثيرين من الناس. وفلسفته فى الفكر والأدب، أنه يعيش بين الكتب كما يعيش الحياة بعمقها، والصورة الشائعة عنه أنه جاد وصارم ومتجهم، والحقيقة أنه يحب الضحك والمرح كسائر الناس، ويرى البعض أنه يتعالى على الناس بينما هو فى الحقيقة لا يبالغ فى التواضع وفى نفس الوقت فإنه يكره الغطرسة على خلق الله، وهو غير مبالغ فى الرقة واللين، أو عدوا مائة فى المائة، واذا هاجمه أحد فلا يرحمه حتى قال أحد الأدباء الكبار، إن من يظهر طرف السلاح للعقاد فإنه إما قاتل أو مقتول، وهو وفيّ جدا لأصدقائه فى حياتهم وبعد موتهم. ويبدو أن الصورة الشائعة عن العقاد لم تكن صحيحة، وتتلخص فلسفته فى الحياة فى عبارة قالها: إن غناك فى نفسك وقيمتك فى عملك.. وبعمله مازال حيا مع أنه رحل عنا منذ خمسين عاما. لمزيد من مقالات رجب البنا