"ليس هناك كتابا أقرأه و لا أستفيد منه شيئا جديدا ، فحتى الكتاب التافه أستفيد من قراءته ، أني تعلمت شيئا جديدا هو ما هي التفاهة ؟ و كيف يكتب الكتاب التافهون ؟ و فيم يفكرون ؟" هكذا كانت نظرية "عباس محمود العقاد" الذي جاء عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 1889 ، "عباس محمود العقا"د له عدة كتب في مجالات متنوعة، وتعتبر العبقريات أهم ما كتب "العقاد" وأشهرهم عبقرية محمد وعمر. عبقرية محمد: "إنه لنافع لمن يقدرون محمداً، وليس بنافع لمحمد أن يقدروه؛ لأنه فى عظمته الخالدة لا يضار بإنكار، ولا ينال منه بغى الجهلاء، إلا كما نال منه بغى الكفار.. وإنه لنافع للمسلم أن يقدر محمداً بالشواهد والبينات التى يراها غير المسلم، فلا يسعه إلا أن يقدرها ويجرى على مجراه فيها" هكذا يصف "العقاد" ما يحاول إثباته، وهو دحض الشائعات التي تناقلتها الألسنة، يتكلم عن النبي "محمد" وعن حياته، والأهم هو كيف كانت عبقرية "محمد" في تناول أمور حياته العسكرية والسياسية والإدارية. عبقرية عمر: يصف "العقاد" كتابه فيقول " الكتاب ليس سرداً لسيرة عمر بن الخطاب، ولا عرضاً لتاريخ عصره، وإنما هو وصف له، ودراسة لأطواره، ودلالة على خصائص عظمته، واستفادة من هذه الخصائص لعلم النفس، وعلم الأخلاق، وحقائق الحياة" هنا تتجلى عبقرية عمر في قيادة الدولة في عصر الخلافة، يوضح عقاد كيف تعامل "عمر" مع الرعية ومع العدل، وقام بالمقارنة بين عمر الجاهلي وعمر في عصر الإسلام، ليوضح المفارقات والأسرار التي تنطوي عليها شخصيته، تلك التي تميزت بالعبقرية في الإدارة والتعامل في الحياة، وساهم بحق بنقلة كبيرة في الدولة الإسلامية، ليلقي العقاد الضوء عليها. ربما المأخذ الذي أخذه النقاد هو التهويل الذي رأوه ليخلق شخصية "عمر" المثالية، تلك التي لا يشوبها شائبة. ولكن يبدو ان "العقاد" ارتبط بعمر فراى فيه الحلم، والشخص الذي يفتقد إليه عصرنا الآن. بعيد عن باقي العبقريات، كان للعقاد تجربة في كتابة السيرة الذاتية، تلك التي لم يكتبها "العقاد" اسم "عني" كما كان يود في البداية، أو باسم يتحدث عن الأيام الماضية كالأيام لطه حسين، بل اختار العقاد كلمة "أنا" تلك التي مع تعاليها توضح رؤية العقاد لنفسه، الواثقة التي لا تجد غضاضة في إعطاء نفسه حقها. أنا: يتحدث هنا "العقاد" عن نفسه، ويتكلم عن جيله، عن الكتابة، والقراءة، عن الحياة، بجانب كون الكتاب سيرة ذاتية هو يعد تأريخًا لفترة العقاد الزمانية، ويعد فلسفة العقاد ومنهاجه في الحياة. يقول العقاد في كتابه ولم أتعود أن أستعين بشيء من المنبهات التي يألفها بعض الكتاب أثناء العمل ... حتى أيام كنت أدخن .. بل لقد كنت يومئذ أترك التدخين حين أشرع في الكتابة" وعن خلاصة تجاربه عن الحياة يقول العقاد "لم يتغير حبي للحياة.. ولم تنقص رغبتي في طيباتها..ولكنني اكتسبت صبرًا على ترك ما لا بد من تركهن وعلمًا بما يفيد من السعي في تحصيل المطالب وما لا يفيد، وزادت حماستي الآن لما أعتقد من الآراء، ونقصت حدتي في المخاصمة عليها، لقلة المبالاة بااقناع من لا يذعن للرأي والدليل.. وارتفع عندي مقياس الجمالن فما كان يعجبني قبل عشر سنين لا يعجبني الآن، فلست أشتهي منه أكثر مما أطيق.. كنت أحب الحياة كعشيقة تخدعني بزينتها الكاذبة وزينتها الصادقة فأصبحت أحبها كزوجة أعرف عيوبها وتعرف عيوبي. لا أجهل ما تبديه من زينة، وما تخفيه من قباحة، إنه حب مبني على تعرف وتفهم" أما عن فلسفة "العقاد" في الحب فهو يعرف الحب بأنه " اندفاع روح إلى روح، واندفاع جسد إلى جسد، وخلاصة فلسفته أنه قضاء وقدر، فهو يرى أننا لا نحب حين نختار، ولا نختار حين نحب، وإننا مع القضاء والقدر حين نولد وحين نحب وحين نموت، لأن الحياة وفقد الحياة هي أطوار العمر التي تملك الإنسان ولا يملكها الإنسان" يحاول العقاد أن يخرج بعيدًا عن الإطار والنمطية، لهذا يحاول أن يجد اليقين بالتفكير، يبتعد عن التلقين والحفظ، ويحاول أن يجد طريقه الخاص بعقله، لذا وصفه بعض الأشخاص بالكفر وبالخروج عن الملة، ولكن "العقاد" يؤكد أنه لن يتنازل عن طريقه الذي اختاره ليصدق ويؤمن. التفكير فريضة إسلامية: يخرج "العقاد" على الجميع بهذا الكتاب، ليثبت أن الإسلام هو ما أوجب علينا التفكير، بل هو من ضمن الفرائض التي لن يكتمل إيمان المرء دونها. يكتب العقاد فيه: "بما أن الدين الاسلامي لا يعرف الكهانة ولايتوسط فيه السدانة والاحبار والعلاقة بين الخالق والمخلوق كان لازما ان يتجه الخطاب الى عقل الانسان حرا طليقا من سلطان الكهان" بل يتطرق "العقاد" أيضًا للثورة، والإيمان بمبادئ أخرى، وهل تتعارض تلك المبادئ عن الإسلام فيقول "ليس في عقيدة المسلم ما يصده عن مذهب من مذاهب الاشتراكية الصالحة . لانه ينكر احتكار الثروة في طبقة واحدة وينكر احتكار التجارة في الاسواق عامة . ويفرض على المجتمع كفالة ابنائه من العجزة والضعاف والمحرمين ويجعل حق الفرد رهينة بمصلحة الجماعة" حياة المسيح: لم يتوقف "العقاد" عند العقيدة الإسلامية فقط، بل كان التنوع هو ما يصبو إليه الكاتب الكبير منذ البداية، ليتحدث عن "حياة المسيح" ما سبق ميلاده، ودعوته، وسماته، كذلك كتب نماذج من مواعظه. ليكتب العقاد هذا الكتاب استعان بعدة مصادر مسيحية ويهودية، وبرغم ذلك جاء الكتاب في قالب مرتبط بالنظرة الإسلامية لحياة المسيح، يقرأه المسيحيون قبل المسلمون، ولا يشعر الجميع بأي غضاضة تجاه ما كتب! كتب أيضًا العقاد في نقد الأدب، لينقد أحمد شوقي، ويتهمه بعدة اتهامات أهمها سرقة الشعر، للعقاد مواقف كبرى مع شوقي، يلخصها "أنيس منصور" في كتابه "في صالون العقاد كانت لنا أيام" يكتب "أنيس" في مقدمة كتابه عن "العقاد" كان الأستاذ عباس العقاد هو العملاق والمثل الأعلى.. الهدف والطريق ... البداية والنهاية . وتحيرت قدماه بين كل عباقرة العصر الأحياء والأموات؛ ففي صالون العقاد احتشدت كل العقول والأذواق والضمائر وكل الحديد والنار والقلق والعذاب والأبهة والكبرياء وكل المعارك بين المبادئ والقيم. كتب العقاد عن الأدب الأجنبي، والمفكرين الأجانب، لم يشأ أن يتوقف على منتج وطنه فقط. ليصبح "العقاد" من أكثر الكتاب تنوعًا وثراءًا. بالرغم من ذلك فأسلوب العقاد الصعب هو ما أبعد الكثير عن كتبه، وربما نظرته المتعالية أبعدت الكثير من حوله، ولكنه يبقى الأثر، وتبقى المحاولة.