في ذكري العقاد يتداعي إلي الذهن هذه العقلية الجبارة التي أنتجت دواوينه الشعرية وعبقرياته ومؤلفاته الأخري في الفقه والأدب والسياسة، ومن هنا لم يغال الزعيم سعد زغلول عندما أطلق عليه جبار الفكر. وقد لفت نظري وأنا أقرأ كتابه (أنا) الذي يتحدث فيه عن خواطره وآرائه في مختلف مراحل العمر، حديثه عن نفسه، فهو ينفي عن نفسه أنه متكبر أو متعجرف، أو منعزل عن دنيا الناس، فالذين يقولون هذا الكلام لم يعرفوه عن قرب، وما التصق به من صفات هي مجرد إدعاءات لا تمت إلي الواقع بصلة..إنه يتحدث عن عباس العقاد كما يراه فيقول: وعباس العقاد كما أراه بالاختصار هو شيء آخر مختلف كل الاختلاف عن الشخض الذي يراه الكثيرون من الأصدقاء أو من الأعداء.. هو شخص أستغربه كل الاستغراب حين أسمعهم يصفونه أو يتحدثون عنه، حتي ليخطر لي في أكثر الأحيان أنهم يتحدثون عن إنسان لم أعرفه قط ولم ألتق به مرة في مكان. ويقول دفاعا عن نفسه ضد الاتهامات التي يحاولون أن يلصقوها به: وأقسم بكل ما يقسم به الرجل الشريف أن عباس العقاد هذا رجل لا أعرفه، ولا رأيته ولا عشت معه لحظة واحدة، ولا التقيت به في طريق، ونقيض ذلك هو الأقرب إلي الصواب.. نقيض ذلك هو رجل مفرط في التواضع ورجل مفرط في الرحمة واللين، ورجل لايعيش بين الكتب إلا لأنه يباشر الحياة، رجل لايفلت لحظة واحدة في ليله ونهاره من سلطان القلب والعاطفة، ورجل وسع شدقاه من الضحك ما يملأ مسرحا من مسارح الفكاهة في روايات شارلي شابلن جميعا. وما أجمل السياحة في عالم وفكر الأستاذ العقاد، إنه عالم رحب فسيح.. فيه مجال للفكر والتأمل والتفلسف أيضا، وفيه تجارب العمر وخبرة السنين، والحديث عن حياة العقاد وفكره ومواقفه يحتاج إلي مجلدات، ولكن من خلال إشارة أصبع يمكننا أن نقول عنه ما قيل عن المتبني: رجل ملأ الدنيا وشغل الناس. ففي حديثه عن الحب مثلا يري أن خلاصة التجارب كلها في الحب أنك لاتحب حين تختار، ولا تختار حين تحب، وأننا مع القضاء والقدر حين نولد وحين نحب وحين نموت لأن الحياة وتجديد الحياة ونقد الحياة هي أطوار العمر التي تملك الإنسان ولا يملكها الإنسان. ويلخص فلسفته في الحياة بقوله:غناك في نفسك، وقيمتك في عملك، وبواعثك أحري بالعناية من غاياتك، ولا تنتظر من الناس كثيرا. رحمه الله كان عبقريا، ومن الصعب تكرار مثل هذه الشخصية التي أثرت الحياة بكل ما يستحق الخلود.