لافتراض السيادة بناء على التاريخ وحده مخاطر. وفى حالة بحر الصين الجنوبي، جمع كل طرف من أطراف النزاع بما فيهم الفلبين الأدلة على استخدام البحر والتحكم فيه وحتى ملكيته، ولكن لأى مدى زمنى يرجع ذلك؟ لا شك أن الصينيين القدامى كان لهم نفوذ فى فترة ما فى هذه المياه، ولكن من قال إنه لم يكن هناك سواهم فى تلك الفترة أيضا؟ بالتأكيد كان لكل الشعوب المطلة على طول هذا البحر تقاليد وأنشطة بحرية مماثلة! وبالتأكيد أيضا يمكن لأى أحد أن يقوم برسم الخرائط ويظهر فيها جزرا على أنها ملك له! وهذا هو الغموض الذى جاءت من أجل توضيحه اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار، وإنه لمن دواعى القلق قول الصين فى العلن وبكل وضوح أنها لن تلتزم بنتائج تحكيم المحكمة الدائمة حتى وإن طابق الحكم مباديء فى القانون الدولى يعترف بها العالم، وهى مباديء وقعت عليها الصين نفسها كعضو فى الأممالمتحدة وعضو دائم فى مجلس الأمن وكذلك كدولة عضو فى اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار. لم يكن لجوء الفلبين للتحكيم تحت مظلة اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار مجرد حماقة، فبعد 14 عاما تقريبا من توقيع إعلان مدونة سلوك الأطراف فى بحر الصين الجنوبى فى نوفمير 2002، لم تؤت هذه المدونة حتى الآن ثمارها، وتوقفت المفاوضات الثنائية، فما كان للفلبين سوى أن تلجأ لمنظمة دولية كى توضح مستحقاتها فى بحر الصين الجنوبي. وردا على النقاط الأربع التى أثارها السفير الصيني، أذكر التالي: أولا: الاتفاقيات التى ذكرها السفير الصينى تم نسخها بقانون ترسيم (خط) الحدود الفلبينى الصادر فى عام 2009 والذى رسم حدود المجال البحرى الفلبينى بما يتفق مع اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار وتبنى القضية المنظورة حاليا أمام هيئة التحكيم على هذا الترسيم، وعلى الصعيد الآخر فإن تصرفات الصين العدوانية والأحادية الطرف محاولة منها لتغيير الواقع الحالى وفرض ترسيمها المسمى بخط التسعة مقاطع (nine-dash line) على الدول الأخرى ما زال يهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة. ثانيا : لقد قبلت محكمة التحكيم نفسها ولايتها على القضية الموضوعة أمامها وليس هناك ما هو أقوى من ذلك دليل على حسن اختيار الفلبين لآلية فض ذلك النزاع. وفى مضمار هذا التحكيم فى اتفاقية الاممالمتحدة لقانون البحار، لا يشترط مشاركة الصين لكى تتمكن المحكمة من اصدار حكمها. والتحكيم هو وسيلة سلمية مبنية على احترام القواعد والقوانين لحل النزاعات التى لا تتعارض مع اعلان السلوك أو أى اتفاقية أخرى ذات صلة، إضافة لما سبق، فإن إجراءات التحكيم ومدونة الأخلاق يسيران بالتوازى والفلبين ملتزمة بكليهما. ثالثا : الأسئلة التى تطلب المحكمة الإجابة عليها هى بحرية بطبيعتها وليست اقليمية أو حدودية على سبيل المثال من المتوقع أن تحدد ما الأقاليم البحرية التى تكونها بعض الملامح فى بحر الصين الجنوبى (بالتحديد بحر الفلبين الغربى أو الجزء من بحر الصين الجنوبى والواقع فى مدى المنطقة الإقتصادية الحصرية للفلبين والتى تبلغ 200 ميل بحرى وفقا لاتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار. رابعا: كما سيق القول، فإن خروج الصين من التحكيم لا يعيق المحكمة عن إصدار حكمها. كما أن القرارات الصادرة عن محاكم التحكيم ملزمة وتعتبر مصدر من مصادر القانون الدولى لا سيما ما يتعلق بتفسير الإتفاقيات الدولية مثل اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار. لا ينبغى تفسير اللجوء للتحكيم على أنه عمل عدائى بل إنه آلية قانونية شفافة لحل النزاعات حيث تؤمن الفلبين بأن سيادة القانون هى أساس الأمن والاستقرار فى عالمنا. إذن، هل للصين الحق فى عدم القبول بنتائج التحكيم؟ ربما، لكن هل ينبغى عليها فعل ذلك؟ هل تستطيع الصين وهى دولة ذات ثقل اقتصادى وسياسى كبيرين أن تخرق القانون بكل بساطة لمجرد أن الحكم ليس فى صالحها؟ أعتقد لا. إن نتائج التحكيم تمثل فرصة سانحة للصين كى تثبت للعالم مدى التزامها بالقواعد والقانون. من الجدير بالملاحظة، أننا نستطيع أن نرى المصدر الحقيقى للتوتر ومن هو المعتدى الحقيقي. إن بناء الصين على الجزر واستصلاح الأراضى والأنشطة المعمارية والمناورات الجوية كلها تعوق حركة الملاحة الجوية. كما قام الصيادون الصينيون المدعومون من قبل الحكومة الصينية بمضايقة الصيادين الفلبينين ونهب الحياة البحرية فى المياة الإقليمية الفلبينية عدة مرات فى السنوات الأخيرة. هذه المضايقات لا تعانى منها الفلبين وحدها بل يعانى منها عدة دول أخرى من المطالبين بحقوقهم فى بحر الصين الجنوبى إذ تنشأ النزاعات عندما يتم خرق القانون وليس عندما يتم الالتزام به. أخيرا: هذا ليس أول مقال ينشره سفير صينى فى صحيفة أجنبية فى حملتهم الدفاعية. وتقوم الصين بحملة دعائية تنشر من خلالها معلومات مغلوطة استباقا لحكم المحكمة حيث ظهرت مقالات مشابهة فى صحف أخرى على مستوى العالم. وهذا يظهر للعالم جليا أى الأطراف يشعر بالحاجة إلى الدفاع عن نفسه فى محكمة الرأى العام الدولية وأى الأطراف يلتزم بحكمة محكمة القانون. من الواضح أن الصين تعيش حالة من الرعب لأن الحق مر! هذا المقال ردا على مقال سفير الصين فى مصر الذى نشره "الأهرام" يوم 10 يونيو الحالى حول النزاع فى بحر الصين الجنوبي.