رسالة صنعاء: إبراهيم العشماوي: علي وقع صدمة مفجعة عاش اليمنيون أجواء الاحتفال بمرور22 عاما علي إعادة تحقيق الوحدة بين شطري بلادهم فكان الانفجار الكبير في ميدان السبعين من قبل انتحاري من تنظيم القاعدة أسقط100 جندي قتيلا و300 جرحي. . وبينما تواصل أجهزة الأمن اليمنية جهودها لكشف ملابسات الحادث الأكثر دموية منذ سنوات ومعرفة الكيفية التي نجحت بها القاعدة في اختراق الجيش والأمن وتجاوز حواجز التفتيش, يعرب الخبراء عن خشيتهم من احتمال تكرار عمليات تفجير مشابهة لما حدث في صنعاء خاصة وأنه وقع بالفعل من القاعدة ضد تجمعات للحوثيين في محافظة الجوف. وكالعادة تبادل فرقاء العمل السياسي الاتهامات عن المسئولية عن الحادث, فبينما روج أنصار الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح لمقولة أن الانتحاري ينتمي إلي الإخوان المسلمين وأنه حكم عليه بالسجن في وقت سابق وخرج بوساطة اللواء المنشق علي محسن, سارعت أطراف محسوبة علي القيادات العسكرية المنشقة عن الجيش باتهام صالح نفسه وأقاربه بالتخطيط للعملية وتقديم الدعم اللوجستي للمنفذين لإفشال حفل الوحدة الذي يتم لأول مرة دون صالح. ووسط كل ذلك تطالب كل الفعاليات السياسية والحزبية اليمنية بفتح تحقيق واسع وشفاف لكشف كل المتورطين في العملية الإرهابية. ويري مراقبون في صنعاء أن تفجير السبعين رسالة واضحة من تنظيم القاعدة بأنه لايزال قادرا علي العمل وسط كل المصاعب والضغوط التي تواجهه, وأنه قادر بالفعل علي نقل عملياته من جنوب اليمن حيث أستطاع الجيش اليمني استعادة مناطق حيوية كانت تخضع لنفوذه مثل لودر وزنجبار ومودية بمحافظة أبين, وبالتالي فقد نجح في تخفيف الضغط علي عناصره وفتح جبهات جديدة كانت العاصمة اليمنية نفسها مسرحا لها. ويضيف المراقبون بأن عملية صنعاء رغم مأساوياتها وفداحة الخسائر بها, إلا أنها ربما تكون مفيدة في تسريع وتيرة توحيد الجيش والأجهزة الأمنية المشتتة بفعل تعدد الولاءات الأسرية والسياسية مما سهل نفاذ القاعدة في أوساطها دون صعوبة حقيقية. وتري الأوساط السياسية اليمنية أنه وإن كانت القاعدة كسبت جولة في معركتها مع الحكومة اليمنية إلا أنها خسرت أي تعاطف شعبي وستضعف صورتها عند الشباب اليمني خاصة وقد صوبت سلاحها إلي صدور أبرياء وليس إلي مصالح أمريكا كما زعمت مرارا, كما أن عملية صنعاء ستفيد كثيرا في استعجال الدعم الدولي لليمن لمكافحة الإرهاب والتخفيف من الفقر والبطالة والذي ناقشه مؤتمر أصدقاء اليمن في الرياض. وتأتي عملية صنعاء ردا علي التطورات المتلاحقة في محافظة أبين الجنوبية حيث تدور رحي المعارك الضارية بين القاعدة من جهة, وقوات الجيش والأمن واللجان الشعبية المساندة لهما من جهة أخري, وهو ما كان أشاع أملا كبيرا وثقة في إمكانية دحر تنظيم القاعدة المتخفي تحت اسم جماعة أنصار الشريعة والذي كان المستفيد الأول من حالة الفوضي التي سادت البلاد العام الماضي أثناء انشغالها بمعالجة الاضطرابات أو الثورة الأزمة كما يحب أن يطلق عليها كثير من السياسيين اليمنيين. تنظيم القاعدة تقهقر من المناطق الحيوية التي يتجمع فيها في بعض مديريات محافظة أبين الجنوبية وخاصة زنجبار ولودر والوضيع ومودية تحت ضغط الهجوم العسكري الشديد للجيش اليمني علي مدار خمسة أسابيع, كما سقطت عناصره المسلحة ما بين قتيل وجريح أو هارب إلي الخلف باتجاه صحراء حضرموت. هي المعركة الأولي إذن التي يمكن للجيش اليمني أن يتباهي بالنصر فيها علي مسلحي القاعدة في مواجهات مختلفة عن الماضي القريب الذي كان القتال فيه عبارة عن عمليات نوعية لتفجير مراكز الشرطة واغتيال قيادات الجيش والأمن إلي استهداف الأجانب بالخطف أو القتل, حتي إلي المواجهة المباشرة علي أرض وجبال يسيطر عليها فعليا منذ بضعة شهور وأعلن إنها إمارات إسلامية علي طريقة نموذج شباب الصومال. ويري الخبير العسكري أحمد حسن الباخشي وهو عميد متقاعد في الجيش اليمني أن العد التنازلي لانهيار صفوف القاعدة بدأ منذ استعادة قوات الجيش الأسبوع الماضي جبل شريان, ويحذر من عودة القاعدة لاستخدام اسلوب العمليات الخاطفة, وهو ماينبغي علي قوات الجيش وأعضاء اللجان الشعبية وكافة قطاعات المجتمع التنبه له, خصوصا بعد تضييق الوحدات العسكرية الخناق علي عناصر التنظيم. وتري الفعاليات السياسية اليمنية أن نجاح الجيش اليمني في مواجهات أبين سيعكس علي بقية مكونات المشهد اليمني وأبرزها تأكيد هيبة الدولة التي كانت مبعثرة ومضطربة ومرتبكة وسيعزز قدرتها علي ترسيخ الأمن والاستقرار وفرض قوتها علي بقية الأطراف المناوئة للدولة المركزية وخاصة الحوثيين في الشمال. ويعتقد علي سيف حسن رئيس مركز التنمية السياسية فيري أن القاعدة تبدو وكأنها تحقق في اليمن إنجازات, ولكنها إنجازات تكتيكية لأنه علي المستوي الدولي خسرت في أفغانستان والعراق والسعودية وفي المغرب. ولأمر ما يتجمعون وإختاروا هذه البقعة من أرض اليمن وكأنهم يتجمعون بحيث يصبحون أمام مرمي النيران الأمريكية المنطلقة من البوارج الحربية علي الساحل, لكن علي المستوي الإستراتيجي القاعدة تخسر. ومع اشتداد معركة كسر العظم بين الجيش اليمني والقاعدة والتفاؤل الحذر حيال كسب الجيش اليمني المعركة علي الأرض, فإن المراقبين يرون أن القاعدة لن تنتهي من اليمن بسهولة لتعقيدات الواقع الاجتماعي والسياسي وتصادم المصالح بين الأطراف الفاعلة علي الساحة, ولكنهم يرون أيضا أن شل قدرات القاعدة قد يسهم في تسوية أرضية الملعب السياسي بشكل جيد لانطلاق حوار وطني في الفترة القريبة القادمة بدعم دولي وإقليمي ربما ينهي واحدا من أصعب الملفات الشائكة ويسهم في انفراجة إزاء بقية الملفات