تتسارع وتيرة المواجهات العنيفة في المعركة المفتوحة حاليا بين أجهزة الأمن اليمنية وتنظيم القاعدة في بعض مديريات محافظة أبين الجنوبية بشكل يمكن أن يفتح شهية المتفائلين. بقرب حسم تلك المواجهات لصالح الدولة اليمنية المصممة علي إجتثاث الإرهاب والمثقلة أصلا بالمتاعب غير أن مساحة التفاؤل ربما تتضاءل بعدما طالت الفترة الزمنية التي مر عليها عشر سنوات من مواجهة القاعدة منذ تفجير المدمرة الأمريكية كول في عدن عام2000 وحتي حرب العصابات المفتوحة الآن والتي خرج فيها التنظيم من قمقمه إلي مواجهات شرسة كبيرة مدعوما بتسهيلات توفرها بعض القبائل وعناصر الحراك الجنوبي الداعي إلي انفصال جنوب اليمن. وفي الوقت الذي تدور رحي المواجهات بشكل شبه يومي في مديريات مودية ولودر وقبلها في الحوطة بشبوة مستهدفة أفراد الأمن ونقاط الدوريات العسكرية يحرص كبار المسؤولين وعلي رأسهم الرئيس علي عبد الله صالح علي إعطاء تطمينات تقلل من حجم وتأثير عمليات القاعدة معتبرا أن الجانب الإعلامي يخلق ضجة كبيرة ولكنها تخالف الواقع. تأكيدات صالح جاءت خلال استقباله رؤساء شركات نفطية شاركت في المؤتمر الثالث للنفط والغاز والمعادن حيث رأي أن الإرهاب موجود في أمريكا وأوروبا ولكن وسائل الإعلام في بلدان العالم الثالث تضخم الأمور فما يحدث في اليمن حالات نادرة ومن قبل عناصر إرهابية محدودة والأجهزة الأمنية تتبعهم وتم القبض علي عدد منهم ويتم ملاحقة الفارين مثلما هو الحال في العديد من بلدان العالم. الأمر نفسه أكده رئيس الوزراء اليمني الدكتور علي محمد مجور والذي وصف ما تنقله وسائل الإعلام الأجنبية عن مجريات المواجهة مع القاعدة بأنه صورة مشوشة وغير واضحة فالإرهاب ظاهرة كونية وهناك معركة دولية واسعة النطاق ضد الإرهاب اليمن جزء منها مشددا علي أن الدولة تمتلك القدرة والإمكانيات اللازمة لمحاصرة الأنشطة الإرهابية واستئصالها. ودعا مجور وسائل الإعلام إلي الكف عن تكريس هذا النمط المشوش الرؤية حيال ما يجري وعدم تقديم المكافأة للعناصر الإرهابية المعزولة بتجسيم دورها وتأثيرها علي الأمن والاستقرار وعلي الثقة بالمناخ الاستثماري مؤكدا بأن الواقع أفضل بكثير مما يحاول الإعلام تكريسه في الذهن عن اليمن. تحول تكتيكي وبعيدا عن التفاؤل والتشاؤم فإن القتال الجاري في مديرية مودية بمحافظة أبين يمثل جولة ثالثة من القتال المتنقل بعد المعارك التي وقعت في لودر بأبين والحوطة بشبوة خلال أغسطس وسبتمبر الماضيين. والملاحظ أن هذه المواجهات الثلاث تعلن نمطا جديدا من القتال الذي لم يكن مألوفا لدي تنظيم القاعدة في اليمن وهو نمط يستبدل أسلوب قتال العصابات بالهجمات التفجيرية الانتحارية التي اقترنت بالقاعدة وازدهرت علي يدها في اليمن وباقي بدان العالم. وتتجلي الطريقة الجديدة في قتال القاعدة واضحة المعالم في المعارك الجارية في مودية وقبلها في الحوطة ولودر فضلا عن الهجمات الخاطفة ضد قوات الجيش وضباط الاستخبارات والأهداف العسكرية الأخري في مناطق الجنوب منذ يونيو الماضي. ودللت الأحداث الأخيرة التي كانت مديرية لودر مسرحا لها عندما خاضت قوات الأمن المعززة بقوات من خارج منطقة أبين معارك شرسة مع مقاتلي ومسلحي تنظيم القاعدة علي أن المواجهة لن تنتهي بمجرد إعلان السلطات سيطرتها علي الأوضاع في المديرية خاصة أن التنظيم أحرج السلطات بمقاومة دامية استمرت أياما سقط فيها العشرات بين قتيل وجريح معظمهم من الجنود ولا تزال المواجهات تندلع بين وقت وآخر في لودر نفسها وفي مناطق خارجها أيضا. وجاءت الأحداث الأخيرة التي شهدت فيها المناطق الجنوبية حالة من عدم الاستقرار بسبب تزايد نشاط الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال عن دولة الوحدة لتعطي أوراقا جديدة في أيدي القاعدة. ويري محللون سياسيون بصنعاء أن التطورات الأخيرة تخلف أسئلة عديدة عن اليقظة الأمنية ومدي نجاح خطة مكافحة الإرهاب وقدرة السلطات الأمنية علي رصد المتطرفين. ويعتقدون أن واشنطن خدمت القاعدة من حيث لا تعلم فالتقارير الأمريكية التي حذرت من خطورة القاعدة في اليمن والإشارة إلي أن هذه الخطورة أكبر مما يسجله التنظيم في باكستان وأفغانستان والحديث عن توجه أمريكي للتدخل المباشر لضرب القاعدة علي الأراضي اليمنية أجج مشاعر الغضب عند آلاف اليمنيين بل أعطي دفعة من التعاطف مع التنظيم جعلته يخوض معارك أبين بنوع من الشراسة مستندا إلي تبريرات مختلفة من بينها خطر التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية للبلاد. تعاطف محلي ويبرر الكاتب الصحفي اليمني أحمد الزرقة اختيار القاعدة لمحافظتي شبوة وأبين الجنوبيتين ساحة للمواجهات الأخيرة بقوله: القاعدة تستفيد من الأوضاع المتأزمة هناك ووجود الحراك الجنوبي بالإضافة إلي وجود تعاطف من القيادات المحلية في تلك المناطق البعيدة عن السيطرة الحقيقية للدولة وقد استفاد التنظيم من جغرافيا تلك المنطقة المعقدة وقد حاولت القاعدة الاندماج مع تلك المجتمعات المحلية عبر تقديم نموذج مغاير يقوم فيه أعضاء القاعدة بتسويق أنفسهم كقيادات دينية قريبة من هموم ومشاكل أبناء تلك المناطق والتحول بالقاعدة من شكله التنظيمي المعقد إلي مايشبه الحركة الاجتماعية المعبرة عن تطلعات المجتمعات المحلية والمتماهية في مطالبها المشروعة ولم تدخل في صراع مع الحراك الجنوبي أو القيادات القبلية المحلية أو حتي عناصر تنظيم الجهاد. ويؤكد الزرقة أن استهداف القاعدة للعناصر الأمنية واغتيال القيادات العسكرية والمحلية يأتي ضمن إستراتيجية للتنظيم للتأثير علي معنويات أفراد الجيش والأمن ومحاولة لتحييد أفراد الأمن وعلي وجه الخصوص أفراد الأجهزة المعنية بالعمل الاستخباراتي ويهدف أيضا للتحول من دور الفريسة إلي دور الصياد. ضعف القدرات ويري مراقبون لسير المواجهات مع القاعدة أن توجه الحكومة اليمنية إلي أوكار القاعدة تعد عملية باهظة التكاليف تستلزم أكثر من الاكتفاء الأمريكي بالإعلان عن دعم قدرات اليمن العسكرية والأمنية فالحكومة اليمنية تخوض حربا ضد أهداف خفية في بيئة معادية حيث لكل طرف في تلك المناطق أهدافه ومطالبه. ويؤكد المراقبون أن الفعل الأكثر نفعا قد يعني التسوية السياسية والاستجابة للاحتياجات التنموية لتلك المناطق وعزل تنظيم القاعدة عن البيئة الحاضنة له وتقليل الأخطاء الأمنية والعمل عبر إنشاء شراكة محلية فاعلة تستجيب لاحتياجات الناس. ولهذا فإن تكاليف حرب القاعدة أكبر من أن يستطيع اليمن تحملها طويلا بمفرده في ظل عدم المضي قدما في دعم جهود اليمن اقتصاديا في مواجهة تحدياته التنموية وإلا فإن الحكومة اليمنية معرضة للإخفاق في حربها علي القاعدة بدون غطاء إقليمي ودولي مناسب. ويطالب أكاديميون يمنيون بسرعة حلحلة الملفات السياسية العالقة واحتواء الإحتقانات المرتبطة بالحراك الجنوبي. وفي هذا السياق يربط الدكتور عبد الله الفقيه أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء بين ظهور الإرهاب والجماعات الإرهابية في اليمن وبين الصراعات السياسية مشيرا إلي أن ظهور الجماعات الإرهابية قد ارتبط إلي حد كبير بالصراعات ذات الصبغة الإيديولوجية إلا أن الصراع السياسي بشكل عام وحتي في حال غياب الاختلافات الإيديولوجية وغياب العنف في الصراع قد تزامن مع أعمال إرهابية. وقال الفقيه أنه في الوقت الذي شهدت فيه اليمن هدوءا نسبيا وتراجعا كبيرا للهجمات الإرهابية بين عامي2003 و2006 فانه يلاحظ أن التنافس الانتخابي الحاد بين الرئيس علي عبد الله صالح وفيصل بن شملان خلال انتخابات سبتمبر2006 الرئاسية قد تزامن مع فرار23 إرهابيا من سجن المخابرات في مطلع فبراير2006 ثم قيام إرهابيين في15 سبتمبر أي قبل أقل من أسبوع من يوم الاقتراع بهجومين استهدفا منشآت نفطية نتج عنهما مقتل خمسة أشخاص أربعة من الانتحاريين وحارس لإحدي المنشآت. خليجي20 وتزداد الضغوط الأمنية في اليمن ضراوة وحساسية مع إقتراب افتتاح بطولة خليجي20 والتي تستضيفها محافظتا عدن وأبين يوم22 نوفمبر القادم بمشاركة منتخبات كرة القدم في دول مجلس التعاون والعراق واليمن في الوقت الذي تزايدت عمليات القاعدة والحراك الإنفصالي والتي طالت أخيرا بعض الملاعب التي ستقام عليها البطولة مما جعل قيادات رياضية خليجية تعرب عن مخاوفها من الهاجس الأمني في تأمين البطولة من العمليات الإرهابية مطالبة بتأجيل البطولة أو نقلها من اليمن إلي دولة أخري. لكن رئيس اللجنة المنظمة وزير الشباب والرياضة اليمني حمود عباد يؤكد أن المشاركين في البطولة يحزمون حقائبهم استعدادا للوصول إلي اليمن غير آبهين بكل ما يثار من زوابع وتسريبات إعلامية حول تأجيل البطولة أو نقلها إلي دولة أخري تحت مبرر عدم جاهزية المنشآت أو بسبب ما شهدته بعض مديريات محافظتي عدن وأبين من تفجيرات وأعمال مسلحة نسب أغلبها لتنظيم القاعدة. من جهته يؤكد اللواء الركن صالح الزوعري نائب وزير الداخلية ورئيس اللجنة الأمنية العليا للبطولة إن الخطة الأمنية تم البدء في تنفيذها ميدانيا منذ الأسبوع الماضي ووفقا لذلك فقد تم توزيع30 ألف جندي باشروا أعمالهم وتسلموا ما أوكل إليهم من مهام في المواقع المخصصة لهم في مدينتي عدن وأبين. وتبقي فترة الشهر اختبارا حقيقيا لأجهزة الأمن اليمنية لتأكيد قدرتها علي تهيئة أجواء مناسبة لإقامة البطولة بل وفي تحجيم عمليات القاعدة في هذه المناطق وتحييد نشاط الحراك الجنوبي وهي تحديات لن تكون سهلة ولكنها ليست مستحيلة في ضوء ما تشهده قضية حرب صعدة حاليا من انفراجة نسبية مع الحوثيين بوصول وفد قطري للإشراف علي تنفيذ اتفاق السلام وكذلك في استعدادات الأطراف السياسية والحزبية اليمنية لإطلاق حوار سياسي شامل لإيجاد معالجات للمشاكل التي تواجه البلاد.