ربما يكون نموذج العلاقات المصرية السعودية، هو أفضل نموذج للترابط والتآخى والتماسك فى العالم العربي، إن لم يكن فى إقليم الشرق الأوسط، خاصة أن البلدين من كبريات دول الإقليم ولديهما من القوة والنفوذ ما يستطيعان به رسم ملامح المشروع العربى الضامن للسيادة واستقلال القوة والقرار العربى والحفاظ على مقتضيات الحد الأدنى من الأمن القومى العربي، فى ظل انهيارات وتشقق وخلل يضرب عواصم عربية كبري، وتدخلات إقليمية ودولية ترى لحظة الإجهاز الحقيقية على هذه الأمة قد حانت، وبالتالى صدق القول إن القاهرة والرياض جناحا الأمة اللذان فشلت على صخرة واقعهما المتماسك كل مساع ومحاولات الوهم والتجهيل عبر المسبوق لضرب أو النيل من هذه العلاقات. أعتقد أن كل هذا الطرح كان أفضل توصيف خرجت به مع كوكبة من السياسيين والمثقفين والكتاب وكبار الصحفيين فى مصر، خلال المحاضرة الغزيرة للمبدع الدكتور مصطفى الفقي، المفكر والسياسى والدبلوماسى الخارق للعادة، خلال صالون الإبداع الشهرى رياض النيل، الذى يقيمه السفير السعودى الجنسية المصرى الهوى والهوية أحمد قطان، الذى يجعل من هذا الصالون منارة فكرية يتسابق فيها المفكرون والمثقفون وأحيانا كثيرة السفراء والدبلوماسيون العرب، فى حالة فريدة من العصف الذهنى والفكرى حول عديد القضايا والتحديات التى تواجه الأمة العربية حيث كان اللقاء الأخير للدكتور الفقى اختيارا موفقا وناجحا فى إيجاد حالة فريدة من الثراء الفكري، نظرا لما يتمتع به د. مصطفى الفقي، الذى أعرفه منذ 25 عاما منذ بداية عملى محررا دبلوماسيا فى وزارة الخارجية، من قوة بصيرة ورجاحة العقل والفكر وصواب الرؤية وامتلاكه الخطاب الثقافى والسياسي، واستراتيجية الدفاع والاقناع لكل أفكاره وقناعاته باعتباره كان الاستثنائى الذى يملك المشروع والرؤية فى آن واحد، حيث لم يركن رغم كل الظلم والتجاوز ومنطق الإزاحة الذى تعرض له فى مسيرته السياسية والدبلوماسية، وأدواره وعطاءاته التى كنت أعرف بعضها عن قرب بحكم عملى الصحفى واقترابى منه فى لحظات كثيرة، لم ينكسر أو يتراجع، بل على العكس قبل وواجه التحدى وطور دوما من أدواته وملكته المعرفية والعلمية ليكون دوما السباق فى مضمار الفكر والثقافة، ناهيك عن ملعبه الأصلى السياسة والحياة الدبلوماسية. بكل تأكيد أعطى د. الفقى العلاقة المصرية السعودية ونجاحاتها وتاريخها الممتد منذ الملك المؤسس عبدالعزيز، مرورا بكل الملوك والقادة فى المملكة حقها، وكشف كثيرا من الحقائق الخفية عن تاريخ العطاءات والتضحيات بين القاهرة والرياض وحجم المساندة والدعم الممتد لعقود طويلة من قبل قادة وملوك المملكة لمصر، خاصة بعد أحداث ثورتى 25 يناير و30 يونيو وكيف كانت لحظات المصير المشترك ووقفات الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وحاليا الملك سلمان وقصة نجاح ملحمة القمة المصرية السعودية الأخيرة وحجم الإنجازات والنجاحات التى غيرت معادلات العلاقات والاستثمارات ومسارات التنمية السعودية فى مصر. ناهيك عن أن د. الفقى لم يترك شاردة أو واردة فى علاقات البلدين إلا ولم يمر عليها بأفكاره ورؤاه الثاقبة وعميق فكره المتقد بما فيها قضية تيران وصنافير وجزمه بأنها أراض سعودية بالأدلة والوثائق والخرائط والمراسلات والخطابات السياسية والدبلوماسية المتبادلة. فضلا عن الدور المصرى السعودى الذى لعبه البلدان بشكل كبير واحترافية فى الحفاظ على وحدة البيت السنى فى مواجهة القلاقل الطائفية والمذهبية التى تقف وراءها إيران وأدواتها ووكلاؤها فى المنطقة. واذا كان من كلمة حق تقال دون مواربة لمجمل تلك النجاحات المصرية السعودية، وبلغت ذروة التضحية وقت الشدائد والمحن التى تعرضت لها مصر منذ أحداث 25 يناير، ومساندتها فى الوقوف على قدمين ثابتتين راسختين، حيث كان وراء هذه المواقف السعودية مهندس العلاقات الحقيقى الذى وفر قوة عطاء ومددا حقيقيا لضخ دماء الصلابة والتماسك والدعم وطلب العون والتدخل بشكل يومى لدى قيادته فى المملكة لإنقاذ ومساعدة مصر، إنه بالفعل السفير أحمد قطان، هذا الدبلوماسى المحترف الاستثنائى فى علاقات مصر والسعودية الذى تميز دوما بجسارة التفكير وبراعة الإلهام، لتكريس إمكانات بلده للوقوف والمساندة دوما بجانب مصر حتى هذه اللحظة، حيث مازال يؤمن ويقول بأوضح عبارات ممكنة أن الوقوف مع مصر كان ومازال واجبا مقدسا وبعد أن أقنع الجميع فى مصر والخارج، خلال جولاته المكوكية مع الراحل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السابق، خاصة بعد اللحظات الصعبة لثورة 30 يونيو، أن السعودية لم ولن تسمح بسقوط مصر أو عداء، أو قطيعة العالم لها، ونجحا بالفعل فى تغيير المعادلة الدولية. بالفعل نجح السفير أحمد قطان فى توفير شبكة أمان سعودية فى عديد المناحى والمجالات لمصر ورسم ملامح التوافق الكبرى فى علاقات البلدين، وحصن أدوار ومكانة وخصوصية العلاقات والوشائج من شطط العابثين والكائدين للنيل من هذه العلاقة وبالفعل تفوق على نفسه وآخرين فى رسم دينامية جديدة لتاريخ ومسيرة التوافق والتلاقى والانسجام الحالي، لركيزة علاقات البلدين باعتبارهما الملاذ والقوة والممانعة والحاضنين لكل أزمات ومشكلات وعذابات الشعوب العربية، وبفضلهما يستطيعان إنقاذ العالم العربي.. نعم يستطيعان. لمزيد من مقالات أشرف العشري