تصاعدت فى السنوات الأخيرة قضية بحر الصينالجنوبى، حتى باتت تشغل المجتمع الدولى، وبعد إحالتها إلى المحكمة الدائمة للتحكيم، أثارت هذه القضية مزيدا من النقاشات، فما هى قضية بحر الصينالجنوبى؟ الصينيون هم أول من اكتشفوا وسموا وطوروا وأداروا جزر بحر الصينالجنوبى، وقد مارست حكومات الصين المتتالية السيادة الفعلية على جزر بحر الصينالجنوبى، من خلال اتخاذ التدابير الإدارية والدوريات العسكرية وأنشطة الإنتاج والإغاثة البحرية، وكل ذلك موثق فى العديد من الكتب والخرائط القديمة، أثناء الحرب العالمية الثانية، احتلت اليابان جزر نانشا (أو جزر «سبراتلى»، وهى كلمة استخدمت فى الفترة الاستعمارية)، وبعد الحرب تعهدت اليابان بأن تعيد إلى الصين ما احتلته من الأراضى الصينية وفقا لما جاء فى «إعلان القاهرة» و«إعلان بوتسدام»، وقد أكدت الصين سيادتها على جزر بحر الصينالجنوبى، وعززت إدارتها لها وسيطرتها عليها من خلال سلسلة من الإجراءات، بما فى ذلك تسميتها ونشر الخرائط لها واتخاذ التدابير الإدارية فيها، ولفترة طويلة من الزمن بعد ذلك، ظلت حقيقة أن جزر بحر الصينالجنوبى تابعة للصين معترفا بها من المجتمع الدولى، ولم تعترض أى دولة على ذلك، وفى الخرائط الرسمية لكثير من دول العالم تظهر هذه الجزر ضمن سيادة الصين. ولكن ما حدث، هو أن الدول المطلة على بحر الصينالجنوبى شرعت فى الانتهاك المتواصل للجزر والشعاب البحرية التابعة للصين فى بحر الصينالجنوبى، ثم أخذت تطالب بالسيادة على جزر نانشا والمصالح الاقتصادية فى المياه المحيطة بها، مدفوعة بإغراء المصالح الاقتصادية الناجمة عن اكتشاف كميات هائلة من موارد النفط والغاز فى المنحدر القارى لبحر الصينالجنوبى فى نهاية ستينيات القرن الماضى، بعد ذلك بدأ سريان سلسلة من الاتفاقيات المتعلقة بالمنحدر القارى والمنطقة الاقتصادية الخالصة وفى مقدمتها «اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار» و«اتفاقية المنحدر القارى». لقد بذلت الحكومة الصينية جهودا دبلوماسية دؤوبة لحل قضية بحر الصينالجنوبى عبر التشاور السلمى على أساس الحفاظ على استقرار المنطقة وعلاقات الصين مع دول رابطة جنوب شرقى آسيا (آسيان)، وأثمرت هذه الجهود فى عام 2002 بالتوصل إلى «إعلان مدونة سلوك الأطراف فى بحر الصينالجنوبى»، الذى وقعت عليه الصين ودول آسيان وحدد بشكل واضح مبدأ «الحل السلمى لنزاعات الأراضى الإقليمية وحقوق إدارتها عبر المشاورات والمفاوضات الودية المباشرة بين الدول المعنية»، كما وافقت بالإجماع الدول الموقعة على «الإعلان» على بذل جهود مشتركة لتحديد سلوك الأطراف فى بحر الصينالجنوبى، الأمر الذى أقام أساسا متينا يمكن جميع الأطراف من حسن إدارة الخلافات والسعى للتعاون والحفاظ على نحو فعال على السلام والاستقرار فى بحر الصينالجنوبى. ولكن، مع الأسف الشديد، لم تلتزم الفلبين بالإعلان المذكور أعلاه نصا وروحا، ولجأت بشكل أحادى فى يناير عام 2013 إلى المحكمة الدائمة للتحكيم بشأن بحر الصينالجنوبى، آملة من المحكمة تأييد احتلالها غير الشرعى لبعض الجزر والشعاب البحرية لجزر تابعة للصين فى بحر الصينالجنوبى. موقف الصين من التحكيم بشأن بحر الصينالجنوبى هو: عدم الاعتراف به، عدم المشاركة فيه، عدم قبول نتيجته، وعدم تنفيذه، ولدى الصين ما يكفى من الأسباب المبررة لذلك: أولا: إن ما تصر عليه الفلبين من آراء حول الجزر والشعاب البحرية المعنية فى بحر الصينالجنوبى، لا يتفق مع الحقائق الواقعية، وتحدد بكل وضوح «اتفاقية باريس بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسبانيا» الموقع عليها فى عام 1898، و«اتفاقية واشنطن بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسبانيا» الموقع عليها سنة 1900، و«الاتفاقية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة المتحدة» الموقع عليها عام 1930، الحدود الغربية للأراضى الإقليمية الفلبينية بأنها تمتد بأقصى درجة إلى خط الطول 118 درجة شرقا، بينما ما تطالب به الفلبين من جزر وشعاب بحرية تقع كلها فى الجانب الغربى من خط الطول 118 درجة شرقا، وليس فى داخل حدود الأراضى الإقليمية الفلبينية. ثانيا: إن طلب التحكيم بشأن بحر الصينالجنوبى الذى أقدمت عليه الفلبين بشكل أحادى لا يتفق مع نصوص الاتفاقيات المعنية، تنص «اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار» بكل وضوح على احترام حق الدول الموقعة عليها فى اختيار سبل حل النزاعات، وقد وافقت الصينوالفلبين وفقا لما ذكر سابقا على المفاوضات الثنائية المباشرة لتسوية النزاعات، وذلك موثق فى الملفات الثنائية، بما فيها الإعلان المشترك والبيان المشترك، كما ينص «إعلان مدونة سلوك الأطراف فى بحر الصينالجنوبى»، الذى وقعت عليه الصين ودول آسيان بما فيها الفلبين، على أن النزاعات يجب حلها من قبل الدول المعنية عبر المفاوضات والمشاورات المباشرة. ثالثا: إن قبول المحكمة طلب التحكيم بشأن بحر الصينالجنوبى لا يتفق مع فلسفة القانون، المحكمة الدائمة للتحكيم (PCA) معنية بحل النزاعات المنصوص عليها فى «اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار» والمطبقة لها، فى حين أن قضية الأراضى الإقليمية والسيادة خارج اختصاص الاتفاقية المذكورة أعلاه، إن جوهر قضية بحر الصينالجنوبى هو قضية الأراضى الإقليمية والسيادة، فليس للمحكمة الدائمة للتحكيم أى ولاية قضائية للتحكيم بشأن بحر الصينالجنوبى. رابعا: إن تغاضى المحكمة الدائمة للتحكيم عن إعلان الصين عن استبعاد التحكيم الإجبارى لا يتفق مع الظروف الواقعية، أصدرت الصين فى عام 2006 «إعلان استبعاد التحكيم الإجبارى بشأن ترسيم الحدود البحرية والملكية التاريخية والعمليات العسكرية والإدارة وتنفيذ القانون»، وذلك وفق ما تنص عليه المادة 298 من «اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار»، فلا تملك المحكمة أى حق فى التحكيم بشأن بحر الصينالجنوبى مادامت الصين أصدرت إعلان استبعاد بأثر قانونى. كل ذلك يعنى أن الصين يحق لها كدولة ذات سيادة عدم قبول التحكيم وعدم المشاركة فيه، وذلك يحافظ على «اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار»، ويكبح الاستخدام المفرط للتحكيم الإجبارى، كما يتفق مع القانون الدولى. ومن الضرورى هنا الإشارة إلى أن هناك دولة لم تشارك فى «اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار»، بينما تفرض إملاءاتها على الصين بذريعة «حماية حرية الملاحة»، وتعمل على تصعيد قضية بحر الصينالجنوبى وصب الزيت على النار وزيادة التوتر فى المنطقة، فما هو القصد الحقيقى وراء ذلك؟. موقف الصين الدائم والواضح من قضية بحر الصينالجنوبى هو حل هذه القضية مع جميع الأطراف المعنية بشكل تدريجى. لمزيد من مقالات سونغ اي قوه