هذا كتاب مهم عن الأزهر. حملته معى عند عودتى من آخر زيارة الى تونس بلد جامع الزيتونة. الكتاب يحمل عنوان «حراس الإسلام : علماء الأزهر فى مصر المعاصرة » للباحثة التونسية مليكة الزغل. وهو يتأسس بالأصل على رسالة دكتواره فى العلوم السياسية حصلت عليها من جامعات فرنسا فى عقد التسعينيات.وقد تكفل المركز الوطنى للترجمة فى تونس بنشر الكتاب باللغة العربية قبل أشهر. و لفت نظرى الى الكتاب وأهميته وامتدح ترجمته المفكر عبد المجيد الشرفى رئيس المجمع التونسى للعلوم والآداب والفنون المسمى بيت الحكمة وصاحب الاسهامات المميزة فى دراسة الاسلام والحداثة . والمركز والمجمع هما من أبرز المؤسسات الثقافية فى المغرب العربى بأسره . ولا شك ان اصدار كتاب عن الأزهر من تونس يثرى النقاش هناك حول واقع ومستقبل الزيتونة . وربما وجد تونسيون مايستحق المقارنة وأخذ العبر على ضوء علاقة الدولة بالمؤسسة الدينية بعد الاستقلال الوطنى فى بلدى الأزهر والزيتونة. وسواء من حيث التبعية والالحاق بسلطة الدولة فى الحالتين معا أو تميز الحالة المصرية بالتوسع فى التعليم الأزهرى وانفتاحه على العلوم العصرية وفق قانون 1961 فى عهد الرئيس عبد الناصر.واجمالا فان ثمة حاجة الى دراسات مقارنة بين أقدم ثلاث مؤسسات دينية اسلامية معمرة ومتجذرة فى التاريخ بعالمنا العربى وهى : الزيتونة بتونس والقرويين بالمغرب و الأزهر بمصر .وقد تأسست على التوالى فى أعوام 734 و 859 و 969 ميلادية . ونعود الى الكتاب فيلفت النظر انه يندرج فى سياق علم الاجتماع السياسى مع انفتاح على التاريخ وتاريخ الأفكار.و يتأسس على مراجع وافرة باللغات العربية والفرنسية والانجليزية ومن بينها مجموعات كاملة لمجلة الأزهر منذ عقد الخمسينيات ، فضلا عن كتب ومؤلفات لطيف واسع من الأزهريين تمتد الى أكثر من قرن بكامله . وعلاوة على هذا فان ما يضفى على الكتاب تميزه هو تلك المقابلات التى أجرتها الباحثة بين عامى 92و 1993 مع 35 أزهريا . الأمر الذى مكنها من تتبع سيرهم الشخصية والتعليمية والمهنية بما تعكسه من تنوع وثراء . وهى سير تتقاطع مع تحولات المؤسسة الدينية والمجتمع والسلطة السياسية فى مصر المعاصرة . كما تسمح باستكشاف وفهم مواقف هؤلاء الأزهريين من هذه التحولات وتأثيراتها عليهم . ولقد حرصت الباحثة على تنوع عينة مبحوثيها الأزهريين من أعمار وأصول الاجتماعية مختلفة، وحتى فى التوجهات الفكرية والسياسية . فكان من بينهم الإخوانى واليسارى أو القريب لهؤلاء أو أولئك. ولقد اعتمدت مصطلحات ومفاهيم تفيد بأنها لم تحصر النظر فى تلك الدائرة الرسمية من رجال المؤسسة. ولطالما تتبعت مسارات المجاورين وخلفائهم من الأزهريين أبناء الطبقات الفقيرة بالريف وعلاقاتهم بمحيطهم المجتمعي.تماما مثلما ناقشت تحولات من أسمتهم «ارستقراطية الأزهر» ، وكذا من يطلق عليهم « علماء السلطة» .ناهيك عن «علماء الأطراف» الذين يمثلون الاسلام السياسى الاحتجاجى ، وبينهم من يضفى الشرعية على التكفير والعنف ضد المجتمع والدولة. و يمنح الكتاب تاريخ الأزهر والأزهريين تفاصيل من لحم ودم حين يزاوج بين تطور البنية المؤسسية ومكوناتها من المشيخة و هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الاسلامية والمعاهد والكليات والإدارات من جانب و علاقة الأزهر بالدولة والسلطة السياسية وتفاعله مع المجتمع منذ عهد محمد على مطلع القرن التاسع عشر من جانب آخر وسير أزهريين متنوعى المشارب والتوجهات من جانب ثالث. وفى هذا السياق يقدم شبكة مسارات ومصائر لأزهريين تتفاعل مع تاريخ المؤسسة الدينية وتحولاتها بين موالاة السلطة أو الاحتجاج عليها أو الوساطة بينها وبين المجتمع وطبقاته. شخصيات من قبيل عمر مكرم والشرقاوى وعلى عبد الرازق والمراغى والباقورى ومحمود شلتوت ومحمد البهى وعبد الحليم محمود والشعراوى ومحمد الغزالى وخالد محمد خالد والمحلاوى وكشك وصلاح ابو اسماعيل وأحمد صبحى منصور وعمر عبد الرحمن وغيرهم. وتوصل الكتاب الى استخلاصات مهمة تستحق النقاش .ومن بينها تلك التى تتعلق بالتوظيف السياسى للمؤسسة الدينية فى مصر . وأيضا عن مقايضة ضمنية جرت مع بداية عهد مبارك مطلع الثمانينيات تقوم على المساندة السياسية للنظام مقابل التدخل بالرقابة والتحريض ضد الافكار والكتب الحداثية مما جعل خطاب الأزهر يقترب من الاسلام السياسى المتطرف،وفق ما انتهت اليه الباحثة . وفى ذلك ما يستدعى عبر التاريخ . فقد حملت هيئة كبار العلماء بالأزهر على الشيخ على عبد الرازق وكتابه «الإسلام وأصول الحكم » عام 1925 وفى سياق توظيف الملك فؤاد للمؤسسة الدينية سياسيا لصالح ميوله الاستبدادية ولاضفاء القداسة على طموحاته السلطوية تحت لافتة احياء الخلافة .و العلاقة بين التوظيف السلطوى السياسى للأزهر وبين الميول المحافظة المعارضة لتجديد الفكر الاسلامى من القضايا المهمة التى يطرحها الكتاب . وهى تحتاج المزيد من البحث و النقاش . ولاشك ان الكتاب قد بحث محطات فارقة فى مسيرة مؤسسة الأزهر وبخاصة استحداث تعليم المواد العصرية فى كلياته مع الستينيات والتوسع الضخم فى المعاهد الأزهرية بطول البلاد وعرضها انطلاقا من السبعينيات والانتقال من القومية العربية والاشتراكية الى الحقبة النفطية والسلفية الوهابية .لكن تظل اسئلة من قبيل : هل تطورت مناهج دراسة علوم الدين؟ .والى اى مدى رعى الأزهر تفسيرات عصرية للنصوص الدينية و أسس لخطاب تجديدى و تمكن من التقدم نحو استقلاليته ؟. [email protected] لمزيد من مقالات كارم يحيى