حين تحوّل الفعل الاجتماعى فى سوريا إلى فعل سياسى فى البداية، ثم إلى فعل عسكرى فى وقت لاحق، راهن كثير من المراقبين والمحللين على انهيار النظام السوري، وانتصار ما عرف بالثورة آنذاك، عندها قلت لبعض الزملاء السوريين المتحمسين للتغيير الدموى الحاصل: إن سنوات الحرب ستطول، وقد تنتهى إلى حرب عالمية ثالثة، وها نحن ندخل اليوم العام السادس فى حرب دامية لا يلوح فى الأفق الوصول إلى نهايتها، مع أن الأرض السورية أصبحت مجالا لصراع الأمم على خلفيات عقائدية ومذهبية وجغرافية، بل وتاريخية أيضا. فى الصراع الدائر اليوم فى سوريا حيث يتوزع الجواسيس والموالون للولايات المتحدةالأمريكية ولروسيا الاتحادية فى داخل معظم التنظيمات والميليشات المسلحة، وكذلك يفعل الأتباع المحليون من قادة فاعلين فى النظام، والمؤتمرون من دول الجوار وبعض الدول العربية التى ترى فى رحيل الأسد هدفا يتجاوز فى معناه ومبناه تحرير فلسطين، فى هذا الصراع تبدو أمريكا ورسيا ومعهما العالم فى قبضة سوريا، ولكى يعود المجتمع الدولى إلى رشده عليه أن يتخلّص من هذه الحرب، ويحول دون استمراريتها .وإذا كنا لا ننكر أن المسألة السورية عصيّة عن الحل لكثرة الأطراف المتداخلة فيها، فإن تمييعها لجهة الاهتمام أو الدعوة إلى حلها بما يرضى كل الأطراف المتقاتلة داخليا أو الأمم ذات المصالح الكبري، يعدُّ نوعاً من السفاهة والتيه والغى بالنسبة لأصحاب القرار على مستوى العالم، والدليل على ذلك أننا صرنا نتابع بشكل عبثى يومى اعتبارها قضية رئيسة على جدول المباحثات بين الزيارات المتبادلة بين زعماء وقادة العالم، ولو أيّ قضية فى ماضى البشرية وحاضرها وربما مستقبلها نوقشت على هذا النحو الظاهر الذى نراه اليوم بالنسبة للمسألة السورية لحلّت مشكلات العلم جميعها، ما يعنى أن كثرة الاهتمام بالوضع فى سوريا بما فى ذلك التدخل العسكرى المباشر والدعم اللوجستى قد أفقدت القضية كلها شرعية وجودها من حيث الدفاع عن الحق فى الحياة عبر الإجماع على مواجهة التطرف والإرهاب، سواء أكان إرهاب جماعات أو إرهاب دول. الحرب الدائرة فى سوريا اليوم هى صراع علنى مكشوف بين الحق والباطل، وبين الهويات والمواقف، وبين الجغرافيا والتاريخ، وبين حاضر الإرهاب ومستقبل الدول الكبري، فمثلا لم يحدث فى حدود الأدبيات السياسية أن وُصِفت معارضة تحمل السلاح فى وجه الدولة بالمعارضة المعتدلة، مثلما تروًج الولاياتالمتحدة للمعارضة السورية الموالية لها ولتركيا ولغيرهما من الدول التى تمول هذه الحرب القذرة، كما لم يحدث فى التاريخ العسكرى للأمم أن اعتبر جيش يدافع عن سيادة دولة ووجود شعبه، جيشاً مرتزقاً مطوّعا لخدمة الديكتاتورية كما يروج الإعلام العربى والإقليمى والدولى عن الجيش العربى السوري، الذى أظهر ثباتا فى الدفاع عن دولته.المشهد الراهن يكشف على أن سوريا صامدة، فى وجه تقسيم وشيك، تحركه الولاياتالمتحدة عبر بعض الأكراد من أجل ضرب الوحدة الوطنية، وذلك بعد الفشل الذريع فى إشعال الحرب المذهبية بين السنة والعلويين، وأيضا بعد ادعاءات بأن النظام السورى يسعى لإقامة دولة علوية على الشريط الساحلي، ما يعنى عدم قراءة التاريخ السورى بوعي، ومعرفة تشكل الدولة السورية القومية خلال العقود الست الماضية. من ناحية أخري، فإن صمود سوريا فى وجه عاصفة اقتلعت الجذورفى دول أكبر وأغنى منها، غيّر كل المعطيات على الساحة الدولية، من ذلك البحث عن فضاء آخر للحرب من أجل تشغيل المصانع، وهذا متوقع حدوثه فى أوروبا، لأن الشرق الأوسط مستنقع متروك اليوم لأهله حتى يغرقوا فيه، وآسيا وأفريقيا لم تعودا أيضا ساحتين مجديتين للحرب، فأين ستقع الحرب إذن؟!إذا استثينا من ذلك مصير الدول المغاربية وقد بدأت الحرب من ليبيا على نطاق واسع، وتونس على نطاق ضيق، ويتم تحضير الجزائر إلى حرب مماثلة لتلك التى دارت فى سوريا، يكون الصراغ فيها بين أطراف ثلاثة: دول أروربية بوجه خاص فرنسا، والولاياتالمتحدةالأمريكية، وروسيا الاتحادية فإن الحرب الراهنة أو تلك المنتظرة فيهاغير مجديَّة فى الصراع الدولي، لأن هناك حاجة للحرب بين الأقوياء بعد أن كادت تنتهى بين الضعفاء، ما يعنى أن الحرب بين أمريكا وروسيا ستكون فى الفضاء الأروربي، ويتخوَّف بعض المراقبين من حرب نووية بين الدولتين ، خاصة فى حال فوز هيلارى كلينتون فى الانتخابات الرئاسية المقبلة. ما يتجه إليه العالم هو نتاج الحرب فى سوريا، التى أثّرسلباً على استقرارالدول الأخري، والأزمات الكبرى على المستوى العالمى هى نتاج تلك الحرب إرهابا وحربا وهجرة واقتصادا فعلى خلفية الحرب فى سوريا ظهرت داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية وتحولت إلى مشكلة دولية، وخوفا من التمدد الإيرانى فى المنطقة العربية بعد الدعم المباشر للنظام السورى اندلعت الحرب فى اليمن، وبسبب تلك الحرب هاجر ملايين السوريين إلى دول الجوار وإلى أوروبا، وحتى انخفاض أسعار النفط سببه الحرب فى سوريا. العالم كله اليوم فى قبضة سوريا، وليتخلص منها عليه أن يوقف الحرب هناك، وإن استمرت فإن سوريا لن تغرق وحدها، لأن الطوفان سيعم الجميع، وسيبدأ بدول الجوار خاصة تركيا وإسرائيل.. انهزام الدولة السورية أمام الجماعات الإرهابية لا قدّر الله هو فشل للمجتمع الدولي، وبوجه خاص للعرب، الذين شاركوا فى وصولها إلى هذه المأساة، الحل إذن فى انتصار سوريا وخروجها من بحور الدم، بغض النظر عممن سيحكمها بعد ذلك. كاتب جزائري لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه