منذ عَسْكَرة الانتفاضة السورية، كان واضحا أن وجود سوريا الدولة مرهونا بقدرة جيشها على التصدى والمقاومة، والخوف فى البداية تركّز على فكرة أن تطول الحرب ثم تنتهى إلى انهيار الدولة وبقاء النظام، وهو ما يعتبر حالة راهنة مع بعض التعديل، وهو تعديل أساسى حصل نتيجة تجمع كل قوى الشر هناك، ويتمثل فى التزام الجيش السورى بالدفاع عن وطنه مهما كانت التكلفة، وقد تقاطع هذا مع الدفاع عن السلطة أو النظام وأيضا الشرعية ممثليْن فى الرئيس «بشار الأسد»، الأمر الذى جعل منه جزءا أساسيا وحاسما فى الحل، وليس كما يُروّج بعض القوى فى الداخل، وبعض الدول ذات الثأر المتعلق بمواقف وخطب للأسد ما كان له الحق فى الإدلاء بها، وما كان لها الحق أبداً فى اشعال سوريا وقتل شعبها والمساهمة فى تهجيره أوأخذه رهينة لدول أخرى مثل: تركيا، وإسرائيل، وإيران. اليوم، وبعد الإعلان الروسى الصريح، الداعى إلى البحث عن حل سياسى للأزمة السورية، مع تأكيد الدور الفاعل للجيش العربى السورى فى مواجهة الجماعات الإرهابية، ممثلة فى «داعش وأخواتها»، تتضح أهمية الجيش السورى، وحاجة الشعب إليه فى المحافظة على ما بقى من الدولة، أو على الأقل إعادة الأمل فى بناء الدولة، ليس هذا فقط بل إن هناك حاجة ماسة لدول العالم للجيش العربى السورى، بما فيها تلك التى تناصب النظام السورى العداء، وإن ادّعت غير ذلك، وهذا يعود لسببين، أولهما: أن الجيش السورى تمكّن من الصمود خلال السنوات الأربع الماضية، مع أنه يحارب على عدة جبهات ويواجه جيوشا من دول كثيرة، تحت تسميات مختلفة، والثانى: أن الأزمة السورية ألقت بظلالها على كثير من دول العالم، وتحوّلت من ورقة ضغط على النظام السورى إلى وسيلة ضغط على جميع دول العالم. لقد شُنَّت حرب ظالمة على سوريا من أجهزة استخبارات عالمية، وبدعم من قوى دولية لها حساباتها ومصالحها الخاصة، وفى اطار المواجهة الشرسة والمتراكمة ارتكب الجيش العربى السورى أخطاء قاتلة بل بعضها يعدًّ بمنزلة الخطيئة، لكن لم تكن مقصودة، ووجهت له اتهامات مثل تلك التى وجهت للجيش الجزائرى عند محاربته الإرهاب وحيداً فى تسعينيات القرن الماضى، أو مثل تلك التى سَتًوجّه للجيوش العربية كما يلوح فى الأفق، بعد أن تضع الحرب أوزارها فى اليمن ولبييا والسودان، غير أن تلك الاتهامات حتى لو ثبتت إدانته بها ليست مبررا لإنهاء دوره ليس فقط لحاجة الشعب السورى إليه، ولكن بوجه خاص حاجة العالم إليه كما ذكرت آنفا. عملياًّ، وبعيداً عن العواطف ووثنيّة الانتفاضات، فإن الجيش السورى بدفاعه عن الشرعية قدّم خدمة جليلة للعالم، حيث لم يسمح بقيام دولة للجماعات الإرهابية، وما رأيناه من استيلاء الجماعات الإرهابية على الأراضى السورية فى اطار الكر والفر، يأتى ضمن المواجهة الشاملة، وليس كما تروجّ له بعض الأطراف المؤيدة للإرهاب من أنه يتم ضمن اتفاقات بين السلطة والجماعات الإرهابية. من ناحية أخرى أثبت الجيش العربى السورى صدقيَّة الرأى القائل إن الجماعات الإرهابية وتحديدا داعش، لا تتقوّى وتنتشر إلا فى حالات ثلاث، أولاها: أن يكون الجيش مخترقا طائفيا ومذهبيا وسياسيا أو غير متواصل مع ماضيه العسكرى لجهة التنظيم والولاء، كما هى الحال فى العراق، وثانيتها: أن يكون غير موجود بالأساس وخير مثال على ذلك ليبيا، رغم المحاولات الراهنة لتكوين الجيش الوطنى الليبى من جديد، وثالثتها: تشتيت الجيش الوطنى، واشغاله بعدة حروب فى وقت واحد، مع استمرارالمواجهة بدعم مالى وإعلامى خارجى، كما نرى فى سوريا اليوم. هكذا إذن يبدو الجيش العربى السورى فى حالة صمود، مؤكدا وطنيته، وإن اتهم بدفاعه عن النظام، أو اعتباره جيشا طائفيا، وبغض النظر عن تقييم دوره فى سنوات الحرب الأهلية الماضية، فإن العالم اليوم بحاجة لدوره حتى لا تغرق دول الجوار ومعها دول الاتحاد الأروربى فى طوفان هجرة السوريين، وما سيترتب على ذلك من تأثير فى التركيبة السكانية وفى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بل وفى الأوضاع العسكرية والجيو استراتيجية، الأمرالذى أصبح محل ادراك من كل الخبراء الأمنيين والعسكريين والاستراتيجيين، خاصة بعد أن تحولت سوريا إلى منطقة جاذبة للتنظيمات الإرهابية، وللقوى الكبرى، أو الدول الصغرى التى تبحث لها عن دور يَقِيها ديكتاتوريتها الداخلية المعادية للديمقراطية. الكل اليوم فى حاجة للجيش العربى السورى للقيام بدوره فى مواجهة الإرهاب على الأرض، حيث لاتوجد قوة أخرى قادرة على ذلك، بما فيها قوات التحالف المشاركة فى الحرب من خلال القصف، وبعيدة عن الوجود على الأرض، وهذا ما يكشف عنه الموقف الروسى من خلال دعمه الحكم فى سوريا. وفى السياق نفسه تبدو دول الجوار فى حاجة ماسة لاستقرار سوريا، رغم استفادتها من أزمتها اقتصاديا أو سياسيا أو عسكريا، فلبنان مثلا تحلم اليوم بعودة السوريين إلى وطنهم، خوفا من تغير فى التركيبة السكانية من الناحيتين الدينية والمذهبية، والأردن تتمنّى عودة السوريين، حتى لا تظل المملكة رهينة لانقسام يعيد تكريس الصراع الفلسطينى الأردنى، وتركيا تسعى بوسائل مختلفة للتخلص من اللاجئين السوريين، وعامل الزمن مهم بالنسبة لها خاصة بعد عودة «حزب العمال الكردستانى» إلى العمل المسلّح. وبالنسبة لإسرائيل، مع أنها المنتصر الوحيد من استنزاف الجيش السورى، فإنها تتخوّف من النتائج التى ستئول إليها الأوضاع فى المستقبل المنظور، وينطبق الأمر على باقى دول العالم الأخرى سواء العربية والغربية المتورّطة فى عمليات الدعم للجماعات الإرهابية المسلحة بما فى ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية، أو الدول الغربية التى تعمل اليوم من أجل التكيف مع أوضاع اللآجئين، وما سيترب عليه من تغييرات منتظرة على الصعيدين المحلى والدولى. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه