الحسم فى سوريا لن يكون إلا بحرب بريّة واسعة النطاق، ذلك لأن التحالف الدولى الذى اتَّخذ من الجو مجالا للقضاء على داعش لمدة تجاوزت السنة لم يحقق انتصارا من أيّ نوع، بل على العكس من ذلك ساعد على تمدّدّ التنظيم، ما يعنى وجود تحالف مشبوه بين القوى الدولية وبين التنظيمات الإرهابية، أقربها من ناحية الحجة ما أعلن عليه من دعم لجماعات معادية للتنظيم بالسلاح المتطوّر من الولاياتالمتحدة وحلفائها العرب، والهدف الحقيقى من ذلك الدعم هو محاولة إفشال أيّ تقدم تحرزه القوات النظامية، وبالتالى يتم تحقيق هدفين فى وقت واحد، الأول: استمرارية استنزاف الجيش العربى السورى لمصلحة إسرائيل، والثاني: عدم اعطاء الفرصة للقوى الدولية المساندة للشرعية ممثلة حاليا فى الرئيس بشار الأسد خاصة روسيا وإيران بالإضافة للدول الأخرى التى تحارب من أجل بقاء الدولة السورية موحّدة.من الناحية السياسية فإن الحرب فى سوريا بدأت عربية منذ اللحظة التى تم فيها شرعنة تلك الحرب حين أرسلت جامعة الدول العربية وفدا لتقصى الحقائق ثم لم تعترف بنتائجه، وأيضا منذ أن أبعدت سوريا من الجامعة العربية، وهى الدولة المؤسسة، وكذلك منذ أن سارعت الجامعة العربية بطرح المسألة السورية على مجلس الأمن، يومها دوّلت القضية فى وقت مبكّر.. لقد كان كل ذلك بمنزلة حرب أو مشاركة فى الحرب على الأرض السورية لمصلحة الجماعات الإرهابية. كما تمّ تعريب الحرب الأهلية السورية عمليا حين تدخل حزب الله لمساندة النظام السوري، على خلفية محاربة مشروع يستهدف جبهة المقاومة، وإن كان بعض المراقبين يرجع ذلك إلى التكتل المذهبي، والأمر نفسه ينطبق على العراق، مع أن النظام السورى دعم بشكل مباشر قوى جهادية سنية وشيعية حاربت ضد القوات الأمريكية بعد احتلال العراق عام 2003، هذا فى وقت نرى دولأ أخرى عربية وغيرعربية تقدم دعما لوجستيا لقوى المعارضة المسلحة، ناهيك عن الدّعم الإستخباراتي، وهذا بمعرفة جميع الدول العربية المساندة منها للنظام السورى وما أقلها، والمعادية له وما أكثرها. تلك المشاركة العربية فى الحرب السورية، كانت خيارا استراتيجيا للدول المعنية، تظهر تفصيلاته ووقائعه ضمن حسابات تتعلّق بالتحالفات الإقليمية والدولية، من ذلك الشعور بخطورة تدخل دول الجوار غير العربية مثل: تركيا وإيران، وترجيح الكفة لمصلحة إسرائيل، وتأثير تلك الحرب سلبيا على دول الجوار العربي، خاصة العراق والأردن، أما اليوم، وبعد التدخل العسكرى الروسى بشكل مباشر فإن المشاركة فى الحرب ستكون بالإكراه، خاصة إذا شاركت روسيا بقوات برية هناك، وهذا لن يحدث إلا فى حال وصول الدولة السورية إلى انهيار كامل، وأصبح التقسيم الجغرافى وما سيتبعه من صراع عرقى وإثنى ومذهبى هدفا فى ذاته وبالطريقة نفسها التى سعت إليها الدول المعادية لسوريا منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية ودعمها من الخارج بكل عناصر التطرف، ليسهل القضاء عليها بعد أن تنهى الوجود الجغرافى والبشرى لسوريا. لم يعد مجدباًّ اليوم الدعم العربى غير المباشر للقوى المتصارعة فى سوريا، فالدول التى تحارب داعش بما فى ذلك روسيا ليس فى أجندتها محاربة الجماعات الإرهابية براًّ بأفراد من جيوشها إلا على نطاق ضيق كمستشارين أو مدربين على غرار ما فعلت الولاياتالمتحدة فى الأيام الأخيرة، وكما فعلت روسيا قبل تدخلها العسكرى الجوى وبعده، كما أن تلك الدول غير قادرة على محاربة الجماعات الإرهابية على الأرض لسببين، أولهما: أن تلك الجماعات جيوش غير نظامية، وهذا يُصعّب من مهمة إلحاق الهزيمة بها، وثانيهما:أن تكلفة الحرب البرية البشرية ستثير الرأى العام داخل الدول المشاركة، ويبدو أن الجماعات الإرهابية مدركة لهذا الأمر، لذلك عمدت إلى القيام بعمليات فى دول غربية، كما رأينا فى فرنسا على وجه التحديد. وصلنا إذن إلى مرحلة النهاية فى هذه الحرب القذرة، وأصبح التدخل البرى ضرورة، عموده الفقرى الآن الجيش السوري، لكنه فى حاجة إلى دعم من قوى عربية أخرى بعد أن أثبتت الأيام أن دعم حزب الله للجيش السورى قد ساند الدولة على مواصلة الحرب، لكنه يواجه اليوم اختراقات داخل لبنان، كما أن مواصلته الحرب ستستنزفه وهذا لمصلحة إسرائيل، وبالمقابل فإن قوى المعارضة المسلحة محتاجة إلى دعم برى من الدول العربية المؤيدة لها، خاصة تلك الدول التى ترى بضرورة رحيل بشار الأسد حتى لو دفع ذلك إلى استعمال القوة. المرحلة الراهنة تكشف كل يوم أن الحل السلمى للأزمة السورية يمرُّ عبر العمل العسكري، البرّى تحديدا، وقد تهّرب العرب من ذلك لسنوات بطرق مختلفة، وظنوا أنهم سيأوون إلى الأممالمتحدة أو الدول الكبرى لتعصمهم من بقاء بشار الأسد فى الحكم، وهاهم اليوم بتراكم الأخطاء يجدون أنفسهم تحت حماية دولية تحارب الجامعات الإرهابية على أرضهم بعد أن صدّرتها لهم منذ ثمانينيات القرن الماضي، هذه الحماية تطالبهم منذ شهور سرا بالتدخل البرى لمحاربة داعش وأخواتها، وقد وصل الأمر فى الأيام الأخير إلى درجة الضغط المباشر خاصة من روسيا، وقد يصبح هذا المطلب علنا فى الأيام القليلة المقبلة. إنها نُذُر حرب بين العرب على الأرض السورية، قد ينتصرون فيها على الجماعات الإرهابية، لكنهم قد ينهزمون، ويولون الأدبار أمام مخاطر التقسيم والتفرقة وضياع الدولة القطرية بعد ضياع الجامع القومي، وسيعترفون بعد فوات الأوان بأن سوريا بتصدّيها للإرهاب السنوات الخمس الماضية قد حمت الأمة العربية، وعطّلت مشاريع التقسيم، وجعلت بعض الدول العربية ينعم بالأمان ولو إلى حين. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه