من يتأمل أحوال العالم, خصوصا إذا غاص وراء العناوين والسطور, فإنه يخرج بأحد احتمالين: إما أن العالم قد فقد عقله, وإما أنه يمر بتطورات عاصفة لدرجة أن هذا العقل صار عاجزا عن ملاحقة ما يحدث.. قالها الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين في عاموده اليومي بالأهرام يوميات عام4891. ونعم, قالها قبل أن يجتاحنا وبشكل مرعب طوفان الانترنت وتسونامي الفيسبوك والتويتر وكل اخواتها. الا أن السؤال يبقي كما كان: هل العالم فقد عقله؟ أم أن عقولنا صارت عاجزة عن ملاحقة ما يحدث.. وعن فهم ما يحدث من تطورات وتدهورات متلاحقة تعصف بحياتنا وبنا.. وبعقولنا ؟!. علامة استفهام تتبعها علامة تعجب. ...................... ولا شك أننا في محاولاتنا المتكررة للهروب من الواقع أو فلنقل لمواجهته قد نلجأ أحيانا الي أحضان الطبيعة أو نلوذ بعوالم الآداب وآفاق الفنون الساحرة. هذا الملاذ الحاضن للخيال الانساني لا شك أنه يشعرنا ولو لحين بالأمان والدفء والحميمية وبأن الأسئلة الصعبة التي تلح علي أنفسنا ومنها من أنا؟ وماذا أريد أن أفعله وأحققه؟.. أو أكون أو لا أكون؟ كما قالها هاملت الشهير أسئلة كانت ومازالت معنا منذ البداية وستظل معنا. وان اجابتها أو اجاباتها ربما تطل علينا من بين صفحات الكتب وفي مشاهد الأفلام وفي مقاطع الموسيقي ومن خلال سطور المسرحيات.. ان دول العالم شرقا كانت أم غربا وعبر مدنها العديدة( صغيرة كانت أم كبيرة) تحتفل هذه الأيام بمرور004 عام علي وفاة الكاتب الانجليزي العظيم وليم شكسبير( وكان في ال25 من عمره). وشكسبير بلا شك كان ولا يزال له سحره وجاذبيته وشهرته وبصمته لدي كل من عشق القراءة أو من سحره وأبهره المسرح. شكسبير هو الحاضر دائما وتوجد قصص حب واعجاب وانبهار قديمة وأيضا متجددة تجاه أعماله وشخصياته وكلماته وفلسفته.انه أسطورة عشق أبدية أو ربما عشق أسطورة أبدي وصف سمعته أكثر من مرة وأنا أبحث عن اسطورة شكسبير وعشقه لدي شعوب العالم. في كتاب شكسبير في مصر لرمسيس عوض نجد الرصد والتأريخ لملامح العشق المصري. وفي كتاب شكسبير في أمريكا للأكاديمي والخبير الشكسبيري جيمس شابيرو من جامعة كولومبيا يرصد المؤلف تفاصيل العلاقة الحميمة التي ولدت ونمت وتشعبت في العالم الجديد عبر القرون وفي كافة ملامح الحياة الأمريكية سواء كانت علي خشبة المسرح أو علي شاشة السينما أو في مدرج الجامعة أو لدي أهل القرار في العاصمة الأمريكية. ويذكر في هذا الصدد أن قبل قرنين من الزمان كان ربع عدد المسرحيات المعروضة علي امتداد مدن الساحل الشرقي لأمريكا من أعمال شكسبير.أهل فيلادلفيا مثلا ومن هم من عشاق المسرح والتمثيل شاهدوا12 مسرحية لشكسبير ما بين عامي0081 و5381. وعبارات شكسبير وكلماته ليست قاصرة علي من يذهب للمسرح بل هي حاضرة في كلمات وخطب وقفشات السياسيين والفنانين والمعلقين.. ولدي كل من يرون في أعمال شكسبير تفسيرا وتحليلا وسخرية لسلوك البشر وتصرفاتهم وعقدهم النفسية والاجتماعية. وبما أن الاشتباك والتصادم بين النفوس البشرية والمصالح والأطماع هم مكونات أبجدية الحوار اليومي الدارج في عاصمة القرار الأمريكي واشنطن فلم يكن بالأمر الغريب أن نجد مخرجا مسرحيا اسمه توم برويت يقول عن شكسبير وعشق الأمريكيين له: ان الناس مازال يساورهم القلق والحيرة تجاه ما تعنيه السلطة وتجاه كيفية التعامل معها أو الاحتفاظ بها. ودون أن تأخذنا متاهات الفلسفة أو تشغلنا التفسير النفسي أو الاخلاقي للسلطة ومن يسعي الي المنصب أو من يتشبث بالكرسي أو يستغل السلطة لأقصي درجة فان ما يجده المشاهد أو فلنقل القارئ لمسرحيات شكسبير هو هذا الصدام الأخلاقي وهذا الصراع النفسي أو العقلي في مواجهة مغريات السلطة ومصائبها معا. ولذلك ليس غريبا علي الاطلاق أن يكون لشكسبير حضور يومي في واشنطن عاصمة القرار والمصالح والنفوذ والتربيطات والمؤامرات. بما أن حديث واشنطن الشهير والمفضل منذ فترة طويلة كان المسلسل الدرامي السياسيHouseofCards( بيت من الأوراق) فلم يتردد أكثر من متابع لهذا المسلسل الذي تدور أحداثه في العاصمة الأمريكية وتعكس صراع القوي فيها بأن يشير الي أن شكسبير بمسرحياته وشخصياته متواجد ومؤثر وموحي لهذا العمل الدرامي الحديث الذي نجد فيه ريتشارد الثالث والليدي ماكبث واوتيللو أيضا بشكل أو آخر. ولا يمكن الحديث عن شكسبير في العاصمة الأمريكية دون أن نذكر مكتبة فولجر المتخصصة في عوالم شكسبير علي بعد خطوات من كابيتول المقر الرئيسي للكونجرس الأمريكي. وهذه المكتبة أو المتحف تم افتتاحه في32 أبريل2391 في عيد ميلاد شكسبير ال863. وكل عام في هذا اليوم وفي هذا المكان الساحر والمبهر بتراث شكسبير عبر العصور يتم الاحتفال بعيد ميلاد شكسبير بقراءات من أعماله يشارك فيها أسماء مشهورة وأيضا عشاق مغمورون للمسرح وللكلمة المكتوبة. وهذا المكان يفخر( وهكذا يقول) بأن لديه ما ليس لدي الآخرين من تراث شكسبير. مثل النسخة الأولي أو الطبعة الأولي التي جمع63 من أعمال شكسبير المسرحية والصادرة عام2361. ومكتبة فولجر أو متحف فولجر لا يضم فقط نصوصا مسرحية بل كل ما له صلة بالمسرح الشكسبيري من صور واكسسوارات وملابس علي مدي التاريخ كما يضم قاعة مسرح وعروضا تماثل ما كان يعيشه ويعايشه شكسبير في أيامه. وحسب كتاب عنوانه عملية جمع شكسبير: حكاية هنري واميلي فولجر فان الثري الأمريكي هنري فولجر وزوجته كانا يعشقان شكسبير واقتناء كل ما له صلة به وبأعماله لذلك صرفا أموالا ضخمة في جمع تراثه وفي اقامة المبني الحالي. وأن هنري واميلي لم يكن لديهما أبناء أو بنات ولذا قاما بتسمية نسخ مسرحيات شكسبير بالأبناء. ومن عجائب القدر أن هنري فولجر توفي قبل أن تكتمل المكتبة ويتم افتتاحها. وهذه المكتبة أو فلنقل هذا المتحف لا يحافظ علي التراث الشكسبيري فقط لمن يزوره.. بل له برامج تعليمية مخصصة للتلاميذ والطلاب يتواصل من خلالها ومن خلال موقعه الالكتروني ليجعل شكسبير معهم حيا وحاضرا ومعاصرا وعابرا للأجيال.. ومقروءا لدي كافة الأعمار! .................... لعالم شكسبير سحره وأسراره.. وقد ظلت معنا004 عام..