- فى رسائلها إلى شقيقها المستشرق الإنجليزى إدوارد وليم لين «الملقب بمنصور أفندي» مؤلف كتاب (المصريون المحدثون) وقعت صوفيا لين فى نفس المأزق الذى تعرض له الرحالة الأجانب رجالا كانوا أم نساءً على مر العصور عندما رصدت فى «كتابها المرأة المصرية فى عهد محمد على» ظواهر شكلية، لم تستطع نتيجة لحاجز اللغة واختلاف الخلفية الثقافية تفسيرها ليصل بها الأمر لتصور أن إطلاق الزغاريد استقبالا للعروس صراخا!!. - فى مشهد من «فيلم سى عمر» فيما يجلس نجيب الريحانى مع عبدالفتاح القصرى أمام مائدة طعام لها إيحاءاتها فى ثقافتنا تشى كلماته التى لا غبار عليها ظاهريا بمأزقه وفيما يدرك المشاهد أن عباراته محاولة لإقناع القصرى بفك اسره، نلاحظ أن الأخير لا يدرك مغزى كلماته التى ما أن يحل شفرتها حتى يثور و يتوعده من جديد..!!. - خرج احمد من البناية الكبيرة مزهوا بنفسه لحصوله على جهاز حاسب شخصى أحدث قايضه بجهازه القديم. لكنه سرعان ما عاد لنفس التاجر بعد أن اكتشف أن الجهاز شفره صاحب الأول بكلمة سريه نسى أن يحذفها أو يكشفها للتاجر!!. - فيما يرقب اختفاء آخر جزء من المعدية التى ابتلعتها مياه النهر، ضرب كفا بكف وقال «لا إله إلا الله.. دندرة تاني!!».. تداعت للمراسل الصحفى صرخة البطوطى عندما هوت الطائرة المصرية قرب سواحل الولاياتالمتحدة وما أثير حولها بسبب الاستغاثة بالله فسأل زميله «هل تعمد ربان المعدية إغراقها؟!». {{{ صور وحكايات وإن اختلفت فى المكان والزمان والسياق ليست مجرد مفارقات درامية تبعث قليلا من الضحك والكثير من البكاء بقدر ما هى توصيف لحالات سوء الفهم بسبب ضبابية الإحالات لتجارب مشتركة تستدعى ردود الفعل المناسبة وتستثير الحالة الشعورية المتوقعة وغياب شفرة مشتركة يمكن من خلالها التواصل والتعبير عن الذات!!. تشير دراسات الانثروبولوجى والتحليل الثقافى إلى أن النسيج الثقافى الإنسانى يحمل فى ثناياه عددا من الموتيفات الثقافية التى تحدد البناء المعرفى لأبناء أى مجتمع وتشكل أفكارهم وتقاليدهم وبالتالى هويتهم التى يتعرفون من خلالها على أنفسهم ويتعرف بها الآخرون عليهم. وفى كتابها«العقبة الثقافية» وصفت كارول.م.أشر المشاكل الناجمة أثناء التواصل بين شخصين ينتميان إلى خلفيتين ثقافتين مختلفتين بالعقبة التى تعوق وصول المعنى موضحة أنها تنشأ عندما يجد فرد نفسه فى موقف وغريب أو مُحرج عند التفاعل مع أشخاص ينتمون لثقافة مختلفة. وفى كتاب ريفيتا ليبيهالمي «عقبات ثقافية – مدخل تجريبى إلى ترجمة الإحالات»، الذى ترجمه للعربية د.محمد عناني، تشير الباحثة للترجمة كشكل من أشكال التواصل بين الثقافات موضحة أن قدرا لا يُستهان به من نجاحها يعتمد على فهم الإحالات (أى الإشارة إلى نصوص آخرى أو أعلام أو عبارات أو حدث أو حال يفترض انه مألوف وأن الإحالة قد تكون مضمرة أو صريحة مباشرة). وتوضح أن تجاهل الإحالات لا يؤدى فقط لإفقار النص بل أيضا لتزييف الرسالة أو تغييبها تماما،وأن فهم الإحالات الذى يتطلب من المترجم ثنائية ثقافية تمكنه من نقل المعنى الكامن فى النص بكل دلالاته وإيحاءاته،ضرورة ليس فقط للحفاظ على قيمة النص وضمان وصول الرسالة الحقيقية لكاتبه والمعنى المحدد الذى يرمى إليه النص كاملا غير منقوص بل أيضا باعتباره شرف المترجم وتأكيد لأمانته ودقة عمله. وتوضح الباحثة أن دراسات الترجمة على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية تجاوزت فكرة مجرد نقل اللفظ لتصبح الأولوية معرفة ما تعنيه الكلماتفى سياقها الثقافى بحيث ينقل المترجم الدلالة التى يريدها المؤلف أو المعنى المحدد الذى يرمى إليه النص كاملا. ورغم أن الدراسة فى مُجملها تعتمد على إحالات لنصوص أجنبية فإن الرؤية التى تطرحها لا تقدم لنا فقط إطلاله على منهج جديد لدراسة تكتسب أهمية متزايدة فى واقعنا المعاصر بل أيضا تُفسر الكثير من الإشكاليات التى تواجه ترجمة الشعر ونصوص الكتب المقدسة ومأساة تأويلها وتفسيرها ومشكلة التكريس لصور نمطية بعينها. وأخيرا فإذا كان غياب الشفرة وغموض الإحالة بين الغرباء مشكلة فإن الأخطر ظهوره بين من يتحدثون لغة واحدة ويعيشون على نفس الأرض ويحملون نفس الهوية، وهو ما قد نتوقف أمامه فى وقت لاحق.. لمزيد من مقالات سناء صليحة