تسللت شركات التول تصنع الدواء من الباطن الي سوق الدواء.. تعبث بمقدراته وتنخر في كيانه وتضعف قوته وتكبله بأغلال تعوق انطلاقه وتدفعه نحو هوة سحيقة ومصير مجهول. وبات الخطر كطائر يحلق بجناحيه حول فعالية داء يمثل نحو30% من حجم انتاج سوق الدواء.. ينتج عبر خطوط انتاج تهيمن علي أكثر من400 شركة تول.. دون أدني مسئولية قانونية أو علمية.. فضربت سمعته في مقتل وفقد المريض الثقة في قدرته علي مجابهة المرض. سادت فوضي عارمة سنوات طويلة وسط ضوابط غائبة لاتقوي توجيه شركات التول أو منع سيطرة بشر غير مؤهل علي مقاليد صناعة الدواء.. حتي حدثت الإفاقة من الغيبوبة.. تحركت وزارة الصحة تسبر أغوار ما خلفته سنوات الإهمال ومعها سارت في نفس الدرب غرفة صناعة الأدوية تعيد صياغة كيان تلك الشركات. وبرغم ذلك بقي الألم ساكن جسد سوق الدواء ومازالت بعض شركات التول تنفذ من أبواب خلفية.. تتحايل علي القانون وتروج لأدوية مبالغ في جدواها والمصانع التي تدير خطوط انتاجها تضعف امام إغراء المال. هناك خطر يلوح في الافق.. عملت علي شيوعه شركات التول سعيا وراء مكاسب مالية.. دون وضع مستقبل صناعة الدواء الوطنية في الاعتبار وبات المشهد في حاجة لوقفة جادة وحازمة ورؤية مختلفة لوضع سائد وترك آثارا بالغة في جسد تلك الصناعة. يلقي الدكتور محمد عبد الجواد القائم بأعمال نقيب الصيادلة باللوم علي النظام الذي كان سائدا في التعامل مع شركات التول قائلا: كان النظام الحاكم الذي يضبط إيقاع عمل هذه النوعية من الشركات نظاما فاقد الوعي لم يضع في اعتباره رقابة محكمة تصون جودة الدواء.. مما أضر كثيرا بصناعته الوطنية وأفقدها السمعة الطبية التي يجب ان تتحلي بها. وهذا دون شك أوجد مناخ عمل غير سوي لشركات التول مازال قائما ويحتاج لمراجعة حقيقية... تصلح ما أفسده في سوق الدواء.. خاصة ونحن أمام أدوية طرحت عبر هذه الشركات ذات قيمة علاجية ضعيفة جدا, وخرجت من مصانع صغيرة قامت علي اكتفاف صناعة التول.. حتي اصبحت الشركات المنتجة له تستخدمه كباب خلفي لصناعة الأدوية المنتهية الصلاحية ومن يستطيع قبول واقع تؤدي فيه شركات التول25 الي30% من إنتاج سوق الدواء في مصر.. نحن أمام كارثة حقيقية حفاظا علي حياة المرضي. لم يجد الدكتور جلال غراب وكيل لجنة الصناعة بمجلس الشوري تشبيها دقيقا علي شركات التول ويعكس به واقع عملها.. سوي انها كالباعة الجائلين.. وبحسب قوله.. هذه الشركات تعمل بلا هدف حقيقي وفي غياب مظلة تحمل سوق الدواء الذي ضربته في مقتل وكثيرا ما تسرب الي المرضي دواء غير فعال في مواجهة وعلاج الأمراض بعدما انعدم الضمير وبات نظام عمل هذه الشركات بابا خلفيا لجمع الأموال وتكوين الثروات. إن الزيادة الكبيرة في عدد شركات التول يعكس واقعا مؤلما يضر بصناعة الدواء ويأخذها لهوة سحيقة تفقدها القدرة في الحفاظ علي سمعة الدواء المصري ولست أدري ما أهمية وجود كل هذا الكم من الشركات التي لا تؤدي دورا فاعلا وانما تقضي علي صناعة الدواء. سوق الدواء في مصر يحتاج لمصانع تعمل من أجل بناء كيان لها ولا تحتاج لشركات التول... باعتبارها كيانات هشة غير قوية ولا تملك نظام عمل يمكنها من الصمود والاستمرارية وصيانة حقوق المرض. تكمن خطوة الوضع القائم لشركات التول علي حد قول الدكتور أحمد عبد العزيز أستاذ الصيدلة الاكلينيكية بحلوان في خضوع تلك الشركات تحت سطوة غير الصيادلة بعدما دخل المجال التجار ورجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال بحثا عن الأرباح الوفيرة التي تحققها شركات التول تحت مظلة نظام عمل يحتاج لمراجعة توقف نزيف صناعة الدواء وتمنع انحرافها عن مجراها الحقيقي. ولست أدري كيف يمكن قيام أشخاص غير الصيادلة بإنشاء شركات التول... كيف يكون نظام عمل هؤلاء في ظل مكاسب دخلوا الي المجال من أجل تحقيقها وصناعة الدواء عندما نتعامل معها بمنطق الربح.. فإننا بصدد القضاء عليها. يزيح الدكتور مكرم مهنا نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية الستار عن جوانب هامة في نظام عمل شركات التول بقوله: تزايد اعداد هذه النوعية من الشركات ينذر بكارثة تحدق بصناعة الدواء وتضرب سمعة فعاليته في مقتل.. نحن أمام أكثر من400 شركة يسعي أصحابها الي تحقيق الربح السريع دون النظر الي مستقبل ما يتم تصنيعه عبر هذه الشركات وان كان هناك البعض يلتزم حرصا علي تحقيق المصلحة العامة ولابد أيضا في هذا الاطار ان نفرق في التعامل بين شركات عالمية ومكاتب يحكم النظام في عملها اشخاص ليس لديهم مؤهلات تحقق طفرة في صناعة الدواء وهذا في تقديري الخطر الذي داهم جودة الدواء واثر علي ثقة المرضي فيه. هناك شركات هشة ظهرت في السوق لا تقوي علي بناء كيان راسخ لها في سوق الدواء ولا تملك المقومات التي تجعلها ذات تأثير في اتجاهات صناعته وكيف يكون لها ذلك وهي لا تملك سوي جدران خاوية من أي عناصر بشرية مؤهلة. لقد قطعت الإدارة المركزية لشئون الصيدلة والكلام علي لسان نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية شوطا كبيرا علي طريق تصحيح الأوضاع بعد غياب كامل للمسئولية القانونية لوضع شركات التول وعدم القدرة علي إحكام الرقابة فيما يتم تصنيعه عبرها. فكثيرا ما ضاعت المسئولية بين شركات التول والمصانع. والاخطر من كل ذلك في تقديري قيام هذه الشركات بترويج لأدوية مشكوك في ضوء قواعد علمية حول مدي فاعلية الأثر الذي تحدثه دون موثق أو ضوابط تحكم السيل الجارف لهذه النوعية من الأدوية وهذا ما يجب التوقف أمامه ومحاربته حفاظا علي الصحة العامة للناس. يقفز من بين جوانب الواقع سؤال يتبادر للذهن حول تزايد أعداد شركات التول التي بلغ أكثر من400 شركة في مقابل انحسار شديد لمصانع الأدوية.. الاجابة كانت حاضرة في ذهن الدكتور أحمد عبدالعزيز استاذ الصيدلة الاكلينيكية بحلوان.. قائلا عندما تغيب القيود والقواعد الحاكمة لتنظيم عمل هذه الشركات وعدم إحكام السيطرة علي نظام عملها..فإننا بصدد مناخ يشجع علي زيادة اعداد شركات التول.. فلا مسئولية قانونية تجاه التصنيع ولا استثمارات ضخمة.. ربح سريع دون مسئولية أو التزامات من أي نوع.. المناخ السائد حاليا يشجع علي ذلك. وزارة الصحة أمام مسئولية في هذا الصدد.. بعدما عملت علي تغييب نظم حاكمة تحكم عمل شركات التول,ووضعت العراقيل أمام إنشاء مصانع الأدوية.. لقد وضعت قواعد غير مقبولة ولا يمكن ان يتصورها عقل تشديد مغالي فيه في اصدار تراخيص المصانع وتحديد قيمة رأس المال ب50 مليون جنيه. يضم الدكتور مهنا صوته إلي رأي شجب قسوة الاعباء المطلوبة لانشاء مصنع فيقول نحن أمام أعباء جسيمة تنوء لها عصبة أولو قوة.. حتي يتسني الموافقة علي إقامة مصنع أدوية.. شريط طويل من المراحل والضوابط المعدة التي تدفع بالكثير من المستثمرين إلي الهروب من إنشائه والبحث عن طرق أخري يدخل بها المجال دون تعريضه لحملة إجراءات معقدة وفق شركات التول إحدي الوسائل الرئيسية البديلة لإنشاء مصنع.. في ظل السماح له بالتصنيع لدي الغير. في الماضي كان تسجيل الدواء يتم بورقتين ليس فيهما ضوابط ولا قواعد تضمن المسئولية القانونية والعلمية فتوقفنا ووضعنا ضوابط صارمة لعملية التسجيل ويقيني بأن تلك الضوابط سوف تطيح بشركات التول غير الجادة التي تتعامل مع القضية بمنطق السبوبة. ولم نعد الآن نتعامل مع مسئولية شائعة وانما نحن أمام مسئولية محددة يتحملها المصنع وحده.. فإذا حدث خطأ في التشغيلة.. لا تسأل عنها شركة التول,وانما يحاسب عليها صاحب المصنع امعانا في اجراءات أكثر قوة وصرامة علي خطوط الانتاج التي كانت تتساهل مع شركات التول في كثير من الاجراءات أمام إغراء المال الذي يجمعه المصنع. ويستطرد الدكتور كمال صبره قائلا: نحن لا نعمل في معزل عن تطور علمي ومنهجي يسود معظم دول العالم وتضعه وتقوده منظمة الصحة العالمية ولدينا إلتزام بتطبيقها وإذا كنا قد وضعنا اشتراطات بشأن إقامة مصنع الدواء.. فان هذه الاشتراطات لا تخرج عن كونها قواعد معمول بها في دول العالم ولا يوجد بها تعقيدات أو عقبات تدفع هروب المستثمرين,وانما هناك احتياجات للمصنع تلبيتها لن يتم الا وفق تطبيق ما وضع من اشتراطات وتقوم لجنة متكاملة بمعاينة المصنع اكثر علي مدار ثلاث مراحل للتأكل من وجود المعايير الدولية المتعارف عليها وتلك هي القضية وليس رأس المال الذي قيل عنه البعض بأنه لا يجب أن يقل عن50 مليون جنيه لكل مصنع.. هذه قضية لا تقوم عليها المعايير الحاكمة لانشاء المصنع. واذا كان البعض يروج لقسوة شروط اقامة مصانع الدواء وانحسار انشائها في مقابل تزايد اعداد شركات التول.. فان ذلك يجافي الحقيقة بدليل ان هناك68 مصنعا جديدا تحت الانشاء. لا يمكن لقطاع الصيدلة العمل منفردا دون مشاركة حقيقية لغرفة صناعة الادوية في مواجهة ما تخلقه شركات التول من آثار سلبية علي سوق صناعة الدواء.. خاصة ان الغرفة فتحت لهم أبوابا لاحتضانهم وبحسب قول الدكتور مكرم مهنا نائب رئيس الغرفة.. نحن نتعامل مع واقع فرض من سنوات وتصحيحه يحتاج بعض الوقت والغرفة ليست بمنأي عما تفعله شركات التول.. فهي تعيد دراسة أوضاعها.