عندما تولى الدكتور كمال صبرة منصب مساعد وزير الصحة لشؤون الصيدلة طلب مهلة لتوفيق أوضاع سوق الدواء. والآن، بعد مرور عام من توليه المسؤولية كان لابد من «وقفة خاصة» مع الرجل بعدما خاض العديد من المعارك خلال العام، كان آخرها معارك ال«40 مترا» مع نقابة الصيادلة، وال«500 متر» مع مخازن الدواء، و«التسجيل والتسعير» مع شركات الدواء والمستحضرات الطبية. وكشف «صبرة»، فى حواره مع «المصرى اليوم» عن أن سوق الدواء تعيش مرحلة صعبة ستنتهى إلى تعديل أوضاعها لتستعيد الريادة، موضحا أنه أعطى مهلة زمنية لشركات الدواء لتتوافق مع مواصفات الجودة الأوروبية والأمريكية. وأكد أن معاركه لم تنته، مشيرا إلى أن المعركة القادمة ستكون مع شركات إنتاج المكملات الغذائية.. وإلى نص الحوار: ■ كيف تسلمت سوق الدواء المصرية؟ - السوق كان بها تسيب لدرجة كبيرة، وكانت الصناعة تعانى من انعدام الثقة فى الداخل والخارج، ولم يكن هذا مقبولا لدولة مثل مصر لأنه كان نتاج سياسات خاطئة. ■ لكن جميع قراراتك قوبلت برفع دعاوى قضائية أمام المحاكم.. وهجوم إعلامى؟ - كانت هناك دعوى مرفوعة من غرفة الدواء تنازلت عنها، ولا توجد مشكلات معها. ونحن ننظم ورش عمل مشتركة فى التسعير والتسجيل. وبالمناسبة كل قرارات الوزارة نتجت عن اجتماعات مشتركة مع أصحاب المصانع والعاملين بالسوق، ولم تصدر دون التشاور معهم وإقناعهم بأهمية كل خطوة. ■ لكن من حرك القضية شعبة مستحضرات التجميل التابعة لغرفة صناعة الدواء؟ - لا أعرف سوى أن القضية تم التنازل عنها، والآن هناك ورش عمل لتنظيم كل شىء. ■ القضية كانت بسبب مساواة رسوم رخصة مصانع التجميل بمصانع الدواء؟ - فى السعودية يدفع المستثمر 61 ألف ريال مقابل زيارة واحدة للمصنع قبل التشغيل، ونحن قررنا أن تكون 50 ألف جنيه مقابل عدة زيارات تستمر لعامين هى فترة إنشاء المصنع حتى تشيغله.. فأين الضرر الواقع على أطراف المصلحة؟. كما أننا نستعين بخبرات خارجية فى التفتيش والتقييم وهذا ليس بالمجان. ■ الاعتراض على رسوم التسجيل شمل أيضا وضع أسعار لخدمات كانت تقدم بالمجان وزيادة رسوم خدمات أخرى تعدت ال500%؟ - من يقبل الحصول على خدمة دون أن يدفع سعرها؟ الشركات رفضت فى البداية ظنا منها أننا لن نقدم خدمة حقيقية، وعندما حصلت على الخدمات لم تبد اعتراضا، كما أنها «خلت عين المفتش مليانة»، ووفرت موارد استطعنا من خلالها توفير سيارات لانتقالهم بدلا من انتظارهم سيارات الشركات التى كانوا يفتشون عليها، واستطعنا رفع أجورهم لضمان النزاهة فى العمل. ■ بعض المخازن تتهمك بمحاربتها، والسعى لإغلاقها؟ - أنت لو تاجر خضار وقمت بتخزين خضارك فى أى مكان من الممكن أن يفسد، فتخيل الحال بالنسبة للدواء الذى يتأثر بأى عامل جوى، كما أن سمعة الدواء المصرية تضررت كثيرا بسبب سوء التخزين، وأصبح لزاما علينا اتباع مواصفات التخزين الجيد، وعندما توليت المهمة شاهدت مخازن لا ترقى لأن تكون «محال بقالة قديمة» بخلاف الشقق والبدرومات التى تتحول لمخازن. كل ذلك وتريد أن يصل للمواطن الدواء فعالا.. كيف؟ ■ لكنك وضعت «الجرس» فى عنق الشركات بشأن المخازن.. ألا ترى أن هذا عبء عليها؟ - بالعكس، أى صانع يريد لبضاعته أن تحظى بسمعة جيدة، لذلك عليه أن يختار مكانا جيدا لتخزينها حتى لا تتلف قبل وصولها إلى المستهلك وهذا ما فعلته.. ألزمت الشركات بوضع أدويتها فى المخازن المعتمدة المطابقة للمواصفات والمصنع الذى يخالف يتلقى العقاب وللأمانة الصناع موافقون على ذلك. ■ هل تجاوبت الشركات معك؟ - فى البداية اعتقدت أننا غير جادين، وأن «الغربال الجديد له شدة»، ولكن بعد أن زاد نشاط لجان التفتيش، وأوقفنا خطوط إنتاج ومصانع لا تراعى الجودة والشروط القياسية فى التصنيع بعضها قطاع أعمال والبعض لشركات عالمية ومحلية عرفوا أن الأمر «مافيهوش تهريج» وبدأوا يلتزموا، وبدأنا نتفاهم وننظم لقاءات نتفق خلالها على الخطوات المقبلة. نحن لدينا مصانع أكثر من ألمانيا، وبينما نصنع لأنفسنا فقط.. تصنع ألمانيا للعالم كله. ■ الجودة تعنى زيادة التكلفة.. فهل ستدعمون الشركات التى تسعى لرفع جودتها؟ - نعم الوزير كان صريحا فى ذلك وقرر إعطاء الشركة التى تتوافق مع المواصفات الأوروبية والأمريكية 10% زيادة عند التسعير. ■ على حساب المواطن؟ - لماذا نغمة على حساب المواطن، فالمواطن لديه استعداد لأن يدفع أكثر مقابل دواء آمن وفعال 100%. وال10% تعنى جنيهاً للدواء الذى سعره 10 جنيهات، بما يعنى أن العشرة جنيهات تصبح 11 جنيها.. ألا يستحق المصنع الذى يبحث عن الأمان لحياتك هذا الفرق. ثم هل تعرف أن دولا مثل إثيوبيا بدأت تلتزم بالاشتراطات العالمية على الدواء المصدر لها. نحن أعطينا الشركات 10 سنوات، وبعدها لن نقبل بأقل من المواصفات الأوروبية والأمريكية، ونستعين فى ذلك بخبراء من أوروبا وأمريكا لتقييم مستوانا ووضع خطط حتى نصل إلى مستوى أوروبا وأمريكا. ■ ماذا عن الأدوية مرتفعة الثمن؟ - مرتفعة الثمن يعنى «واخده حقها». ■ وهل وجدت حلا لمشكلة الأسعار التى تعوق التصدير؟ - اتفقنا مع عدد كبير من الدول على أن أسعار مصر فى الداخل لها بعد اجتماعى، ولا يمكن التصدير بهذه الأسعار، ومن الممكن للشركات أن تصدر بأسعار أعلى من السعر المحلى. ■ وما رايك فى موقف معهد الأورام، الذى اشترط أن يكون الدواء المصرى المتقدم لمناقصته حاصلا على شهادات الرقابة الأوروبية والأمريكية؟ - المعهد خالف القانون، لأننا الجهة الوحيد التى لها حق إجازة دواء أو منعه أو رفضه من الأساس. وما فعله المعهد يضر بالدواء المصرى ويسىء له فى كل الدنيا ولا أعلم سببا لذلك، خاصة أن أساتذة المعهد أعضاء بلجنة التسجيل، التى تجيز الدواء الخاص بالأورام أو ترفضه، الأمر الذى يكشف تناقضا ويضع علامة استفهام. ■ شركات الدواء التى لا تمتلك مصانع «التول» تتهمك بالمساعدة فى المذبحة التى تتعرض لها؟ - تخيل أن «التول» فى العالم كله يعنى أن مصنعاً لا يملك خط إنتاج كبسولات، مثلا يصنع لدى مصنع آخر.. ولكن فى مصر شركات «التول» وجدت نتاج سياسة سمحت قبل سنوات للمنتجين بأن يكون للدواء الواحد أى عدد من البدائل «فتح البوكسات». وفجأة، وجدنا أكثر من 500 شركة «تول» فى السوق منتشرة مثل الشبكة العنكبوتية، وتؤثر على الاستثمار فى السوق وعلى الجودة، وبالتالى على الثقة فى الدواء المصرى. واعتقد أنه من حقى دراسة الأمر وتأثيره على السوق. ■ ولكن ليس من حقك أن تغلق تلك الشركات؟ - لم أغلق شركة واحدة.. فقط قررت وقف التسجيل لفترة حتى أرى ما يمكن عمله فى هذا الموقف، وسبقتنى غرفة الصناعة بقرارها وقف تسجيل شركات «التول»، الأمر الذى يعنى أن الكل يستشعر خطر دخول غير المختصين من التجار فى هذه السوق، وعدم تقديمهم أى إضافة، التول أصبح «بزنس غير المختصين»، وملفات الدواء يبيعونها قبل الحصول على الموافقة النهائية. عموما تلك الشركات قائمة، ولكن لن أسمح بالمزيد منها قبل إعادة الانضباط للسوق حتى لا تضر بالصناع. ■ إحنا نتكلم عن كيانات قائمة و«بيوت ناس مفتوحة».. لماذا لا تضع خطة للنهوض بمستواهم؟ - تخيل أن طلبات تسجل الأدوية 53% منها لشركات تول، وعندما ضبطنا عدداً هائلاً من دراسات الثبات المزورة وجدنا أن 85% منها لشركات تول. ■ إذن هناك تجاوز من المصانع أيضا؟ - نعم، المصنع أستطيع معاقبة وتوقيع غرامات عليه، ولكن شركة التول لا يمكننى الإمساك بها، لأن مقرها «مجرد شقة مؤجرة»، ومن الممكن أم تتركها فى أى لحظة. ■ من يصنع للتول هو المسؤول عن منتجه؟ - بالضبط، لذلك كانت وقفتنا لوضع أسس التعامل، وقررنا أن المصنع هو المسؤول عن كل ما ينتج لديه، سواء كان إنتاجه لصالحه أو لصالح الغير. وبالتالى سيعاقب إذا تم ضبط شىء غير فعال، ولم نوقف شركة تول واحدة، ولكننا درسنا الموقف وحددنا هدفنا واتخذنا قرارنا، وأنا لن أتعامل مع «أى واحد ييجى من الشارع يقوللى أنا صاحب شركة تول». ■ وما هى معركتك القادمة مع شركات الدواء؟ - شركات الدواء عرفتنى الآن جيدا، وعلمت أننى أعمل لصالح السوق وتحقيق الجودة، وهذا يصب فى مصلحتها، ومعركتى المقبلة مع شركات المكملات الغذائية، التى تدعى أن منتجاتها تعالج بعض الأمراض فى حين أنها تصنع مكملات غذائية لا علاقة لها بالدواء والعلاج. ■ بعض الأعشاب والأغذية تساعد العلاج فعلا.. والأطباء يعتبرونها علاجا ويكتبونها فى «الروشتة»؟ - لا، على الإطلاق، وأنا أولا لا أعرف ما يقوله مندوب الدعاية للطبيب، وثانياً هل أعمل منتجاً من الجزر وأقول لك إنه يساعد على علاج أمراض العين.. هذا كلام غير مقبول. وفى أمريكا تم تغريم أكبر شركة دواء فى العالم 2.3 مليار جنيه، لأنها كتبت فى «البروشور» الخاص بأحد أدويتها أنه يعالج أمورا، واتضح أن هذا غير صحيح بنسبة 100%، بينما فى مصر يكتبون على المكملات أنها تعالج كل شىء.. إذن ما الفرق بينهم وبين من يجلس على الرصيف بأعشاب لا نعرف مصدرها ويقول إنها تعالج كل الأمراض، فالمكملات هى التحدى الأكبر الذى أواجهه. ■ هل اتخذت أى خطوات بالنسبة لهذه القضية؟ - كتبنا لنقابة الأطباء نطلعها على وجهة نظرنا، وللشركات مراعاة للدقة، فيما يكتبون عن أدويتهم فى النشرات الداخلية، وضبطنا عددا من الشركات المخالفة وطلبنا منها تغيير النشرة، ولكن فى الفترة المقبلة ستكون العقوبات أشد. ■ تقف الآن وجها لوجه مع الصيادلة بسبب قرارتك الأخيرة؟ - كل القرارات التى اتخذتها بناء على مشاورات مع النقابة وبناء على طلباتها، ثم عادوا وقالوا «ماطلبناش». عموما القرارات كان لابد منها، ولا تراجع عنها، فهى تصب فى صالح المواطن والصيدلى ولن نقبل فى الصيدليات بجودة أقل من الجودة العالمية، ولن أقبل إلا أن يستخدم الصيدلى جهاز كمبيوتر يدون عليه كل بياناته ومعلوماته، وأن ينظم صيدليته بصورة ملائمة، ويحافظ على ألا تزيد درجة الحرارة بها على 30 درجة مئوية.