تعقد بواشنطن يومى الخميس والجمعة القمة الرابعة للأمن النووي، بمشاركة أكثر من 55 دولة ومنظمة دولية، حيث تشارك فيها مصر بوفد برئاسة وزير الخارجية، والتى تهدف إلى تعزيز الأمن النووى ومنع الإرهابيين والمجرمين من الحصول على المواد النووية التى يمكن استخدامها فى الأسلحة النووية والمواد المشعة الأخرى التى يمكن استخدامها فى أجهزة النشر الإشعاعي، من خلال حث الدول على اتخاذ التدابير الملائمة والتشريعات التى تحول دون الحصول على مثل هذه المواد، أو المعلومات أو التكنولوجيا الحساسة التى يمكن استخدامها لأغراض خبيثة، ولمنع أعمال الإرهاب والتخريب. وقد طالبت القمم الثلاث السابقة (واشنطن 2010 – سول 2012- لاهاى 2014) الدول المشاركة باتخاذ العديد من التدابير الطوعية التى تشمل نشر المعلومات حول القوانين واللوائح والهياكل التنظيمية الوطنية، وتبادل الممارسات الجيدة، بالتوازى مع مطالبة الدول بالحفاظ على مخزونها من البلوتونيوم المفصول على أقل مستوى، وتشجيعها على تقليل استخدام اليورانيوم عالى التخصيب إلى الحد الأدنى عن طريق تحويل وقود المفاعلات من اليورانيوم عالى التخصيب إلى يورانيوم منخفض التخصيب، فضلاً عن وضع الخطط الأمنية الملائمة لإدارة الوقود النووى المستهلك والنفايات المشعة ذات المنسوب المرتفع. ورغم تسليم بعض الدول مخزونها من اليورانيوم عالى التخصيب للولايات المتحدة للتخلص الآمن منه (أوكرانيا – شيلى ..)، أو تخفيفه إلى يورانيوم منخفض التخصيب وتحويل البلوتونيوم المفصول إلى وقود أكسيد مختلط، فإن ذلك لم يدفع الدول النووية الخمس إلى اتخاذ الإجراءات التى تكفل تحقيق الشفافية حول مخزون أسلحتها النووية، كخطوة نحو تعميمه على كل الدول الحائزة للقدرات النووية الإستراتيجية. على العكس فقد سعت الولاياتالمتحدة لتشديد ترتيبات الرقابة الفعالة على الصادرات وآليات فرض تنفيذ القانون لتنظيم عمليات النقل النووى ومكافحة النقل غير المشروع للمواد النووية، رغم وجود لجنة بالأمم المتحدة معنية بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1540 (يحظر على الأفراد والجماعات والمنظمات من غير الدول امتلاك أو نقل المواد النووية)، كخطوة نحو السيطرة على حركة تداول الوقود النووي، وبما يمكن أن يشكل تجاوزاً للقانون الأساسى للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومساساً بحق الدول فى الحصول على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية مستقبلاً، والذى يعد حقاً أصيلاً تتيحه معاهدة حظر الانتشار النووى N.P.T، لاسيما مع انتهاجها معايير مزدوجة فى التعامل مع القضايا النووية فى منطقة الشرق الأوسط (تجاهل الأنشطة النووية الإسرائيلية – رفض أى محاولات لاستصدار قرارات دولية تطالب إسرائيل بإخضاع برنامجها النووى لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية – فرض عقوبات اقتصادية وعزلة دولية على إيران لإجبارها على التخلى عن برنامجها النووي..). تكتسب مشاركة مصر فى هذه القمة أهمية خاصة، فى ضوء التفاهمات المصرية/ الروسية لبناء أول محطة نووية لإنتاج الطاقة، والحاجة لدعم القوى الدولية لجهودها فى هذا الشأن، خاصة فى مجال الأمن والأمان النووي، ودعم قدرات الدولة فى السيطرة على المواد النووية، والتصدى للتهديد المتزايد من الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية للمعلومات الحساسة وأنظمة التحكم (تعد مسألة أمن المعلومات والإنترنت أحد محاور بيان قمة الأمن النووى فى لاهاى 2014 ) للحيلولة دون التعرض لمشكلات تكنولوجية خلال مراحل إنشاء وتشغيل المحطة النووية على غرار ما حدث مع البرنامج النووى الإيراني، فى ظل تنامى قدرات بعض القوى الإقليمية والدولية فى هذا المجال، وسعيها للتأثير فى استقرار تلك التفاهمات ( اهتمام وسائل الإعلام وأجهزة الأمن الإسرائيلية بمتابعة زيارة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى لكازاخستان باعتبارها من أكبر الدول المالكة للوقود النووى - تعبير بعض المسئولين الأمريكيين عن قلقهم من طبيعة التسهيلات التى يمكن أن تقدمها روسيا لإقامة البرنامج النووى ). تجدر الإشارة إلى انتهاج إسرائيل سياستى الغموض والاحتكار النووى والذى تحرص بمقتضاه الحكومات الإسرائيلية على عدم السماح لأى من دول المنطقة بالحصول على التكنولوجيا النووية ( سابق قيامها بتدمير المفاعل النووى العراقى وقصف المنشآت النووية السورية عام 2008 – استمرار محاولاتها لإجهاض البرنامج النووى الإيراني..)، فضلاً عن تكليف الوحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» بالقيام بأنشطة هجومية فى مجال حرب المعلومات وتنفيذ هجمات الكترونية لتعطيل الحواسب الالكترونية فى الدول المستهدفة، بالتوازى مع تكثيف الأنشطة الاستخباراتية لمتابعة تطور الإمكانات النووية المتاحة لدول المنطقة ( منشآت – مواد نووية – علماء – بحوث..) تمهيداً للتعامل معها لتقويض فرص امتلاكها قدرات نووية سواء سلمية أو إستراتيجية. ورغم تأكيد الإدارة الأمريكية فى بداية الفترة الرئاسية الأولى للرئيس «باراك أوباما» على اتخاذ خطوات جادة للتصديق على معاهدة حظر التجارب النووية، والتوصل إلى معاهدة لحظر المواد الانشطارية، فضلاً عن العمل على إخلاء العالم من الأسلحة النووية، وهى الأفكار التى أسهمت فى حصول الرئيس الأمريكى على جائزة نوبل للسلام عام 2010، إلا أن الممارسات العملية أوضحت عدم مصداقية الولاياتالمتحدة فى هذا المجال، خاصة أنها السبب الرئيسى فى عرقلة المبادرة المصرية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وعدم تفعيل قرار الشرق الأوسط الصادر عام 1995 الرامى لإخضاع المنشآت النووية الإسرائيلية للرقابة الدولية، فضلاً عن تجاهل المطالب العربية بعقد مؤتمر دولى لبحث فرص إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية تنفيذاً للتوصيات الصادرة عن مؤتمر المراجعة لاتفاقية منع الانتشار النووى عام 2010 . لاشك فإن مشاركة مصر فى تلك المحافل الدولية تدعم فرص الخروج بنتائج تؤمن مصالحها الحيوية، من خلال التعرف على المعايير الدولية لحماية المعدات النووية الحساسة، فى ظل وجود دول خارج نظام منع الانتشار تشكل تهديداً للأمن الإقليمي، وبما يتطلب ضرورة النظر فى اتخاذ الإجراءات والتدابير الأمنية لحماية المنشآت والمواد النووية من المخاطر التى يمكن أن تتعرض لها، والتدريب على سيناريوهات التعامل مع الهجمات الإلكترونية ضد الحواسب المستخدمة فى المواقع الحساسة، مع الاعتماد على حليف إستراتيجى يمكن الوثوق به، فضلاً عن دعم فكرة إنشاء بنك دولى للوقود النووى يضمن – وفقاً لاشتراطات دولية – توريد المواد النووية، لتفادى الاعتماد على دول قد يصعب استمرار توريدها لتلك المواد مستقبلاً نتيجة التغير فى المواقف السياسية حيال القضايا المختلفة. لمزيد من مقالات لواء . محمد عبدالمقصود